بنسبة 470% .. هجرة الاطباء .. الاسباب معروفة والحلول معدومة

الهواري ل الانباط: هجرة الكفاءات الطبية ليست محصورة ب الأردن

القطاع الطبي يفتقر ل الأمان الوظيفي والخاص أسوأ من العام

د. القرالة: فرص العمل قليلة والرواتب متدنية والحل برفع الإنفاق الحكومي

الأنباط - كارمن أيمن

قال وزير الصحة الدكتور فراس الهواري إن الوزارة عملت منذ ثلاث سنوات على تحسين بيئة العمل داخل الوزارة، إذ أتاحت فرصًا لبرامج تدريبية وتعليمية للأطباء، وتم على مدى هذه السنوات استحداث أكثر من عشرة برامج اختصاص جديدة لم تكن موجودة سابقًا، حيث تم إطلاق برامج اختصاص في الأمراض الصدرية والجهاز الهضمي وجراحة الصدر والحروق والتجميل وغيرها العديد، مما يوفر للطبيب الأردني الفرصة للتدريب والتعليم ويمكّنه من التقدم للبورد الأردني، بالإضافة إلى أنه يفتح له المجال ليخصّص فيها.

ونوه الهواري في حديث له مع "الأنباط" إلى أن الوزارة عملت على تحسين بيئة العمل داخل مستشفيات وزارة الصحة، إذ اختلفت اليوم تمامًا عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات من خلال تحسين مستشفى البشير ومستشفى السلط الجديد ومستشفى عجلون ومستشفى الطفيلة ومستشفى سميح دروزة للأورام. فضلاً عن أن الوزارة أولت الأطباء اهتمامًا بالأمور المالية، حيث تم رفع نسبة الحوافز من 35% إلى 55%، مما يشجع الأطباء ويمنحهم حقوقهم التي يحتاجونها ليكونوا مرتاحين أثناء مزاولة عملهم.

وأضاف أن الوزارة تعمل على توفير بيئة ملائمة للبحث العلمي، حيث سيتم افتتاح أول مركز للدراسات السريرية الدوائية في مستشفى إربد الميداني بالتعاون مع شركة أكاديما من القطاع الخاص، بالإضافة لتأسيس قسم لأخلاقيات البحث العلمي لمراجعة بروتوكولات البحث الطبي، وبالتالي فتح الفرص أمام إجراء أبحاث علمية في وزارة الصحة.

وتابع: نأمل نحن في كل الاتجاهات أن نوفر فرصة لأبنائنا للعمل في وزارة الصحة، واليوم ليس الهدف فقط وزارة الصحة وإنما الأردن بشكل عام، مؤكدًا أن هجرة الكوادر ليست من وزارة الصحة، وأن مشكلة هجرة الكفاءات الطبية هي مشكلة عامة وعربية بامتياز، مشيرًا إلى أنه يجري العمل على معالجتها على المستوى الوطني والعربي.

جاءت تصريحات الهواري لـ "الأنباط" تعقيبًا على ظاهرة هجرة الكفاءات الطبية الأردنية إلى بعض دول الجوار ودول العالم المختلفة، في وقت كشف تقرير المجلس الطبي البريطاني الصادر مؤخرًا عن ارتفاع كبير في أعداد الأطباء الأردنيين المهاجرين إلى المملكة المتحدة، لتصل نسبة الهجرة إلى 470% خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2021، في الوقت الذي بلغ فيه عدد الأطباء المهاجرين إلى بريطانيا في عام 2021 نحو 217 طبيبًا، مما يشير -وفق مختصين- إلى تزايد ملحوظ في أعداد الأطباء المهاجرين وبنسبة زيادة هي الأعلى عالميًا.

وفي السياق، أكد أحد الأطباء أنه من الصعب على الأطباء مغادرة البلاد للخدمة في مكان آخر إلا إذا اضطروا تحت ظروف قاهرة تتمثل بتدني المستوى المعيشي والوضع الاجتماعي والمادي وظروف العمل، الأمر الذي يفرض على الطبيب الهجرة للعمل بالخارج.

وتابع الطبيب الذي فضل عدم ذكر اسمه حديثه لـ "الأنباط"، أنه من مؤيدي مزاولة المهنة في الأردن من منطلق أنها مهنة "لا يمكن أن تتغرب" تحت أي مسمى من المسميات، لكن مع العمل على تحسين الأوضاع في القطاع الطبي باستمرار، لافتًا إلى أن سبب تراجعه عن الهجرة كان نتيجة حصوله على مركز أعلى في الوظيفة، ما جعله يشعر باستقرار أكبر، على الرغم من عدم رضاه بالشكل الكامل. إلا أنه بعد دراسة الوضع ومقارنته بالخارج، فضل العمل بالأردن.

وأشار إلى أن أبرز أسباب الهجرة تعود للحياة الصعبة التي يعيشها الطبيب، إذ يعاني من الدخل المادي المتدني والتدرج في سلم العمل الوظيفي من ناحية الحصول على الفرص والوظائف، وساعات العمل الطويلة التي لا تتناسب مع الأجر المدفوع لهم، مضيفًا أن هناك أسبابًا أخرى تتعلق بعدم إعطائهم علاوة مقابل العمل الإضافي، وتوغّل القطاع الخاص، ومحاولة استغلال الأطباء في القطاع الحكومي وعدم تنظيم القطاع الطبي، وفقًا لقوله.

وبين خلال تجربته بالعمل كطبيب في القطاعين الخاص والحكومي أنه لا يشعر بوجود أمان وظيفي في القطاع الخاص؛ لأن تركيزهم يصب في الناحية المادية، إذ يتم الاستغناء عن الأطباء بسهولة عندما تقل إنتاجيتهم وكفاءتهم، ويتم استبدال الأطباء الأكفاء بأطباء أقل كفاءة لتقليل التكاليف، إضافة إلى محاولة منعهم من الانتساب إلى التأمين والضمان الاجتماعي، وأوقات العمل الظالمة. مشيرًا إلى أن الوضع في القطاع الحكومي يزداد سوءًا، إذ بعد حصول الطبيب على منصب مهم تقوم المستشفى بنقله إلى مكان آخر، منوهاً أن الظلم يبدأ من فترة الإقامة لأنه لا يوجد عدد ساعات محددة للعمل والمناوبة، وحتى عندما يصبح الطبيب أخصائيًا يُدرج بند في عقد العمل يوضح بأن عدد الساعات تُحدد وفقًا لما تقتضيه متطلبات الوظيفة ورئيس القسم أو مدير المستشفى.

وأوضح الطبيب أن هناك سوءًا في الخدمات المقدمة للأطباء من حيث المكاتب وتدريج التأمين الصحي، إذ يتساءل الطبيب كونه مقدم خدمة طبية عن سبب تدريج التأمين من الدرجة الرابعة للأولى، بحيث لا يكون مؤمنًا منذ بداية عمله بتأمين شامل بنسبة 100%. مما اضطر بعض الأطباء للتقديم للديوان الملكي للحصول على إعفاء للعلاج، مضيفًا أن البعض توفي نتيجة عدم توفر تكاليف إجراء العملية العلاجية لهم، كون أن التأمين الصحي لا يغطي نسبة عالية من العلاج. حيث تكمن المشكلة في معاملة الأطباء في القطاع الحكومي كالموظف الحكومي، فلا توجد له أي امتيازات خاصة من حيث نقاط الحوافز وتعويضها والراتب الأساسي بالإضافة للزيادة السنوية، علمًا أن الجهد الذي يبذله الطبيب يفوق جهد الموظف الحكومي.

وأشار إلى أن الأطباء يفتقرون للدورات العلمية والانجذابات في البرامج الدولية التي تسهم في تطويرهم في أماكن عملهم، مؤكدًا أنها قد تكون محتكرة على فئات معينة في ظل وجود نسب كبيرة للواسطات والمحسوبية والعلاقات الشخصية، بحسب قوله، مما جعل الوضع في وزارة الصحة "منفرًا وليس مستقطبًا". إضافة إلى ذلك، فإن الوزارة لا تأخذ بعين الاعتبار قيام الأطباء بالتطوير من علمهم، وفي حال حصل الطبيب على دبلوم في مجال طبي أو نشر بحث أو دورة معينة، لا توضع في ملفه، ولا يحصل على راتب أعلى أو درجة ترقية أعلى.

لفت إلى غياب الدور الحقيقي لنقابة الأطباء منذ عدة سنوات، إذ يقتصر عملهم على الجباية فقط من خلال تسديد الأطباء اشتراكاتهم الشهرية في النقابة، من خلال جمع الرسوم مقابل لا شيء. حيث يفتقد الأطباء للمساعدات المالية مثل قرض الطبيب للإسكان أو قرض الطبيب الصحي، فضلاً عن عدم وجود مقاعد محددة في الجامعات الحكومية لدراسة أبناء الأطباء أو توفير مستشفى خاص لمعالجة الأطباء. داعيًا إلى ضرورة وجود نظام خاص مستقل مع وزارة الصحة يتمثل بتحديد ساعات العمل الرسمية وساعات العمل الإضافية بطريقة عادلة برواتب وحوافز مختلفة تحفز الأطباء على بقائهم في الدولة واستثمار قدراتهم وجهودهم للعمل.

وذكرالطبيب أنه لا يوجد في المجلس الطبي الأردني أي قاعدة أو نظام واضح للامتحانات واصفًا أنها "ظالمة" مقارنة مع أطباء الغرب الذي يختلف النظام لديهم عمّا في الأردن، إذ يتم اعتبارهم أطباء مختصين معترف بهم ومؤهلين للعمل في الأردن دون تقديم امتحانات بينما يقدّم الأطباء المقيمين في الأردن امتحانات شهرية و سنوية وامتحانات تقييمية، موكدًا على اهمية اعتماد برنامج الإقامة والتعليم في الأردن بدون امتحانات للأطباء المقيمين في الدولة فضلًا عن عدم وجود برنامج تعلمي واضح و عدم وجود إجازات خاصة للدراسة أوقات الامتحانات.
واختتم الطبيب حديثه بان هناك مشكلة تتمثل بنقص الكوادر الطبية في المستشفيات بشكل عام و بكل الاختصاصات، وفي المهن المساندة، فعلى سبيل المثال يخدم طبيبين أو ثلاث على الأكثر في قسم الباطني الذي يعالج بما يقارب 60-70 مريض في المستشفى، إذ يدفع الطبيب للعمل ساعات إضافية بدلًا من وجود كادر كافي و بدون مقابل.
ووفق إحصائيات المجلس، فإن الأطباء الأردنيين يحتلون المرتبة الرابعة عالميا، والأولى عربيا بعدد الأطباء الزائرين إلى بريطانيا بواقع 427 طبيبا، ويتصدر أطباء كندا والهند وباكستان المراتب الثلاث الأولى في قائمة الأطباء الزائرين لبريطانيا، في حين يأتي الأردن في المرتبة الرابعة، ثم الأطباء من لبنان والسعودية ومصر وغيرهم.
بدوره أشار الدكتور حازم القرالة، عضو مجلس نقابة الأطباء إلى قلّة فرص العمل المتوفّرة في الأردن مقارنةً بأعداد الخريجين التي تفوق بشكل كبير ما يمكن استيعابه في المؤسسات الصحية فضلا عن تدني الرواتب التي يتم تحصيلها بالأردن مقارنة بما يتم تحصيله في دول الجوار، فالطبيب يلجأ للعمل بالخارج بحثًا عن تحسين الأوضاع المعيشية و لظروف العمل الأفضل التي تتمثّل بعدد أطباء مناسب و بحجم عمل أقل، لاسيّما في ظل وجود نقص في عدد الأطباء بالقطاعات الحكومية وتعرّضهم باستمرار للاجهاد الجسدي والذهني نتيجة العمل لساعات طويلة ومعاينة أعداد هائلة من المرضى.
ودعا لضرورة رفع الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي وإعادة تدوير بعض النفقات للاستثمار بهذه الكوادر كمًّا و نوعًا من حيث التدريب والحصول على الاختصاصات الدقيقة، فالاستثمار في العنصر البشري يعود بالفائدة على الوطن بشكل عام وعلى المؤسسة التي يعمل فيها، لافتا إلى أن أجور الأطباء والعلاوات في القطاع العام "متدنية و دون المطلوب" لذا لابُد من رفع أجورهم بحيث نوفّر لهم فرص معيشية أفضل وبيئة عمل أنسب حفاظًا على الأمن الصحّي الوطني ولضمان استمرارية عملهم في الأردن.
و بيّن القرالة أنَّ الطبيب يتدرَّج في سلّم التعيين حسب هيئة الخدمة المدنية بدرجات تحكم نوع التأمين و درجته، و بحسب النظام فإنه يُغطّى بدءًا من الدرجة الثالثة وحتى الأولى، مؤكدًا على أنّه لا يجوز لمقدّم الخدمة الصحية الحصول على تأمين أقل من بعض الدرجات المحدّدة، منوّهًا على المقترح النقابي الذي قاموا بمناقشته عدّة مرات، إذ ينص على وضع الأطباء ضمن نظام اخر يستثنيهم من نظام هيئة الخدمة المدنية إلّا أنهم وجدوا صعوبة في تطبيقه لوجود تفاصيل كثيرة من ضمنها التأمين الصحي والعديد من الأسباب الأخرى خصوصًا أنه يخالف المبدأ العام الذي بُني عليه هذا النظام، وتلخّصت الحلول بأهمية استحداث نظام للأطباء يعالج تشوهات عديدة ومن ضمنها درجة التأمين الصحي.
وتابع فيما يتعلق بأمر الحوافز والقروض و تخصيص المقاعد لأبناء الأطباء في الجامعات بأنها متاحة ولكن يحصلون عليها بنسب متواضعة، إذ سعى مجلس نقابة الأطباء للبحث بهذه الملفات مع وزارة الصحة واستطاعوا جزئيًا تحسين بعضا منها كرفع علاوة الأطباء و بدل التفرغ من 35% الى 55%، ولكن هذا إذا ما فسّرناه إلى لغة الأرقام فهو يتراوح ما بين 97 إلى 280 دينار للطبيب الاستشاري وعلى الرغم من ذلك إلّا أنه لازال دون المطلوب.
إلى ذلك، أوضح القرالة إلى أنه يتم إدراج الشهادات والدورات العملية في ملف الطبيب لكن بشروط معينة وفقا لنظام الموارد البشرية السابق، و ذلك من خلال أخذ موافقة وزير الصحة للدراسة والحصول على مؤهل جديد، إذ تناقش اللجنة الشهادة وبعد موافقة اللجنة عليها يترقّى حسب سلم هيئة الخدمة المدنية ويحصل على راتب أعلى، لكن في الوقت الحالي يصعب تطبيق النظام لوجود تشوّهات كبيرة، إذ يوضّح نظام الموارد البشرية الجديد بإن الراتب للوظيفة وليس للموَّظف، فالأطباء هم الموظّفين الوحيدين في السلك الحكومي الذين يتقاضون رواتبهم من خلال مسار مهني، أي أن الرواتب تتغير في كل درجة.
و أختتم القرالة في حديثه للأنباط أن جميع الأطباء من داخل وخارج الأردن يخضعون سنويًا لامتحانات تقييمة داخل مؤسساتهم ومن المجلس الطبي ألأردني للحصول على الشهادات بالشكل صحيح ولضمان المستوى التعليمي المتميز للطبيب.