يحيى السنوار .. مسيح الاقانيم الثلاثة

       


 بقلم : حمدي فراج
     تمنت في نفسي كثيرا أن التقي السنوار ، و عندما اصبح زعيما لحركة حماس ، أدركت ان هذه الأمنية أصبحت صعبة ، و بإستشهاده أصبحت مستحيلة ، لكنني إلتقيته عدة مرات ، إحداها من خلال كتابه الذي يروي سيرة حياته بعنوان "الشوك و القرنفل" في أكثر من 300 صفحة ، تعرفت على مولده و لجوئه و طفولته و صباه و فقره و دراسته و نضاله و أسره ، و كلها تقريبا قواسم مشتركة لأبناء المخيم ، أي مخيم ، و قد قدم لكتابه بنفسه من سجن بئر السبع عام 2004 و أهداه الى "من تعلقت أفئدتهم بأرض الاسراء و المعراج ، من المحيط الى الخليج ، بل من المحيط الى المحيط" . 
    و بعيدا عن الخطابات العربية "التعبوية" ، التي لم يعد بإمكانها تعبئة أحد ، بمن في ذلك الفارغين ، فإنني أميل الى تصديق الرواية الإسرائيلية ، من أن السنوار لم يتم اغتياله واستهدافه ، رغم انهم كانوا يبحثون عنه بمصباح ديوجين ، الفيلسوف اليوناني الذي كان يحمله في رابعة النهار ، و حين يسألونه : عم تبحث بمصباحك في النهار يا ديوجين ، كان يجيبهم : أبحث عن بشر ، ابحث عن آدميين ، عن انسانيين . فيقولون له : ها نحن امامك ، الا يكفيك كل هؤلاء الذين تراهم . كان برد عليهم : هؤلاء مجردين من الإنسانية . تذكرت كل هؤلاء الذين قدموا التهاني بمقتل السنوار ، و شربوا نخب مقتله ، و في المقدمة منهم ، رئيس العالم الحر جو بايدن ، و أولئك الذين احتفلوا في أروقتهم و بيوتهم و قلوبهم ، و إن كان بصمت و بدون ضجيج . 
    لقد مر على ساعة مقتله في حي السلطان برفح ضحى الأربعاء ، و الإعلان عن ذلك مساء الخميس ، أكثر من 24 ساعة ، و هذا كاف لتصديق رواية انه لم يستهدف ، و أنه كان مجرد جندي في جيش الثورة التي يقودها ، و حصل الاشتباك الصدفي معه ، و من هنا نال صك الوصول ممهورا بتوقيع العدو ، كما قال الاديب المصري الكبير يوسف ادريس عن استشهاد غسان كنفاني قبل أكثر من خمسين سنة ، خلد غسان كنفاني ، أكثر بكثير من الذي اغتاله و ذهب الى الغياهب مجهولا منسيا مخزيا و معه رئيس الأركان ووزير الدفاع و رئيس الوزراء أنذاك . 
    بعد خمسين سنة من اليوم ، سيذهب نتنياهو و معه وزير دفاعه و قائد اركان جيشه الى نفس الغياهب ، لكن يحيى السنوار سيذهب الى صفحات الخلود و المجد و الوصول . 
    لقد سجل هذا الانسان البسيط ، التي تعج فلسطين بأمثاله ، في غمرة قصيرة من الوقت ، ثلاث معجزات تكاد تتماهى مع معجزات الأنبياء و الرسل ، الأولى : معجزة طوفان الأقصى التي زلزلزت الأرض من تحت اقدام إسرائيل و جيشها الذي لا يقهر و أمن موساداها الذي لا يخترق ، الأرض الامريكية بدورها تأثرت ، المعنى الذي تفيده كل هذه الفرحة و "الزغططة" بمقتله . الأرض العربية التي لم تتأثر ، سرعان ما ستتأثر . و ثانيها : معجزة الأرض الصلبة التي عبّدها بالاسمنت المسلح والحديد و الباطون لكل من يريد ان يقاومها كترجمة عملية للشعار العنكبوتي الذي اطلقه حسن نصر الله قبل نحو عشرين سنة . المعجزة الثالثة : انه اول قائد عربي ، منذ زمن سحيق ، الذي جمع بين الزعامة و القتال و الاستشهاد . أنا شخصيا ، لا أعرف أحدا قبله على الاطلاق جمع بين هذه الأقانيم الثلاثة ، باستثناء السيد المسيح ، الفدائي الفلسطيني الأول ، الذي جمع بين اقانيم الآب و الابن و الروح القدس .