الجغرافيا السياسية للأردن
عمرو خصاونه
الأنباط – عمان
لكل دولة مساحة، و لكل دولة خريطة، و لكل دولة مصادر و عدد معين من السكان، و ما سبق يعتبر مثل البصمة التي تميز كل دولة عن الأخرى، فلا حجم الصين يشبه حجم روسيا و لا عدد سكان الهند يشبه عدد سكان مالي، و لكن ما علاقة ما سبق بالمقال، تعتبر المحددات السابقة جزء من تعريف الجغرافيا السياسية حيث أن الجغرافيا السياسية تعرف بأنها دراسة أثر العوامل المختلفة مثل الجغرافيا و الإقتصاد و الديومغرافيا على السياسة و خصوصا السياسة الخارجية للدولة.
الحديث عن الجغرافيا السياسية للأردن يأتي في وقت يشكك فيه البعض في أهمية الدور الأردني إقليميا ودوليا، لتأتي الجغرافيا السياسية الأردنية و تجيب على هذه الشكوك بأنه حتى لو أريد لهذا البلد أن يكون ثانويا في مجموعة الأحداث الواقعة في الإقليم و العالم فإن شعب الأردن و موقعه و حتى مصادره "إقتصاده" و إن كان ضعيفا مقارنة بدول أخرى تفرض على اللاعبين الدوليين و الإقليميين إلتزامات تجاه هذه البقعة من العالم و تفرض على هذه البقعة من العالم أدوار مهمة خارج حدودها.
تشترك الضفة الشرقية و الضفة الغربية تاريخيا بروابط إجتماعية و جغرافية و تجارية لا يمكن تمزيقها، فالضفة الشرقية لنهر الأردن هي الإمتداد الطبيعي لسكان الضفة الغربية و منذ أن بدأ الصراع الإسرائيلي – العربي تكتسب الجغرافيا الأردنية أهمية كبيرة إقليميا و عالميا، حيث أنه و بفضل الإستقرار في الأردن و الذي لم يتذبذب منذ فترات طويلة إلا ما ندر، يعتبر الأردن عامل إستقرار في منطقة يدور فيها نزاع مسلح لم يتوقف منذ أكثر من سبعين عام و أن أي قوة دولية تحاول التأثير في الصراع الإسرائيلي – العربي تفهم جيدا بأن كثير من نتائج الصراع الإسرائيلي – العربي أصبحت قضايا أردنية أيضا، فموقع الأردن الجيوسياسي نسبة للقضية الفلسطينية يكسبه أهمية لا يمكن لأي دولة أخرى أن تحملها لا في الإقليم ولا في العالم.
أما إذا نظرنا إلى بوصلة الجغرافيا السياسية الأردنية من إتجاهات مختلفة فسنرى بأن الأردن يشترك مع سوريا و السعودية بحدود تتشاركها عائلات واحدة، جاعلا الجغرافيا الأردنية إمتدادا طبيعيا للنسيج الإجتماعي في هاتين الدولتين و إحدى عوامل الإستقرار فيها، إضافة إلى ذلك فإن الموقع الذي يشغله الأردن نسبة إلى جيرانه الأخرين يجعله بوابة الخليج العربي إلى بلاد الشام و بوابة بلاد الشام إلى الخليج العربي.
أما دوليا فمن الضروري دراسة أهمية الدور الأردني في سياسة القوى العظمى الأخرى في العالم و تحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، و بأن هذا الدور النابع من أفضلية الموقع الجغرافي الأردني بالنسبة لمنطقة تعتبر ذات أهمية قصوى للقوى العظمى، فإن الأردن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يعتبر نقطة الوصل لكل دول المنطقة و أن عدم إستقراره سيؤدي لخلق بؤرة جديدة من الإرهاب و التطرف كما حصل في دول أخرى مثل سوريا و العراق، و أن هاتين التجربتين يجب أن لا يتكررا أبدا، و أيضا فإن أي حل نهائي للقضية الفلسطينية لا بد و أن يكون للأردن الدور الأكبر فيه فهذا ما تفرضه جغرافيا الشرق الأوسط على الأردن، ثانيا فإن الأردن يعتبر عامل توازن للنفوذ الأيراني في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة و أن هذا النفوذ قد بلغ مداه في الجارة السورية من نفوذ عسكري قوي "قواعد عسكرية" و تأثير ثقافي كبير و سيطرة إقتصادية لا يمكن إنكارها.
و لكن كيف يحافظ الأردن على المكتسبات التي يعطي إياها موقعه الجيوسياسي، على الأردن أن يحافظ على كل قنواته الدبلوماسية مع مختلف الأطراف في العالم فالقوة الدبلوماسية مع مختلف الأطراف تعتبر مكمل للقوة التي يكسبها إياه موقعه الجغرافي و على الأردن أن يحافظ أيضا على عوامل الإستقرار الداخلي و التخفيف من عوامل اللاإستقرار الخارجي مثل الوضع الإقليمي الصعب، كل ذلك من شأنه أن يعظم مكتسبات الأردن المستندة على موقعه الجيوسياسي و على الأردن الحذر من التفريط بأي عامل من عوامل الإستقرار الداخلي.
إذا فالجغرافيا السياسية تفرض على كل دولة إلتزامات تجاه الدول الأخرى و تفرض على الدول الأخرى إلتزامات تجاه تلك الدولة، قدر الأردن و الأردنيين أنهم في هذا الجزء من العالم يأثر عليهم موقعهم و يؤثرون به في كل منحى من مناحي الحياة.