الأجور بين الشمولية والانانية...
يبدو أن الخلل الذي يحدث في جزء ما من المجتمع، يترك اثره على باقي الأجزاء شئنا أم أبينا، فمن السهل ان نضع اللوم على هذه الجهة او تلك، ولكن في الحقيقة نحن جميعا مسؤولون عن الخلل الذي يحدث، فمن تلك اللحظة التي سعينا فيها لتعظيم دائرة المنافع والمكاسب الخاصة بالأنا، ولو على حساب اقرب الناس منّا قبل ان يكون على حساب المجتمع.
اسوق هذه المقدمة بين يدي موضوع الرواتب والاجور وخاصة اجور الأطباء بين الإجحاف والعدالة، وبين المكاشفة والشفافية والعدالة والمسؤولية سوءا المجتمعية أو الحكومية، عندما تسعى فئة ما لتكون هي من يملك حصرية الإختصاص الطبي، والإنتفاع بهذا الإختصاص حتى دون القيام بأي عمل كما يحدث في كثير من المستشفيات، بحيث تصل حصة محفوظة لطبيب الإختصاص حتى لو لم يقم بأي عمل، ولكن لماذا؟
يذكرني كل هذا بالقصة المشهورة عن احد روؤساء الوزارء، عندما غير مخطط العاصمة بشكل كامل ليدخل قطعة ارض خاصة له بهذا التعديل، ما علاقة هذا بتلك؟ نفس العلاقة للأسف، دائرة المنفعة الخاصة بنا، ولماذا يضع النقابيون نظام تقاعد غير خاضع للدراسات الإكتوارية، ويدركون تماما انه لن يستمر، ولن تكون هناك ملاءة مالية في هذه النقابات قادرة على دفع كل هذه الأجور المرتفعة، ولسنوات طويلة قادمة يكونون هم المستفيدون منها، ويجبرون اجيال من المشتركين الجدد على دفع اموال ليستفيدوا هم منها، بشكل رئيسي وقد يستفيد وقد لا يتبقى ما يجعل المشترك الجديد يستفيد، سوى تحقيق دائرة المنفعة الذاتية، وتعظيم المكاسب الشخصية على حساب الأخر والوطن.
هل نحن أنانيون لهذه الدرجة، سؤال يلاحقني منذ فترة، ولكن يبدو أننا بدأنا نؤثر على كل الدوائر الأخرى المحيطة بنا، وبدأت ظاهرة التراجع في المجالات الإقتصادية والإستثمارية تصبح ظاهرة تلاحق جميع القطاعات، يبدو أن عقلية أن أجعلك تربح وأربح معك لم تصل إلينا، أنا اريد أن أربح ولا أريد أن تربح. ولذلك تجد الغش في البيع والشراء والإصلاحات وفي العمل وفي الكثير من نواحي الحياة تقريبا.
نعود للأجور وتلك المعادلة التي تتحكم بها عناصر مختلفة من المهارة إلى الشهادة إلى الخبرة إلى التنافس إلى العدالة إلى التضخم إلى النفقات التشغيلية والضريبية والضمان، والأجور التي يدفعها سواء رواتب أو عقارات او كهرباء وغيره، ونعود إلى الحد الذي يضمن له حياة كريمة وتأمين النفقات المطلوبة منه لدينا قصة طويلة. وفي ظل ارتفاع الأجور الاخرى المتعلقة بمهن لا تتطلب شهادة أو دراسة أو مستلزمات، نسمع اليوم بأن أجور بعض المهن مثل مواسرجي او كهربائي تتجاوز الثلاثين وقد تصل إلى خمسين دينارا حسب المنطقة وطبيعة المهني وسمعته، بصرف النظر عن دراسته مع الاحترام لكل المهن التي تتطلب جهدا عضليا أو عقليا.
اذا عدالة الأجور تستوجب عدالة المنظومة، وشمولية هذه المنظومة لكل الأجزاء، وتكون قادرة على الخروج بمجموعة من القواعد التي تحمي جميع الأطراف وليس طرف على حساب طرف، فإن انت سعيت لحماية المستأجر على حساب المؤجر حدث خلل، وان سعيت لحماية المواطن على حساب الأطراف الأخرى حدث خلل، وقد تهاجر هذه الكفاءات الوطن وتبحث عن مصادر رزق بديلة وهذا ما حدث، وقد تتعثر وتصبح غير قادرة على الإستمرار، وقد يصبح من الصعب البحث عن طبيب إختصاص كما يحدث في مستشفيات القطاع العام.
حقيقة أكره التوازنات ولكن الحياة لا تستقيم بدونها .
إبراهيم أبو حويله .