د. أيوب أبودية يكتب : هل تشجيع الرياضة تعمية اعلامية؟

هل تشجيع الرياضة تعمية اعلامية؟
د. أيوب أبودية
 
يُعتبر استغلال الدول للترويج الرياضي وسيلة لتلميع صورتها وإبعاد الأنظار عن السياسات الداخلية أو القضايا الحقوقية، وهو ما بات يُعرف أحيانًا بـ "الغسل الرياضي" على نمط غسل الاموال. وعلى الرغم من الجدل الذي يثيره هذا النهج، إلا أن له عدة وجهات نظر تتباين بين المؤيدين والمعارضين.
اذ يرى أنصار استغلال الرياضة كوسيلة لتعزيز صورة الدولة أن مثل هذه الاستثمارات تساهم في دعم الثقافة الرياضية العالمية، وتزيد من فرص التعاون بين الدول، مما قد يسهم في تقوية الروابط السياسية والثقافية بين الشعوب. ومن الأمثلة البارزة، إقامة البطولات الكبرى مثل كأس العالم والألعاب الأولمبية، التي تضع الدول المنظمة تحت الأضواء العالمية وتزيد من جاذبيتها السياحية، ما يؤدي إلى تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل.

كما يشير هؤلاء إلى أن هذه البطولات لا تقف عند حدودها الرياضية فقط، بل تمتد لتعزيز البنية التحتية في الدول المستضيفة، من خلال بناء ملاعب عالمية، ومرافق حديثة، وتحسين شبكات النقل والخدمات. وهو ما يعود بالنفع العام على المجتمع المحلي حتى بعد انتهاء البطولات، كما حصل في قطر التي استثمرت بشكل كبير في تطوير بنيتها التحتية بمناسبة استضافتها لكأس العالم 2022، مما يضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة من حيث جودة المرافق.

اما وجهة النظر المعارضة وتهمة "الغسل الرياضي"
فيرى المعارضون أن استغلال الرياضة لأغراض ترويجية يخفي وراءه نوايا سياسية تهدف إلى تحسين صورة دول معينة على الساحة الدولية، وتغطي على قضايا حقوق الإنسان والملفات السياسية الحساسة. وتأتي اتهامات "الغسل الرياضي" من منطلق أن بعض الدول تستخدم الرياضة كوسيلة لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، بينما تستمر في انتهاك حقوق مواطنيها أو ممارسة سياسات قمعية.

من الأمثلة البارزة على هذا النهج، استثمار بعض الدول في أندية رياضية كبرى أو تنظيم بطولات رياضية عالمية، لتقديم صورة براقة وجذابة تغطي على انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان. وينتقد معارضو هذا التوجه "الغسل الرياضي" الذي يرونه خدعة تهدف إلى تحويل الانتباه عن الأزمات السياسية أو الاجتماعية، حيث تشغل الأنظار بالإنجازات الرياضية والبنية التحتية المتطورة، بينما تبقى قضايا مثل الحريات الشخصية أو العدالة الاجتماعية في الظل.

بالإضافة إلى الجوانب السياسية والاقتصادية، يُثير استخدام الرياضة كوسيلة للترويج السياسي تساؤلات حول تأثيره على الثقافة والقيم الرياضية. يرى بعض المحللين أن هذا الاستغلال قد يفرغ الرياضة من قيمتها النبيلة، ويجعلها أداة دعائية بحتة بدلاً من كونها نشاطاً يعزز الوحدة والتنافس الشريف. فالرياضة تمثل مجالات للتعبير عن الهوية والتماسك الاجتماعي، ولكن عندما تُستغل لمكاسب سياسية، قد تُفقد قيمها الأساسية التي تتمثل في تعزيز السلام والمساواة بين الشعوب.

ومع ذلك، يرى آخرون أن هذا النوع من الاستغلال يمكن أن يكون له جانب إيجابي، حيث يساعد في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية مهمة، ويساهم في دعم المبادرات الإنسانية والمشاريع الاجتماعية، كما تقوم بعض البطولات بدعم برامج تعليمية وصحية وتوعية في الدول النامية. وبذلك، يمكن أن يكون للاستثمار الرياضي أبعاد إنسانية تسهم في تحسين الظروف الاجتماعية حتى وإن كانت الدول المنظمة تسعى لتلميع صورتها السياسية.

وبناء عليه، يقترح البعض وضع ضوابط ومعايير أخلاقية لاستضافة البطولات الرياضية الكبرى، تتضمن تقييم سجل الدولة المضيفة في مجال حقوق الإنسان وسياساتها الداخلية. ويطالب آخرون بضرورة أن تضع المنظمات الرياضية، مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) واللجنة الأولمبية الدولية، قواعد تضمن الشفافية والنزاهة في عملية اختيار الدول المستضيفة.

كما يُشدد على أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بالدور الحقيقي للرياضة، بحيث لا يُنظر إليها كأداة دعاية سياسية بقدر ما يُفترض أن تكون وسيلة للتعارف والتعاون بين الشعوب، وتجسيد قيم التعايش والسلام. 
ويرى البعض أن هذا النوع من الرقابة يمكن أن يحد من استغلال الرياضة لأغراض دعائية، ويساهم في إبقاء الرياضة مجالاً للتنافس الشريف والنهوض الإنساني. باختصار، يتباين الرأي حول استغلال الدول للرياضة كوسيلة للترويج السياسي بين من يرونه استثمارًا يُفيد الاقتصاد الوطني والمجتمع، ومن يعتبرونه "غسلًا رياضيًا" يهدف إلى التغطية على قضايا حقوقية وسياسية. وبين هذا وذاك، يبدو أن الحل يكمن في توازن دقيق بين الاستفادة من الرياضة كأداة تطوير وترفيه، وبين ضمان الحفاظ على القيم الأساسية التي تمثلها الرياضة في تعزيز العدالة والمساواة والشفافية والتفاهم والسلام على مستوى عالمي.