المدينة الجديدة.. رؤية متطورة وحلول مبتكرة
عايش: المدينة الجديدة ستحمل الدولة كلفا اضافية
خضير: قربها من مسار ناقل مياه "الديسي" يسهل نقل الماء إليها
شبيب: التخطيط الشمولي للنقل والمواقف وتوفير بنية تحتية متكاملة
عقل: استخدام الطاقة المتجددة متطلب أساسي للمدينة الجديدة
خزاعلة: فئة جديدة ستقيم في المدينة
الأنباط – عمر الخطيب وزيد مبيضين
في إطار السعي الدؤوب للمملكة نحو التقدم والازدهار ومواكبة التطور للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة، وبتوجيهات ملكية سامية، اصبح ملف "المدينة الجديدة" على طاولة رئيس الوزراء جعفر حسان، ويأتي مشروع المدينة الجديدة بنظرة متطورة ومفهوم مختلف عن المدن التقليدية، حيث يطلق عليها البعض "المدينة الذكية" نظرًا للآليات المتبعة في إنشائها لتخدم ساكنيها وفقًا لمتطلبات الحياة العصرية، وتوفير سبل الراحة والاستقرار فيها.
ولعلَّ من أهم المتطلبات التي يجب أن تتوفر فيها الطاقة النظيفة بعيدًا عن ملوثات البيئة بفعل العوادم المنبعثة من مصادر الطاقة التقليدية، إضافةً إلى شبكات الطرق الداخلية والخارجية ووسائل النقل المتاحة فيها، كما يجب أن يأتي هذا المشروع لتخفيف الاكتظاظ السكاني في عمان والزرقاء، ناهيكَ عن استقطاب المستثمرين وتوفير بيئة ملائمة للاستثمار، مما يرفد خزينة الدولة بعوائد اقتصادية جيدة، ويتيح فرص عمل جديدة قد تقلل من نسب البطالة التي تعد مرتفعة نسبيًا.
استثمار وفرص
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي للمدينة الجديدة، يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أنَّ هذه المدينة ليست أولوية حيث ستحمل الدولة كلف إضافية مبينا أن الاهتمام بهذه المدينة أكثر سيكون على حساب المدن الحالية، والخشية أن تكون عبارة عن مدينة عرض لـأصحاب الثروات .. إلى آخره أكثر مما تكون متاحة للمواطنين العاديين وذوي الدخل المتوسط وحتى الدخل المرتفع عند مستويات معينة، موضحا انها ستكون مدينة نخبة أكثر من كونها مدينة مواطنين بشكل عام.
وقال عايش أنه مع كل تحرك يسمح بـ زيادة النشاط الاقتصادي حتى لو من خلال المدينة، وما يرشح عن مضمونها في الواقع الذي يُظهر أنها ستكون مختلفة عن المدن الاخرى وهذا أمر طبيعي، وستكون فيها تقنيات جديدة ورقمية تكنولوجية معرفية، بالإضافة إلى أنها ستكون ذكية، مشيرًا إلى الخوف من كلفة المدينة وإنشاءها سيحمل الدولة مزيدًا من الديون وكما حدث مع دول أُخرى ربما يصبح متعذرًا في بعض الحالات سداد الالتزامات التي تترتب على إنشائها أو على الأقل في مواعيدها مما يزيد من كلفة الفوائد والقروض والديون المترتبة عليها.
واضاف: على الحكومة أن تكون منظمة لـ المدينة من خلال تواجد أكثر من مستثمر فيها، بالإضافة إلى تخطيط لـ البنية التحتية سواء الرقمية أو الصحية أو الاتصالات أو الطرق أو غيره، مشيرًا إلى أن يتم إماطة إقامة هذه المدينة بـ مستثمرين أو بالقطاع الخاص، بحيث لا تحمل الحكومة ولا الخزينة ديونًا إضافية، ولا تكون عرضة لـ أي تعثر قد يصيب إنجاز المدينة، بالإضافة إلى حتى تلتفت الحكومة أكثر إلى أن ترفع مستوى الذكاء الإصطناعي في المدن المختلفة وتحسن من قطاعات النقل ومن الإنبعاثات الكربونية وتقللها وتحسن من المستوى الخدمي في هذه المدن.
وأضاف عايش أن على الحكومة أن ترفع من سوية الأداء لـ كثير من الفعاليات في هذه المدن، وتزيل التشوهات فيها، وتحولها إلى مدن أكثر رفقًا بـ الناس المقيمين بها وتعطي الأفضلية إقامة هذه المدينة للقطاع الخاص أو للمستثمرين بحسب المواصفات التي تحددها، مبينًا أن الحكومة لن تتحمل كلفًا إضافية تقريبًا، ومع ذلك ستكون هي المشرف على التنظيم العام لهذه المدينة بكل ما يعنيه ذلك من إضافة للقطاع العقاري والحضري والتقني والذكي، بالإضافة إلى أن الحكومة لا تتحمل التكاليف المترتبة على إنشاءها،
وتابع يجب الاستفادة من تجارب الآخرين في المجال وأن أي مشروع في البنية التحتية وفي إقامة المدن والعقار وما يتعلق به بالتأكيد أنه يوفر فرص عمل إضافية، ولكن نوعيتها هي القضية والعائد منها هو الموضوع، لافتًا إلى أن استدامة فرص العمل هي التي يُفترض أن تكون من المعايير المتعلقة بفرص العمل الإضافية
وأشار إلى طرق جذب المستثمرين من ضمنها المشاريع التي ستضمنها المدينة، أو مستثمرين مطورين عقاريين ومطورين تكنولوجيين، ويمكن استقطابهم في هذا المجال على قاعدة العائد الذي يمكن أن يتحقق لهم من وراء المساهمة والاستثمار في هذه المدينة ومن الذين تتوجه إليهم المدينة لاستقطابهم إليها.
وأوضح أن الإشكاليَّة في الموضوع هي أنه لا أحد يستطيع أن يقدم أفكارًا تتعلق بالكيفية التي يمكن أن نضمنها، لأن المدينة ما زالت عنوان أكثر من أنها تفاصيل وما زالت ضمن خطط عامة وليس تفصيلية، بالإضافة الى دورها التنموي وأن تكون لوجستية مثلاً حيث الحركات منها وإليها أو أن تكون قادرة على خلق مواقع لـ التوزيع الصناعي، الزراعي، التكنولوجي، المعرفي، العلمي، والتعليمي، مبينًا أنَّ عليها توفير للمواطنين الإمكانيات للاستفادة من خدماتها ومنشآتها وتقنياتها.
وذكر أن البنية التحتية لـ المدينة يجب أن تكون رقمية ذكية المعرفة متاحة وتكون في خدمة العملية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفر مزيد من الإمكانيات وزيادة الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى أن تكون نموذجًا لـ كيفية إقامة مدن جديدة صديقة ل الناس قريبة إليهم.
وأضاف عايش أن المدينة جاءت لكي تقدم فرصة لـ جميع المواطنين وألّا تكون لـ مجموعة "النخبة" وحتى يكونوا جزءًا منها ومن خدماتها وقادرين على الاستفادة مما توفره من إمكانيات لـ تحسين مستوياتهم المعيشية أو الخدمية أو المعرفية، أو التقنية لـ يؤدي إلى حل مشكلات اجتماعية مختلفة وحل مشكلة الإزدحام و تقليل الانبعاثات الكربونية وأن تكون نموذجًا لكيفية تطوير المدن الأردنية لكي تكون صديقة بالبيئة ورفيقة بالناس وقادرة على أن تتفاعل سواء من خلال الذكاء الصناعي أو غيره.
الذكية.. واستدامتها البيئية
وقال خبير المياه الدولي د.كمال خضير أنه يوجد تقاطع كبير بين مفهوم المدن الذكية وحماية البيئة والتنمية المستدامة بشكل عام، من خلال الاستفادة من البنية الأساسية المهمة لـ المدن الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي من جهة واستخدام التكنولوجيات الحديثة في بناء وتطوير وتشغيل المدن الذكية من جهة أخرى، مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون تصميم المدينة الذكية من خلال طراز يمزج بين التقليد والحداثة عن طريق استغلال المواد الأساسية في البناء من البيئة المحيطة ولا سيما أن موقعها المتوقع قريب من الصخور الرخامية في منطقة جنوب مادبا وضبعة، بالإضافة إلى الصخور البازلتية في الأزرق والتي يمكن أن تكون الموارد الأساسية في بنائها.
وأضاف يجب الانتباه للتصميم بـ سهولة التنقل من داخل المدينة وإلى خارجها مع ضرورة التأكيد من إمكانية التنقل داخل المدينة باستخدام وسائل التنقل، والاستفادة من أشعة الشمس في الإضاءة الداخلية والتهوية دون اللجوء إلى وسائل تكنولوجية، مبينًا أن المدينة تقع بالقرب من مسار ناقل المياه الديسي إلى عمان ومسار الناقل الوطني للمياه مما يمكنها من الاستفادة بـ توصيل المياه دون جهد أو عناء، بالإضافة أنها قريبة من مصادر المياه الجوفية في جنوب عمان والأزرق وذلك لن يجعل عملية إيصال المياه لـ المدينة تشكل صعوبة.
وتابع خضير أنه خلال تصميم المدينة والأبنية والممرات يجب مراعات إمكانية الاستفادة من الحصاد المائي بحيث يمكن تجميع مياه الأمطار الساقطة على المباني والمسطحات والشوارع والممرات وتخزينها ومعالجتها وإعادة استخدامها، مضيفًا أنها قريبة من مطار الملكة علياء الدولي ومكب النفايات الماضونة الذي يتيح لها الاستفادة من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة من محطة المطار، ومحطة معالجة مياه صهاريج الصرف الصحي في الماضونة، ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي في المدينة، وفي ري المسطحات الخضراء في المدينة وتنظيف الشوارع والممرات، وبعض الابار الجوفية المالحة بالقرب من المدينة والتي يمكن استخدامها.
واضاف أنه يجب إدارة مصادر المياه بشكل صحيح مع الأخذ بعين الإعتبار ترشيد استهلاك المياه من خلال استخدام المواد والأجهزة الموفرة لـ المياه وزيادة فعالية استخدام المياه، كما يجب أن يراعى أثناء التصميم شبكات توزيع المياه للإستفادة من التضاريس الموجودة بـ حيث تنساب المياه في مختلف المرافق ومواقع الاستهلاك بشكل طبيعي اعتمادًا على الجاذبية بدون الحاجة إلى محطات ضخ، بالإضافة إلى إدارة النفايات المتولدة في المدينة بـ طريقة علمية تأخذ بعين الإعتبار وتقليل كمية النفايات من خلال الإستغلال الأمثل للمواد وتقليل حجمها وفرزها لإعادة استخدام ما يمكن منها، إعادة استخدام البعض منها قبل إرسالها إلى مكب نفايات الماضونة المجاور.
وبين أنه يجب مراعاة تقليل الإنبعاثات الغازية والكربونية من خلال استهلاك الطاقة والاعتماد على الطاقة المتجددة واستخدام وسائل نقل صديقة لـ البيئة وأنظمة مرور سهلة وذكية، مشيرًا إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة من الشمس والرياح وإنتاج الطاقة من خلال حرق النفايات المتولدة في المدينة وإنتاج الطاقة من غاز الميثان المتولد في مكب نفايات الماضونة والاستفادة من الصخر الزيتي الموجود في المنطقة لـ إنتاج الطاقة.
ولفت إلى تحقيق التنمية المستدامة وتأمين بيئة صحية آمنة معتمدة على الذكاء الاصطناعي في توفير استهلاك المياه والطاقة وحماية البيئة بـ استخدام وسائل الاستشعار عن بعد وذلك بربط جميع المرافق والإشارات الضوئية، وأعمدة الإنارة، وحاويات النفايات، والطرق، وأماكن الازدحامات، غير شبكة الإنترنت وتشغيل هذه المرافق عند الحاجة.
بنية تحتية ذكية ومستدامة
بدورها بينت وزيرة النقل الأسبق لينا شبيب أنه على البنية التحتية أن تكون أفضل من خلال التصميم الشمولي، والأخذ بـ الاحتياجات بشكل متكامل، وبـ احتياجات المشاة والنقل العام والمواقف وأنه يجب توفيرها، مشيرة إلى أنه يجب تصميم الطرق بـ كفاءة عالية بحيث توفر مدينة حضارية والسرعات فيها تكون مناسبة لـ آدمية الإنسان وتكون محدودة داخل المدن، وتأسيس طرق دائرية لتفادي الدخول اليها.
وعن كيفية الوصول إلى المدينة والطرق إليها، قالت يجب دراستها بعناية وبـ موازاة أي بمعنى بناء والاهتمام بـ الطرق داخل المدينة وخارجها أيضًا، مشيرة إلى النقل الجماعي والتخطيط له عن طريق مثلا المترو الكهربائي وإنشاء بنية تحتية مناسبة له منذ البداية، وأن المنطقة التي ستقع فيها صحراوية وسهلية، ومن السهل وجود بنية تحتية لسائقي الدراجات والمشاة، وذلك لـ التماشي مع العالم الحديث أو ما يسمى النقل النظيف والنشط، بالإضافة الى أن المنطقة صحراوية وتتعرض لأشعة الشمس ويجب وجود ممرات مشاه مظللة.
وأكدت على تواجد مواقف السيارات حتى لا يصبح داخلها اكتظاظ وازدحام وفوضى وعند كل بناية سكنية وجود مواقف لـ المكان، ومن المهم جدًا التخطيط لـ تمركز تواجد الخدمات في أماكن محددة يكون فيها خدمات نقل، مؤكدة على ضرورة الإستفادة من المشاكل التي كانت تواجه العاصمة وتفاديها.
وأضافت شبيب يجب الأخذ بعين الاعتبار أماكن الشحن وتوفرها للمركبات العامة يمكن التفكير، ولكونها مدينة مستقبلية الاتجاه نحو المركبات ذاتية القيادة ما يتطلب بنية تحتية تتناسب مع احتياجات هذا النوع من النقل، مبينة أن الوصل يجب أن يكون بـ المركبات أو من خلال أنظمة نقل متطورة، بالإضافة الى وجود أماكن و مواقف لـ الشاحنات وسهولة وصول البضائع إلى المدينة.
المدينة والسيارات الكهربائية
من جانبه، بين خبير الطاقة هاشم عقل أن دول العالم جميعها التي تتوجه إلى عمل مدن جديدة يجب أن تتوفر فيها متطلبات العصر ولـ سنوات طويلة، ومن أهم هذه المتطلبات هو اعتماد الطاقة المتجددة فيها، مثل الشمس والرياح، مشيرًا إلى أن المنطقة التي تقع فيها المدينة الجديدة تسمح باستخدام الطاقة الشمسية بشكل ممتاز لوجود مساحات واسعة فيها.
وأكد أنه يجب إنشاء بنية تحتية عصرية مناسبة لتلبية احتياجات المدينة وأن تكون ذات جودة عالية لـ تتمكن من خدمة المدينة لوقت طويل، بالإضافة الى الاكتظاظ السكاني في عمان يعيق حركة الجهات الإدارية وخصوصًا في حالات الطوارئ، فيجب أخذ ذلك بعين الاعتبار عند إنشاء المدينة الجديدة، ونقل الخدمات الحكومية إلى المدينة الجديدة لتسهل على المواطن الوصول إلى الخدمات الحكومية في مكان واحد.
وأشار إلى أنه أثناء إنشاء المدينة يتوجب وجود كهرباء، ويجب أن يتم توليدها من الطاقة المتجددة وأن العصر القادم هو عصر السيارات الكهربائية، وباعتقادي ستنخفض أسعار السيارات الكهربائية لتصبح في متناول الجميع، ولذلك يجب أن يكون في المدينة نقاط شحن عامة لتسهيل عملية شحن السيارات على المواطنين، وتعتبر هذه من ضمن البنية التي يجب أن تتوفر في المدينة، مبينًا أن السيارات الحكومية المستخدمة يجب أن تكون كهربائية لتوفير البنزين.
ساكنو المدينة الجديدة ...
في المقابل، قال خبير اجتماعي الدكتور حسين الخزاعي إن المدينة سيسكنها فئة جديدة من الناس، لأنه لن يسكن فيها مواطنون يمتلكون بيوتًا في عمان أو أي محافظة، لأن علاقة الجيرة في الأردن أكبر من علاقة الأخوة، لهذا يصعب على الناس ترك بيوتهم، ربما سيسكن فيها أبناؤهم أو أحفادهم، وقد يسكن هذه المدينة من لديه أنشطة تجارية فيها.
ومن الجدير بالذكر أن أراضي هذه المدينة مملوكة ملكية تامة للدولة، لا يشوبها أي ملكية خاصة، مما يسهل استغلال هذه الأراضي بالطريقة المناسبة التي تراها الحكومة.