فقدان الأمان وثقافة الخوف .. نحو إعلام مسؤول في تغطية جرائم القتل


 خليل النظامي

شهدت الساحة الإعلامية الأردنية مؤخرا تزايد في نشر أخبار الجرائم خاصة جرائم القتل القصد وبدون قصد عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وواضح جدا أن هذا التوجه يحمل في طياته أضرارًا جسيمة تؤثر على المجتمع الأردني بكافة أطيافه، فضلا عن أن تناول هذه الأخبار بشكل مفرط نمط يساهم في تعزيز ثقافة الخوف والقلق، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الحالة النفسية للناس ويؤدي إلى فقدان الشعور بالأمان.

الى ذلك، إن التركيز المستمر على تفاصيل الجرائم وكيفية وقوعها، خاصة عندما يتعلق الأمر بجرائم القتل يساهم ويعزز في تشكيل صورة قاتمة ومظلمة عن المجتمع الأردني، وهذا الأمر لا يتوقف عند حدود الإبلاغ عن الجريمة، بل يتعداه إلى نشر ثقافة العنف وتطبيعها أيضا، إذ يبدأ المواطنين في اعتبارها أمرًا طبيعيًا أو جزءًا من حياتهم اليومية، وهذا ما اثبتته الكثير من الدراسات والبحوث العلمية الخاصة بعلم الجريمة وعلم الاجتماع والتي كشفت في نتائجها أن التعرض المتكرر لمحتوى عنيف يمكن أن يؤثر على سلوك الأفراد، مما قد يدفع بعضهم إلى تقليد ما يرونه أو يسمعونه، وبالتالي ينعكس على تدمير الأرواح وتفكيك الأسر، وزيادة من حدة الألم.

علاوة على ذلك، فـ إن انتشار هذه الأخبار لا يقتصر تأثيره على المواطنين فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع ككل، الأمر الذي يولد صورة مشوهة في عيون المجتمعات الأخرى عن الأردن خاصة المجتمعات التي يكثر فيها السياح المحتملون زيارة الأردن، خاصة أن المناطق التي تكثر فيها جرائم القتل تؤثر على السياحة وبالتالي التأثير على الاقتصاد وتعطيل مسارات التنمية الاقتصادية.

فضلا عن أن الأخبار السلبية يمكن أن تكون أداة للاستغلال من قبل بعض الجهات الخارجية والمعارضين ووسائل الإعلام الخارجية المعادية، من خلال استخدامهم تصوير الجرائم كـ مبرر لتبني سياسات قمعية أو لتعزيز شعارات معينة، وقد تؤدي الضغوط العامة الناتجة عن تغطية واسعة للجرائم إلى اتخاذ قرارات قانونية غير مدروسة أحيانا، الأمر الذي يضر بالعدالة ويؤثر سلبًا على سمعة النظام القضائي.

وعليه ، فـ إنني أدعو الجهات الرسمية ووسائل الإعلام التحلي بالمسؤولية في تغطية مثل هذه الأخبار، وأن يكون التركيز الأكبر على تقديم الحلول والبرامج الوقائية التي تسهم في الحد من انتشار الجرائم في الأردن عوضا عن تناولها بشكل موسع عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية الاجتماعية، ويجب أن تعمل وسائل الإعلام على تعزيز الوعي حول أهمية السلام والأمن، والترويج لقيم الأمن والسلام والسماحة، بدلاً من تقديم محتوى يساهم في ترسيخ ثقافة الخوف والعنف.

ومن المهم أن نذكر أيضًا أن هناك العديد من القصص الإيجابية التي تُظهر تلاحم المجتمعات ودعمها لبعضها البعض في مواجهة التحديات، خاصة أن الأردن يواجة تحديات كبرى من دول العالم المختلف خاصة الدول العظمى اثر ما يحدث في الإقليم الملتهب، بدلاً من الانشغال بتفاصيل الجرائم التي لا تفيد المجتمع في شيء سوى زيادة المشاعر السلبية.

ونهاية القول ؛ يجب أن نكون جميعًا، سواء كأفراد أو كجهات مؤسسية، مسؤولين عن ما نستهلكه وما ننقله للحماهير، وعلينا أن نحرص على تعزيز ثقافة إيجابية، تساهم في بناء مجتمع آمن ومتعاون، بدلاً من السماح لنشر أخبار الجرائم والقتل أن يصبح الجزء الأكبر من حديثنا اليومي في المقاهي والمطاعم وفي المؤسسات وفي سهرات الشتاء القارس، خاصة أن تعزيز الوعي وتقليل نشر أخبار الجرائم والعنف يساهم بشكل كبير في بناء مجتمع أكثر صحة وسلامًا، إذ يُنظر إلى الناس على أنهم شركاء في السلام والأمان، وليس ضحايا أو أرقام في إحصائيات الجرائم. والوفيات.