تحديات الأعمار.. وما مدى تأثير الحرب على الأمن الغذائي في غزة ولبنان
ابو شنب: كل اساسيات الحياة تلوثت في غزة ولا يمكن تقدير الاضرار
صليبا: الضرر الزراعي والمائي كبير جدا وهناك تخوفات من سرقة حوض الليطاني
الزعبي : كلفة إعادة الإعمار لكل من غزة ولبنان ستكون عالية جدا
الأنباط – رزان السيد
تحت وطأة القصف والنزاعات التي لا تنتهي يواجه قطاع غزة ولبنان أضرارًا بيئية وإنسانية جسيمة تهدد مقومات الحياة الأساسية، فـ في غزة تسبب العدوان الصهيوني بتلوث واسع للمياه الجوفية وتدهور التربة، إذ تشير تقديرات الخبراء إلى أن عمليات إعادة الإعمار البيئي قد تستغرق عقودًا طويلة.
أما في لبنان، فـ ما زالت الأزمة تتفاقم مع تصاعد الأضرار الزراعية وتزايد تلوث الموارد المائية بسبب الاعتداءات الصهيونية، الأمر الذي يعرّض الأمن الغذائي لمخاطر حقيقية قد تتطلب سنوات لاستعادته.
هذه التطورات تضع كلاً من غزة ولبنان أمام تحديات معقدة، تتطلب تدخلات عاجلة وجهودًا دولية حثيثة لدعم التعافي البيئي وضمان استدامة الحياة في مناطق أصبحت تحت ضغط كارثي من الحروب والاعتداءات الصهيونية.
وفي سياق هذه المعطيات، بين خبير الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي، أن كلفة إعادة الإعمار لكل من غزة ولبنان ستكون عالية جدا، مشبرا الى أنها تنقسم الى ثلاثة مراحل.. مرحلة الإغاثة العاجلة، وهي المساعدات النقدية والقسائم الطارئة، ومرحلة الإنعاش أو التعافي المبكر، وتأتي عقب انتهاء الحروب والصراعات، وليس في أثنائها حيث إن "التعافي المبكر" يختص في مرحلة ما بعد الصراع، وهو بطبيعته مزيج من السياسات المختلفة، وتشكل أربعة خيوط رئيسية على الأقل.
وتتمثل المفاهيم الأساسية "للتعافي المبكر" وفقا لـ حديث الزعبي لـ "الأنباط، بـ أطر المساعدة الإنسانية، والنمو الاقتصادي ونظريات التنمية، ومفاهيم بناء السلام والأمن البشري، ونماذج الحكم وبناء الدولة، وأخيرا مرحلة البناء وإعادة الإعمار بشكل كامل، وهي إعادة البناء على المدى المتوسط والطويل والاستعادة المستدامة للبنى التحتية والخدمات والإسكان والمرافق وسبل العيش الحيوية القادرة على الصمود واللازمة لأداء العمل الكامل لمجتمع محلي أو مجتمع متأثر بالكارثة، بما يتماشى مع مبادئ التنمية المستدامة و"إعادة البناء" أفضل"، لتجنب أو الحد من مخاطر الكوارث في المستقبل.
وأضاف، أن غزة تحتاج الى عشرات السنوات لإعادة الإعمار "البيئي" ، لأن "اسرائيل" استخدمت اسلحة محرمة دوليا، وهذا ما أثر بشكل كبير على التربة والبيئة، مشيرا الى أن العملية الزراعية والإنتاج الزراعي يمكن أن يحتاج مدة العشر سنوات لإعادة إعماره، ولن يعود كالسابق أيضا، وهذا ما أكده تقرير صادر عن الأمم المتحدة، كشف أن غزة تحتاج الى 80 عاما حتى تعود كما كانت عليه،.
وتابع، أن الوضع في لبنان لم يستقر على خسائر محددة، نظرا لأن الأضرار ما زالت بارتفاع مستمر، فخلال الشهر الماضي، كانت تكلفة توفير الطعام تقدر بحوالي 110 مليون دولار شهريا، أما في التقديرات الأخيرة فبلغت التكلفة 220 مليون دولار بالشهر.
وكان الزعبي قد شارك خلال عام 2006 بمرحلة الإنعاش المبكر في لبنان خلال حرب تموز وفق التسمية اللبنانية، أو حرب لبنان الثانية كما يسميها الاحتلال الصهيوني، وقال أن التكلفة حينها بلغت 4,5 مليار دولار، مؤكدا أن التكلفة بعد انتهاء الحرب الحالية ستكون أعلى بكثير.
الى ذلك، قال المدير العام لحماية البيئة في سلطة جودة البيئة الفلسطينية، ياسر أبو شنب، أن آخر تحديث في تقرير الأمم المتحدة أشار الى أن غزة بحاجة الى 350 عاماً حتى تعود لها الحياة كالسابق، مؤكداً انها مجرد تقديرات حتى الآن.
وأضاف لـ "الانباط"، أن العدوان القائم على قطاع غزة ترك آثارًا بيئية مدمرة، خصوصًا في الجانب المائي، مشيرا إلى أن المياه تعرضت للتلوث الشديد، حيث تحتوي على نثريات عالية نتيجة تدهور حالة التربة، لافتا الى أن البنية التحتية قد تأثرت بشكل كبير، ما أدى إلى امتصاص مياه عادمة في المياه الجوفية، وأن الأضرار البيئية تفاقمت بفعل الحرب المستمرة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع الأزمة البيئية التي تعاني منها غزة.
وتابع، أن تلوث المياه الجوفية جاء نتيجة المعادن الثقيلة والمواد الخطرة التي تستخدم في الحرب، وهذا ما يشير في القراءات الأولية الى أن غزة بحاجة سنوات عديدة لإعادة الترميم البيئي، مؤكداً أنه لا يمكن تقدير المدة في الوقت الحالي، لأنها تعتمد على نوعية التلوث وحجم الضرر الكبير في البنية التحتية والمياه الجوفية.
وتابع، أن كافة التقارير التي أظهرتها الخرائط الجوية تشير الى حجم الدمار، مؤكدا انه لا يمكن تحديد حجم الدمار في القطاع الزراعي، ونسبة التلوث في التربة، ونوع الملوثات التي تعرضت لها التربة، موضحاً ان الضرر مهما كان حجمه وهو بالتأكيد كبير، هو ضرر متسلسل ومتراكم، نظراً الى أنه سينتقل الى السلسلة الغذائية وبالتالي ينتقل الى الإنسان.
وأكد ابو شنب، أنه لا يمكن أن يتم تحديد كمية الضرر، ومدة التعافي وإعادة الإعمار البيئي، والتقديرات الحالية أولية، ولكن على الأقل غزة بحاجة الى أكثر من 100 عام - وفقاً لتقدير ابو شنب - حتى يتم إزالة الضرر البيئي، وان تعود الى النظام البيئي الحيوي، وان تكون مدينة قابلة للحياة.
وأضاف أن الضرر لا يمكن تصوره، مشيراً الى أن كل اساسيات الحياة قد تلوثت، من المياه الجوفية، التربة، الهواء، كما أن كمية النفايات كبيرة جداً، نظراً الى حجم الهدم الهائل، والذي بلغ حتى الآن أكثر من حوالي 42 مليون طن، كما أن هناك نفايات خطرة، وكهربائية والكترونية، والنفايات المشعة التي جاءت نتيجة استخدام الاحتلال لقنابل مشعة، وقنابل اليورانيوم المنضب، والمحرمة دولياً، فـ ماذا سيكون أثرها وضررها؟
كما أوضح أنه لم يستطع خبراء متخصصين أو دوليين الى الآن من دخول قطاع غزة حتى يتمكنوا من معرفة حجم الضرر البيئي الفعلي الذي حصل في القطاع، لذا كافة التقديرات جاءت بناءً على الدراسة الفيزيائية للوضع، مؤكداً أنه لا يمكن تحديد حجم السنوات التي تحتاجها غزة لإعادة الإعمار البيئي، لكن بالتأكيد ستكون طويلة جداً، حتى تصلح للحياة مرة أخرى.
ومن على الضفة الأخرى قال عضو مجلس النواب اللبناني الدكتورة في الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حفظ البيئة في الجامعة الأمريكية في بيروت، نجاة عون صليبا، أن الأضرار التي ما زالت تتعرض لها لبنان نتيجة الحرب الإسرائيلية القائمة لا يمكن تقديرها حاليا، لافتة الى أن هناك أضرار زراعية كبيرة، نتيجة المواد الكيميائية التي تتعرض لها التربة، كما أن الموسم الزراعي الحالي وللعام المقبل على الأقل تمت خسارته، نظرا الى الأراضي الزراعية الشاسعة التي تركت من أهلها بسبب الحرب لأنها تقع في جنوب لبنان وفي البقاع، وأشارت الى أن تمديدات المياه التي تصل الى الأراضي الزراعية تأذت، وتم الحاق الضرر بشركات الكهرباء أيضا، وهذا ما أدى الى تفجير مضخات المياه التي توصل المياه الى الأراضي الزراعية.
وتابعت في حديث لها مع الأنباط، أن هناك قنابل موقوتة وعنقودية، عادة ما يتم زراعتها من قبل العدو في الأراضي الزراعية، بهدف الحاق الضرر وايذاء المزارع والموسم الزراعي، الذي بالتأكيد سيؤثر على الإقتصاد الوطني، موضحة أنه من أجل تفكيك هذه القنابل سيكون هناك حاجة الى خبراء ومعدات، كما أن هناك غبار ومواد حروب جاءت نتيجة هدم البنايات وبعثرتها، عدا عن الدبابات والصواريخ التي سقطت على الأراضي الزراعية وأثرت عليها، وبعد انتهاء الحرب سيتم إعادة تأهيل الأراضي الزراعية حتى تصبح صالحة للزراعة، مشيرة انه يجب أخد كل هذه الأمور بعين الإعتبار حتى يتم حساب التكلفة والمدة الزمنية التي تحتاجها لبنان لإعادة الإعمار البيئي.
وأضافت، حول الضرر المائي، أن هناك صراع على المياه في لبنان، و"اسرائيل" تقول أنها ستستولي أو ستشرف على "حوض الليطاني"؛ نظرا لأهميته إذ أنه يحتل المرتبة الأولى من حيث المساحة (2175 كيلومتر مربع) أي 20% من مساحة لبنان، يقع 80% منها في سهل البقاع و 20% في لبنان الجنوبي، ويبلغ متوسط هطول الأمطار في هذا الحوض 700 مليمتر في السنة أي حوالي 764 مليون م3، تتوزع على الشكل التالي، 543 مليون م3 في سد القرعون و 221 مليون م3 في باقي السدود، مؤكدة أن هذا ما لا يمكن للشعب اللبناني تقبله، لأنه يعتبر ثروة مائية هائلة، ومن المحتمل أن تحاول اسرائيل إجراء تغييرات وتعديلات لمجرى الحوض حتى يصب في مناطقهم.
وأشارت الى أن الحرائق التي تحدث تؤدي الى جرف التربة وتمنع مياه الأمطار أن تتسرب الى باطن الأرض، وهذا ما يؤثر على على تغذية الآبار التي يتم الإعتماد عليها بشكل كبير في سقاية المزروعات، وبالتالي ستعاني المنطقة من شح في المياه.
وأوضحت، أن التلوث الكبير الذي حصل نتيجة استخدام الإحتلال لمواد معدنية ثقيلة، وكيميائية، بالإضافة الى المواد الملوثة التي نتجت عن الركام والحطام، الذي بالتأكيد سيتسرب الى المياه الجوفية ويؤثر عليها وعلى مياه الأنهر والينابيع.
وأكدت، أن التكلفة لإعادة الإعمار وعدد السنوات التي تحتاجها لبنان، لا يمكن أن تحسب في الوقت الحالي، لأن الضرر كبير في المياه والأنهر، كما أنه من الممكن أن يكون حوض الليطاني "قيد السرقة"، بالإضافة الى أن الآبار الجوفية تتعرض للجفاف، وهناك تلوث بالمياه الجارية والجوفية، ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تلوثت وخسرت مواسمها، ومنها ما تم احراقه، مشيرة الى أن ما يحدث في لبنان كارثة على جميع الأصعدة وخصوصا على الأمن الغذائي في المنطقة.