هل يكرر ترامب انسحاب أميركا من التزامات المناخ؟

د. أيوب أبودية
منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2017، كان لسياساته المناخية أثر كبير ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل على الساحة الدولية أيضاً. وتعد قضية التغير المناخي واحدة من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً خلال فترة رئاسته، حيث قاد ترامب واحدة من أكثر التحركات إثارة للجدل في مجال المناخ عندما أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017. هذه الخطوة لاقت انتقادات واسعة من العلماء والنشطاء والدول حول العالم، لكنها كانت على وفاق مع قاعدة ترامب الانتخابية التي تفضل التخفيف من الالتزامات البيئية للحفاظ على مصالح الصناعات التقليدية.

ومع عودة ترامب عام 2024، عاد النقاش مجدداً حول موقف ترامب من سياسات المناخ، وسط تساؤلات ما إذا كان سيعيد انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها المناخية إذا ما أتيحت له فرصة العودة إلى الحكم. فاتفاقية المناخ، التي تم التوصل إليها في عام 2015، تهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بما لا يتجاوز 1.5 درجة سلسيوس مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. وقد كانت الولايات المتحدة، كواحدة من أكبر الدول المصدرة للغازات الدفيئة، بعد الصين، لاعبا رئيسيا في هذه الاتفاقية. إلا أن ترامب برر انسحاب بلاده بقوله إن الاتفاقية "ظالمة" و"تضر بالاقتصاد الأمريكي"، مدعياً أن الدول الأخرى، وخاصة الصين والهند، كانت مستفيدة دون أن تتحمل نفس الأعباء.

وقد أثار هذا الانسحاب المخاوف لدى العديد من الدول، حيث يُعتقد أن الولايات المتحدة تلعب دوراً محورياً في مواجهة التغير المناخي نظرا لمستوى انبعاثاتها العالية وقدراتها الاقتصادية والمالية والتكنولوجية الكبيرة. وبخروج الولايات المتحدة، تراجعت طموحات العديد من الدول الأخرى نحو تخفيض الانبعاثات، كما أضعف من جهود الاتفاقية بشكل عام.

على المستوى المحلي، عززت سياسات ترامب المناهضة للمناخ من تآكل الالتزامات البيئية التي تم وضعها في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. فقد ألغى ترامب عدداً من القوانين التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون من محطات الطاقة، وشجع استخراج الوقود الأحفوري، كما خفف القيود على الصناعات النفطية والفحمية. هذا النهج لقي تأييدًا من قبل الكثير من الجهات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، خاصة شركات النفط والغاز وصناعات اللحوم، لكنه واجه معارضة شديدة من جانب المدافعين عن البيئة.

أما على المستوى العالمي، فقد أدى الانسحاب الأمريكي إلى تراجع ثقة العديد من الدول الأخرى في قدرة المجتمع الدولي على مواجهة أزمة المناخ، إذ تملك الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً على الدول الأخرى، وقيادتها ضرورية لإنجاح الجهود الدولية. كذلك، فإن تأثير التغير المناخي يتعدى الحدود الجغرافية، ما يجعل غياب الولايات المتحدة عن التزاماتها المناخية يهدد استقرار الجهود الدولية في مواجهة هذه الظاهرة.

 بالنسبة لترامب، فإن الخطاب المناخي لا يزال يشكل موضوعاً غير محبب، ويبدو أن توجهه لن يختلف كثيراً عما كان عليه في فترته الأولى. فقد أعرب مراراً عن تأييده للاقتصاد الصناعي التقليدي، وانتقاده لما يعتبره "مبالغة" في التحذيرات من التغير المناخي، حتى أنه أشار إلى الاحتباس الحراري في بعض الأحيان على أنه "خدعة". وهناك دلائل تشير إلى أن ترامب قد يكرر اتخاذ موقف مناهض للاتفاقيات الدولية للمناخ بعد فوزه مرة أخرى، خاصة أن هذا الموقف يعزز من شعبيته بين القاعدة الانتخابية التي تتكون من جماعات صناعية وأفراد في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الصناعات الاستخراجية كالفحم والنفط. 

عودة الولايات المتحدة إلى سياسة مناهضة للمناخ سيكون لها آثار بالغة. ففي الوقت الذي تشهد فيه أوروبا والصين وعدد من الدول الأخرى تقدماً ملحوظاً في التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، قد يؤدي تراجع الولايات المتحدة إلى تقويض هذه الجهود. ومع تعمق أزمة المناخ يوماً بعد يوم، يحتاج العالم إلى تضافر الجهود الدولية، وغياب الولايات المتحدة قد يعزز التباينات الاقتصادية والبيئية بين الدول، مما سيزيد من معاناة الدول الفقيرة التي تعاني أكثر من غيرها من آثار التغير المناخي.

وبينما يتخذ ترامب موقفاً مناهضاً للسياسات المناخية، نجد أن العديد من السياسيين الآخرين في الولايات المتحدة - سواء من الديمقراطيين أو حتى بعض الجمهوريين - قد أبدوا استعدادهم للتعامل مع أزمة المناخ بجدية. ولعل بقاء الولايات المتحدة ضمن اتفاقية باريس أو انخراطها في التزامات دولية أخرى يعتمد على من يجلس في سدة الحكم. فالرئيس السابق جو بايدن، على سبيل المثال، أعاد بلاده إلى اتفاقية باريس وقدم حزمة من السياسات الهادفة لتحقيق صفر انبعاثات بحلول 2050.

في نهاية المطاف، من الصعب التنبؤ بمدى تأثير ترامب على المناخ مستقبلاً، لكن هناك أسبابا قوية تدفع للاعتقاد بأنه سيعيد تركيز الولايات المتحدة على أولويات اقتصادية وصناعية قصيرة المدى بدلاً من الالتزام بالتزامات مناخية طويلة المدى. لذلك، فإن العودة إلى الانسحاب من التزامات المناخ تبدو احتمالاً وارداً، مما يعني أن العالم قد يواجه تحديات أكبر في محاربة التغير المناخي.

ختاماً، يبقى التزام الولايات المتحدة بمواجهة التغير المناخي ضروريا، ليس فقط لأنها واحدة من كبار المساهمين في التلوث  والانبعاثات، ولكن أيضاً لأنها تمتلك القوة لدفع الدول الأخرى للعمل بجدية.