منديل روسين والإنتخابات الأمريكية...

إبراهيم أبو حويله


إذا كنا نظن أن نواب التدخل السريع هم فقط تخصص العالم العربي، وأن العالم الغربي بعيد عن هذه الظاهرة، فيجب إعادة النظر في هذه الفكرة. في نقاش مع رئيس لجنة إيباك اللجنة الإسرائيلية الإمريكية روسين عن مدى تأثرها نتيجة فضيحة رئيسها السابق ديفيد سيتنار، الذي أعلن انه نتيجة لدعم إيباك لكلنتون فإن هناك قائمة باعداد كبيرة تنتظر التعين في أمكان حساسة.

وذلك في فترة رئاسة كلنتون، فقام روسين بسحب منديل عن الطاولة وقال سبعون نائبا سيوقعون على بياض على هذا المنديل، نعم هذا التصريح أثار ضجة كبيرة ولكن تأثير هذا اللوبي على السياسة الإمريكية قائم ولم يتغير إلى الآن. ولنعلم مدى قوة هذا اللوبي، فإن فكرة هذا اللوبي نشأت بعد إستلام إيزنهاور رئاسة الولايات المتحدة، وهو رئيس قوي وعائد من حرب أنتصر فيها وله شعبية كبيرة، فكل هذا ساهم بأن يكون هذا الرئيس القوي معتد بقوته وبشعبيته، ولا يلتفت إلى لوبيات أو مراكز قوى.

ولذلك عندما قامت إسرائيل بتحدي قراره بتحويل مياه نهر الأردن قام بقطع المساعدات عنهم فورا حتى إلتزمت بالقرار لاحقا صاغرة. ولكن الأمر لم يقف هنا، بل عمد الكيان على تجميع أصوات اليهود وتجمعاتهم وتشكيل هذه التجمعات على شكل قوى وتصنيفها ووضع هذه المراكز في لجان وضمن مؤسسة واحدة هي إيباك. لتضمن تنظيمها في جماعات ضغط تم توزيعها على كل الولايات المتحدة، وكان لهذه الجماعات أثر كبير لاحقا في التأثير على القرارات والتصويت، وحتى في امكانية وصول النائب أو معاقبته بناء على مواقفه من الكيان، وحتى التأثير على إختيار رئيس الولايات المتحدة حسب مواقفه.

ما يحدث مع رؤوساء الولايات المتحدة يثير تساؤل كبير، فعندما يكونون في الرئاسة تكون القرارت تصب في مصلحة الكيان، ولكن عندما يخرجون تبدأ أصوات المعارضة، ولا زالت الضجة التي أحدثها أوباما عندما صرح بأن الحل يجب أن يكون على أساس الدولتين وعلى أساس تفاهمات السابع والستين. ثم ما لبث أن شارك في إجتماع إيباك وصرح بأن هذه الأمور يجب العودة فيها إلى الطرفين ليتم الإتفاق عليها، وكأن هناك طرف فلسطيني قادر على التفاوض أو الحصول على مكتسبات على الأرض، وهو يعلم جيدا أن الواقع على الأرض يميل لصالح الكيان، بحكم القوة من جهة وبحكم الدعم الدولي ولوبياته من جهة أخرى.

والسكوت على كل هذه التجاوزات بحق الإنسان والأرض والقانون الدولي. عدالة العالم اليوم كما أشار إلى ذلك أكثر من باحث لا تُحاكم إلا الضعيف، ولذلك لا تُعقد المحاكمات الدولية، ولا يتم تصنيف هذا أو ذاك على أنه إرهابي إلا إذا كان مغلوبا على أمره أو منهزما، أما إذا كان قويا منتصرا، فلا أحد يجرؤ على تصنيفه أو محاكمته أو الإقتراب منه.

ولذلك أقول للساعين للبحث عن أمل في أمريكا، بأنه لا أمل في الأفق، ولن يكون إلا ما تريده الولايات المتحدة وربيبتها، ولن يتم تصنيف هذه الجرائم التي نراها ليل نهار على إنها جرائم حرب أو إرهاب إحتلال ضد الأمنين المدنين والأطفال والنساء العزل، وحتى إدانتها من قبل العالم الغربي ( الذي لا يستحق أن يوصف بأنه متحضر ولا متقدم ولا إنساني ) ستكون حلما صعب المنال. ولهذا أرى أن يتم التعامل معهم على تلك الأسس التي يفهمونها، فالعالم اليوم قد تغيير وهناك جماعات مسلمة هم في الحقيقة مواطنون في هذه الدول، فلا بد أن تسعى هذه الجماعات لتشكيل جماعات ضغط ومقاطعة. ولا تقوم بالتصويت إلا من خلال إسس ومصالح وتنظيم قوتها بما يعود بالفائدة عليها أولا وعلى الأمة ثانيا.

والنقطة الثانية هي من خلال المصالح والعلاقات والعقود والمشاريع والتي لا يجب أن تكون منحة، لا بد من إن يستغل العالم العربي والدول الإسلامية هذه المصالح للتأثير على الموقف الغربي، الذي لا يقر بشيء إلا المادة، فهو عالم لا يعرف سوى القوة والمصالح للأسف.
وهذه لن تكون المرة الأولى ولا الإخيرة التي يخسر فيها البشر حياتهم ظلما وزورا، لأن النظام العالمي خال من العدالة والإنسانية والأخلاق، وتحكمه السلطة والقوة، ولا أدل على ذلك من قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، والتي لا تنفذ إلا إذا كان الطرف الأخر هو نحن أو من هم على شاكلتنا من التفرق والضعف.

خذ مثلا تقرير جولد ستون في الحرب على غزة 2008 الذي يدين الكيان، قام نواب التدخل السريع الامريكي بالتصويت ضده وضد إدانة الكيان المحتل، رغم أن وفد منهم زار غزة وأطلع على الواقع وأخبرهم بأن التقرير يصف ما حدث على الأرض فعلا. ولكن مجلس النواب الأمريكي وبأغلبية تجاوزت الثلاثمائة صوت لم يقم بإدناة الكيان على جرائمه. ما يبدو واضحا أن التكاليف والخسائر والمصالح هي التي يهتم بها عالم اليوم، الذي يدعي الحضارة والتقدم والإنسانية، والإنسانية منه براء.