عايش: ستؤثر على التجارة الدولية والنمو الاقتصادي العالمي وأسعار السلع
عقل: إغلاق مضيق هرمز يحرم العالم من 20% من استهلاك النفط
الأنباط – عمر الخطيب
صدر اخيرا تقرير عن "بلومبيرغ إنتليجنس" و"بلومبيرغ إيكونوميكس" ناقش فيه سيناريوهات الصراع في الشرق الأوسط وتأثيراتها السياسية والاقتصادية. وجاء فيه أربعة سيناريوهات للصراع بين إيران وإسرائيل. أولها هو الحرب المباشرة بينهما عبر نشوب صراع عسكري شامل، يتضمن هجمات متبادلة تؤثر على الاقتصاد من خلال ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل، وفقدان الاقتصاد العالمي نحو تريليون دولار. ويشير التقرير إلى العواقب السياسية المترتبة على الحرب المباشرة بين الطرفين، حيث يتأثر الوضع سلبًا على الانتخابات الأمريكية، ويزداد الضغط على الحكومات العالمية.
وأشار إلى أن السيناريو الثاني هو حرب بالوكالة، حيث تصطدم إسرائيل وإيران عبر الوكلاء، مما يرفع أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، ويمكن أن يكلف الاقتصاد العالمي حوالي 300 مليار دولار. كما يؤدي إلى تراجع النمو العالمي بنسبة 0.3% في 2024، مما سيجعله أضعف نمو في ثلاثة عقود. ويضيف التقرير أن العواقب السياسية لحرب الوكالة ستكون استمرار التوترات الإقليمية، مع تأثير أقل على الأسواق مقارنة ب المباشرة.
أما الثالث فهو الحرب المحصورة، أي تبادل غارات جوية إسرائيلية محدودة دون تصعيد كبير. يؤثر وهذا السيناريو يؤثر بشكل ضعيف على الاقتصاد العالمي، مع استقرار أسعار النفط في نطاقات معقولة، واستمرار التوتر دون تفاقم كبير في الأوضاع.
وأوضح أن السيناريو الرابع هو وقف إطلاق النار بين الطرفين، والتوصل إلى اتفاق لوقف القتال، مما يؤدي إلى انخفاض التوترات. وسيكون التأثير الاقتصادي محدودًا.
ويرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن السيناريو الرابع سيتحقق، سواء طالت الحرب أم قصرت، أو تحولت إلى حرب بالوكالة أو إقليمية. وسواء حققت إسرائيل نتيجة ترضيها وتدفعها لوقف الحرب أو لم تتحمل لأسباب داخلية، فإن كلفة الحرب المستمرة ستقود في النهاية إلى تحقيق هذا السيناريو. بالإضافة إلى ذلك، يمكن حدوث سيناريو خامس، وهو خليط من الثلاثة الأولى، أو أن يدخل فيه الرابع، حيث "تتوقف الحرب هنا وتستمر هناك، ثم تعود للاشتعال هنا وتستقر هناك". وقد نشهد نوعًا من التنويع في القتال بين ما يبدو أنه حرب شاملة و بالوكالة، وبين غارات جوية إسرائيلية وردود صاروخية، مع إمكانية تبريد بعض الجبهات وتسخين أخرى.
وأوضح أن الصراع بين دول المحور المقاومة وإسرائيل قد يأخذ أشكالاً جديدة أو قد يبقى على رتابته الحالية. وسيؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي من خلال ارتفاعات وانخفاضات في أسعار النفط، مع كل انخفاض في وتيرة الأعمال العسكرية. سنشهد حالة من عدم اليقين الاقتصادي، وتوجهات النمو في دول الإقليم وربما في دول أخرى. كما سنشهد تذبذبًا في معدلات التضخم، مما يؤدي إلى اضطراب في الاتجاهات الاقتصادية العالمية.
واعتبر أن تطورات هذه السيناريوهات ستؤثر على التجارة الدولية، العلاقات العالمية، النمو الاقتصادي العالمي، وأسعار السلع الأولية. وعلى الاستقرار في الدول المتأثرة مباشرة أو التي ستتأثر تدريجيًا بوقائع الحرب سيتعرض للاضطراب. مبينًا أن أسعار الطاقة قد تصبح غير مستقرة، مما سيؤدي إلى إرباك خطط التعافي الاقتصادي العالمية، بالإضافة إلى تأثير ذلك على أسعار الفائدة والتوجهات.
وأضاف أن سيناريو الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل مع محور المقاومة قد يؤدي إلى إغلاق الممرات المائية مثل هرمز وباب المندب وقناة السويس، مما سيخلق أزمة اقتصادية عالمية كبرى. مشيرًا إلى أن حوالي 80% من الصادرات والواردات العالمية تمر عبر البحار، وبالتالي ستتأثر مباشرة أو بشكل غير مباشر.
وتابع أن السيناريو الأول يمكن أن يتحقق اعتمادًا على رد إسرائيل. هل ستقبل برد أقل من الرد الإيراني؟ هل سيكون ردها أكبر؟ هل ستشمل الضربة البنية التحتية والمفاعلات النووية والحرس الثوري ومواقع الصواريخ؟
وأشار إلى أن الردود ستترك تداعيات على الأرض، وأن حسم الرد لصالح طرف ما سيعني إما توقف الآخر عن الرد، أو عجزه عن ذلك. لكن يبقى السيناريو الأول هو الاحتمال الأكبر، خاصة في ظل تهديدات إسرائيل المستمرة بالرد على إيران.
وبين أن الثاني المتعلق بالأذرع، أي بالوكالة، ف لإسرائيل أذرعًا كثيرة؛ فالولايات المتحدة ودول مثل فرنسا وبريطانيا تُعتبر ذراعًا لإسرائيل، بالإضافة إلى دول بالمنطقة ربما تنخرط في معارك تؤثر على الاستقرار والاقتصاد في هذه الدول، مع النتائج الوخيمة المترتبة على انخراط العالم في معارك بين الأذرع، وهي قد تكون صغيرة في المنطقة لكنها كبيرة عندما يحدث تدخل من الولايات المتحدة وأوروبا وفرنسا. ما يستدعي ربما تدخلًا روسيًا وصينيًا، في حال استيقظت روسيا والصين من سباتهما فيما يتعلق بأزمات هذه المنطقة، واتخاذ موقف يعيد لهما بعضًا مما يدعيانه من ضرورة أن يكون هناك تعدد للأقطاب في العالم. وبالتالي، قد تؤثر هذه الأمور على خسائر تفوق ما يُتحدث عنه من تريليون دولار.
وقال أن أسعار النفط سترتفع إلى 250 دولارًا، مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية العالمية، ويؤدي إلى مخاطر ستفوق نتائج الحرب الروسية الأوكرانية عند بدايتها، مشيرًا إلى أن لها تداعيات على عودة معدلات التضخم بشكل كبير، وعودة ارتفاع أسعار الفائدة، مما سيدخل الاقتصاد العالمي في حالة شاملة من عدم اليقين، وربما من الشلل الذي سيؤثر على النتيجة النهائية وعلى الأوضاع الاقتصادية العالمية والمحلية في مناطق مختلفة. وأن التأثر سيكون كبيرًا لدى البعض وأقل لدى آخرين، وذلك يعتمد على سلاسل الإمداد العالمية من جهة، وكيفية إعادة ترتيبها على وقع الحرب الروسية الأوكرانية وكورونا، بالإضافة إلى الإمكانيات الأمنية الغذائية وأمن الطاقة في الدول المختلفة، وعلى مدى قدرتها على التعامل مع حالات الطوارئ الناجمة عن هكذا سيناريوهات.
وأوضح أن الحرب المحصورة لا تبقى تحت هذه الوتيرة؛ لأن الغارات من هنا وصواريخ من هناك لا تؤدي إلى نتائج على الأرض، بمعنى أن التغير على الأرض يبقى محدودًا أو قليلاً. وإسرائيل تقول إن هدفها هو منع إطلاق الصواريخ عليها، بينما تسعى أطراف المقاومة إلى إجبار إسرائيل على وقف عدوانها وتكبيدها خسائر سياسية ومعنوية واقتصادية، وبالتالي تحد من إمكانية استمرار اعتداءاتها. مبينًا أن العلاقات الصفرية فيما يتعلق بنتائج هذه الحرب قد تؤدي إلى بقائها بنفس الوتيرة، لكن كل ذلك أيضًا مرهون بنتائج الانتخابات الأمريكية.
من جانبه، قال خبير الطاقة هاشم عقل إن قيام إسرائيل بمهاجمة إيران يوجد له عدة احتمالات، ولكن الأقوى هو تدخل وضغط من إدارة بايدن، بتوجه لتكون الضربة العسكرية ضد أهداف عسكرية فقط؛ لأن الولايات المتحدة هي المتضرر الأكبر في حالة مهاجمة منشآت نفطية. مشيرًا إلى أن ذلك يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير جدًا، وإلى نفور الناخب الأمريكي من التصويت للديمقراطيين والذهاب إلى الخصم الآخر؛ لأنهم يتضررون في الانتخابات بشكل كبير جدًا. لذلك مارست الإدارة ضغوطًا كبيرة على الاحتلال لعدم مهاجمة، في الدرجة الأولى، المواقع والمنشآت النووية.
وأضاف أن في الدرجة الثانية هناك خوف من تضرر المنشآت النفطية وارتفاع الأسعار، مما ينعكس سلبًا على المجتمع الأمريكي في قضية الانتخابات. ولكن إذا كان للاحتلال رأي آخر وهاجمت منشآت اقتصادية نفطية، فإن ذلك يؤدي إلى رد إيراني مكثف أيضًا على منشآت اقتصادية في دولة الاحتلال. مبينًا أنه في حالة مهاجمة المنشآت النفطية الإيرانية، هناك احتمال قوي أو شبه مؤكد بارتفاع أسعار البترول، لكن لفترة وجيزة لا تتجاوز الأسبوعين؛ بسبب أن إنتاج إيران أو كمية تصديرها تبلغ 1.7 مليون برميل، 90% منها يُصدّر إلى الصين.
وتابع أن الصادرات الإيرانية تذهب إلى مصافٍ صغيرة في الصين غير مرتبطة بالنظام المالي العالمي، ويتم بيع المنتجات بالعملات المحلية بين الصين وإيران. النقطة الأهم من ذلك أن هناك فائضًا لدى منظمة أوبك من 5 إلى 6 ملايين برميل، وهناك أيضًا الدول المنتجة خارج منظمة أوبك. وبالتالي، كمية التصدير من إيران، والبالغة 1.7 مليون برميل، سهل جدًا تعويضها من المنتجين الآخرين. مشيرًا إلى أنه لن يكون لهذا تأثير طويل الأجل على أسعار البترول، لكن الخطورة الأكبر تكمن في إغلاق إيران لمضيق هرمز، حيث قد نرى أسعار البترول تتجاوز 250 دولارًا لأن من الخليج العربي يخرج يوميًا 21 مليون برميل بترول تتوجه إلى معظم أسواق العالم، وخاصة أسواق الشرق الأقصى مثل اليابان وكوريا والصين والهند وغيرها.
وأوضح أن إغلاق المضيق سيحرم العالم من حوالي 20 أو 22% من الاستهلاك، وهذه كمية مستحيل تعويضها من الأسواق الأخرى سواء في منظمة أوبك أو خارجها؛ لأن إنتاج العالم المعروف يتراوح في حدود 102-103 مليون برميل يوميًا، وعند حدوث هذا النقص لن يستطيع أحد تعويضه بسهولة، وسيحتاجون إلى فترة طويلة جدًا. مبينًا أن الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بهذه الدول من توقف شبه تام لقطاعات الإنتاج والصناعة والاقتصاد في معظم الدول المستوردة، والتي تعتمد على بترول الخليج العربي، ستكون كبيرة جدًا اقتصاديًا.
وأشار إلى أن هذا سيؤدي إلى انعكاسات على معظم دول العالم، وستعود مشكلة التضخم إلى الدول التي عانت سابقًا، وتعود موجة ارتفاع الأسعار وأجور الشحن والنقل، مما سيحدث هزة في الاقتصاد العالمي ولا أحد يعلم نهايتها. مضيفًا أنه قد يحدث تطور لاحق بمحاولة إغلاق مضيق باب المندب من قبل الحوثيين، لكن هذا احتمال ضعيف بسبب وجود تحالف دولي من 39 دولة تحاول عدم إغلاق هذا المضيق، حتى يستمر في العمل وتوفير ما يحتاجه الاقتصاد العالمي من مستوردات من الشرق الأقصى."