تعزيز الزراعة الأردنية: إدخال التقنيات الحديثة لمواجهة التحديات وتحسين الإنتاجية
المصري: نحن لسنا بحاجة إلى عضلات، بل بحاجة إلى عقول
خدام: على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أهمية قطاع الزراعة وأن تسارع في حمايته
الأنباط – رزان السيد
قال وزير الزراعة الأسبق سعيد المصري لـ "الأنباط" إنه تم عقد جولات بحضور مندوبي الحكومة والوزارات، وتبين أن قطاع الزراعة دون إدخال التقنيات الحديثة لن يلبي المتطلبات اللازمة، مشيرًا إلى أن هناك أربع تقنيات يجب استحداثها في الزراعة: الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، الزراعة الدقيقة، وتقنية "بلوك تشين". وأكد أنها سلسلة جديدة من الابتكارات التي تم إدخالها في قطاع الزراعة في دول العالم المتقدم.
وأكد المصري أنه يجب إدخال الذكاء الاصطناعي على منظومة الزراعة، نظرًا لأنه سيساعد بشكل فارق في تطوير قطاع الزراعة، وذلك من خلال قراءة درجات الحرارة والأجواء ونسبة الرطوبة في الجو.
وأشار إلى أهمية إدخال إنترنت الأشياء، وهي أدوات تم تسخيرها في دول العالم المتقدم من أجل خفض كلف المياه وكميات الأسمدة التي يتم استعمالها، حيث يجب تقليل هدرها مقابل جودة أفضل، مؤكدًا أنها تقع على عاتق مراكز الأبحاث، لأنه يجب أن يتم اختيارها عن دراسة ودراية تامة حول ما هو الملائم وغير الملائم لبيئة المنطقة، وفقًا للأجواء والتربة وما إلى ذلك.
وتابع المصري أن هذا العلم يجب أن يبدأ من المزارع الصغير إلى المزارع الكبير، وهنا يكمن دور الدولة. إذ إن هذه التقنيات تحتاج إلى كلف مادية، وهناك من يستطيع تحمل أعبائها ومن لا يستطيع ذلك. لذا، دور الدولة أن تقوم بتمويل هذه التقنيات للمزارعين، وتساعدهم على الإرتقاء بالعمل من أجل تحسين جودة إنتاجهم وزيادة المردود المادي.
وبين أن ما يقارب المليونين ونصف المليون طن من المنتجات الزراعية تحتاج إلى حوالي 500 مليون متر مكعب من المياه، وعند إدخال التقنيات الحديثة سيتم توفير نصف هذه الكمية. مشيرًا إلى أن الأردن يعاني من نقص في الموارد المائية، وهذه التقنيات ستدعم أيضًا قطاع المياه وليس القطاع الزراعي فقط.
أما فيما يتعلق بتقنية الأتمتة، أوضح المصري أنه يجب أتمتة الزراعة قبل الحصاد وبعده، من خلال التكلفة، المردود، الكميات، والخسائر، مما سينظم العملية الزراعية من بدايتها وحتى نهايتها، والذي بدوره سيؤدي إلى تقليل استقطاب الأيدي العاملة من الخارج وتوفير فرص العمل لأبناء البلد. قائلاً: "نحن لسنا بحاجة إلى عضلات، بل بحاجة إلى عقول"، مشيرًا إلى أن هناك فائضًا من خريجي الجامعات من تخصصات النظم المعلوماتية والمختصين بأنظمة الكمبيوتر، وهذا ما سيحول الزراعة إلى صناعة.
وأوضح أنه إذا استهلك المزارع مليون ونصف المليون طن وصدر 500 ألف طن، فالمجموع سيكون مليوني طن، ومن المفترض أن لا يتجاوز الإنتاج مليوني طن، بزيادة 10% أو نقصانها. ومن أجل أن تسير هذه العملية في الطريق الصحيح للإنتاج، يجب توضيح هذه النسبة للمزارعين وأنه لا يجب تجاوز هذا الحد، وهذا يحتاج إلى تخطيط يتعلق بالبيانات والمعلومات، وهو ما سيوفره الذكاء الاصطناعي عندما يقدم بسلاسة وسهولة استنتاج الفرق بين الإنتاج خلال العام الحالي والعام الماضي وترتيب الأولويات. وهذا ما سيعطي شعور تحمل المسؤولية على كل مزارع.
وأكد أنه بعد أن يتم توفير هذه التقنيات من قبل المزارعين، يجب عمل نظام تمويل وتأمين من قبل الحكومة. فعند توفير المعدات والمستلزمات وتدريب المزارعين، سيتم الانتقال إلى مرحلة الإنتاج. لذلك يجب أن تكون الخطة واضحة، فعملية التنظيم هدفها الرئيسي أن يكون هناك عائد للمزارع. ومع نجاح هذه الخطط، سيكون بمقدور المزارعين تسديد الأقساط المستحقة على المعدات والأسمدة المستخدمة، مما سيعزز دخلهم في نهاية كل سنة. وتعكس هذه الخطط التزام الحكومة بتوفير الدعم اللازم للقطاع الزراعي، مما سيسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
وأشار المصري إلى أن بعض الشركات الخاصة طرحت أنواع أسمدة طبيعية في السوق المحلي، وأنها توفر 85% من استهلاك المياه، مشيرًا إلى سبب عدم استغلاله محليًا، وذلك لأنه لم يتم إجراء دراسة عليه من قبل مراكز الأبحاث، حيث يجب إصدار شهادة معتمدة من المركز تؤكد فعالية وسلامة المنتج. وأكد أن المزارع ليس حقلاً للتجارب، ولا يستطيع أن يغامر بمزروعاته، وإذا خسر، فيجب على صاحب المنتج أو الشركة المصدرة أن تتحمل مسؤولية خسارة المزارع بشكل كامل.
وبين أن هذه العملية التطويرية معروفة لدى وزارة الزراعة ولدى اتحاد المزارعين ومؤسسة الإقراض الزراعي، ولكن لم يتم تنفيذها حتى اللحظة بسبب قلة الموارد المالية. لذا من الأمثل أن يتم الاتفاق مع البنوك وعمل تأمين معهم، وهذا ما يساعد على تنظيم العملية الزراعية والمزارعين، بعد أن تقوم الدولة بتوجيههم بالطريقة الصحيحة.
إلى ذلك، أعرب رئيس اتحاد مزارعين وادي الأردن، عدنان خدام، عن قلقه من فقدان المائدة التي يقدمها المزارع الأردني، قائلاً: "يجب على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أهمية قطاع الزراعة، وأن تسارع في حمايته"، مشيرًا إلى أن الزراعة في الأردن تعاني من خسائر متراكمة منذ حوالي 15 عامًا.
وطالب خدام خلال حديثه مع "الأنباط" بعقد اجتماع زراعي بين الحكومة والقطاع الزراعي والمزارعين، وأن يكون اللقاء أوليًا. مؤكدًا أنهم يطالبون بهذا اللقاء منذ بداية أحداث الجمهورية العربية السورية.
وتابع أنه في ظل التراجع الملموس وما يحدث في دول الإقليم من حروب، لا بد من وضع خطوط عريضة لإعادة القطاع الزراعي إلى موقعه، نظرًا لأنه القطاع الأول في تشغيل الأردنيين، كما أن الأمن الغذائي يعد الأمن الاجتماعي.
وبين خدام أن المشكلة الأساسية التي يعاني منها قطاع الزراعة هي مشكلة تسويقية، فقد فقدت الأسواق، وإن عادت ستكون أسواقًا تقليدية، مشيرًا إلى أنه يجب بدء البحث عن أسواق من خلال الزرعات التعاقدية، كما يجب إعفاء المزارعين من القروض أو جدولتها لعشر سنوات على الأقل، لتنشيط القطاع الزراعي وإعادة إحيائه من جديد، وذلك بسبب الخسائر المتراكمة التي يعاني منها قطاع الزراعة منذ عام 2011 وحتى الآن.
وأضاف: "اليوم نحن نواجه حروبًا، وقد فقدت الأسواق من هذه الحروب. وعدا عن ارتفاع الأسعار، هناك مشكلة العمالة الوافدة التي هي جزء أساسي في الزراعة، وخاصة للبيوت المحمية. فقد أوقفت الحكومة استقدام العمالة الوافدة منذ أربع سنوات، وهذا ما أثر سلبيًا على البيوت المحمية، موضحًا أنها تحتاج إلى مراقبة متواصلة على مدار الأربع والعشرين ساعة، نظرًا للظروف الخاصة التي تتأثر بها وفقًا للطقس، حركة الرياح، والأمطار".
وأكد خدام أن القطاع الزراعي والمزارعين كافة يؤيدون التطور المستمر، ففي عام 1976 كان في الأردن أربع بيوت محمية، والآن يوجد 120 ألف بيت محمي، والتمور من صنف "المجهول" لم تكن موجودة في الأردن، واليوم الأردن يحتل أهمية خاصة في تمور المجهول الأردنية، ويحتل الطلب عليها مركزًا عاليًا نسبيًا في الأسواق العالمية. أما الحمضيات فتحتل من 75 إلى 80 ألف دونم من الأراضي الزراعية، ويعتبر هذا تطورًا ونقلة نوعية في قطاع الزراعة.
وتابع أن المزارعين يقفون مع أي تطور وتكنولوجيا تخدم القطاع الزراعي، ولكن المزارع الأردني يعاني من قلة السيولة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. لذا، مقابل هذا التطور يجب تمويل المزارع لمواكبة التطورات، كي لا تكون على حساب المزارع. قائلاً: "المزارع لم يعد يستطيع مواكبة التطورات في ظل الخسائر المتراكمة". بالتالي، ما يؤثر على المزارع سيؤثر على القطاع ككل، وهذا ما سينعكس سلبًا على المائدة التي يؤمنها المزارع الأردني.