تأثير الحروب على الأردنيين.. توتر وغضب وخوف من المجهول
الدهون: التواصل والدعم الاجتماعي يساعد بتخفيف الضغط النفسي
الخوالدة: اعتدال الاردن يمنحه الأمن والاستقرار وعمان لا تسمح لأحد بالتدخل بشؤونها
الأنباط - مي الكردي
في الآونة الأخيرة، شكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان شكلاً جديدًا من الأزمات التي أثرت على كافة مناحي الحياة، حيث إن المواطن الأردني يعيش أزمات أشقائه بمختلف الدول، على غرار ارتباطه بهم إنسانيًا ودينيًا، مما شكل ضغوطًا صحية ونفسية عليه، جعله يربط أحزانه وأفراحه ومشاعره بهم، منطلقًا بروحه القومية ونفسه الوطنية.
وفي خِضم هذه العاصفة، يسعى الأردن أن يوزن كفتيه في واجبه الوطني تجاه شعبه ودوره الإنساني والإغاثي. ومنذ بداية استقلاله وأوج نجاح مؤسساته وأجهزته الأمنية، لم يتوانَ الأردن يومًا عن تقديم واجبه العروبي الممتد من عهد الثورة العربية الكبرى للدول العربية والعالم، رغم التحديات التي تواجهه، والتي تتمحور حول موقعه الجغرافي حيث يسعى بموقفه الثابت إلى بناء درع حصين يحمي سماء وأرض المملكة من أي اعتداء.
بدوره، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد هلال الخوالدة أن المملكة دولة ذات سيادة، تتمتع بالأمن والاستقرار، وتحافظ على أمنها واستقرارها، واستطاعت أن تديم هذا الأمن والاستقرار من خلال سياستها المعتدلة، التي لا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية. مضيفًا أن الأردن لا تتدخل في شؤون أحد، وتتعامل بالمثل وحسن الجوار.
وأشار إلى أن الأردن دولة تتمتع بنظام ملكي هاشمي لديه الشرعية الدينية والتاريخية إضافة إلى استقراره السياسي، الذي يسمح بإدامة الاستقرار المالي والاقتصادي، مما يزيد في الأمن والاستقرار، ويرسخ الديمقراطية، ويوسع مشاركة الشعب في القرار. لافتًا إلى أن الأردن وطن عروبي قومي يرتكز على ميادين الثورة العربية الكبرى، ويركز على أهمية الالتفات إلى تحقيق الأمن المجتمعي في الصحة والتعليم وتلبية متطلبات الشعب الأساسية، وكل ذلك يضمن احتراف القوات المسلحة الأردنية وقدرتها على حماية الوطن في بيئة إقليمية متغيرة.
وبين الخوالدة أن الموقع الجغرافي الأردني المتوسط والهام، الذي يربط إفريقيا بآسيا، ومجاورته لأصعب وأطول الصراعات وأهمها الفلسطيني - الإسرائيلي، قد جعلت الأردن تشارك في جميع الحروب منذ 1948، مثل حرب 67، وحرب الاستنزاف والكرامة الخالدة، وحرب 1973. وجميع هذه الحروب القت بثقلها على الأردن بسبب قرب الجغرافيا إلى الدور القومي الإنساني، وموقف الهاشميين الدائم الداعم لكافة الأشقاء وتحقيق أمنهم واستقرارهم. مؤكدًا أن الأردن استقبل موجات اللاجئين المتواصلة منذ 1948، وكذلك اللاجئين العراقيين والسوريين، مما شكل عنصرًا ضاغطًا على البنية التحتية والخدمات والاقتصاد الوطني، وزاد من تفاقم البطالة بين أبناء المجتمع الأردني.
ولفت إلى أن الأردن يعاني من تبعات الحرب على غزة وسوريا ولبنان والضفة الغربية، التي تهدد المصالح الوطنية العليا لمواجهة توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير السكان إلى الأردن أو إلى دول الجوار. مشيرًا إلى أن الأردن لن تقبل بذلك، وستواجه بقوة، وهذا ما أكده جلالة الملك في الخطاب الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها التاسع والسبعين.
وتابع أن إيران لديها مشروع توسيع مجالها الحيوي ونشر مبادئ ثورتها، التي قامت على تأسيس أذرع لها في دول عربية، واستغلت القضية الفلسطينية أفضل استغلال في إيجاد أذرع تابعة لها، وتحاول أن تدخل الساحة الأردنية من خلال إيجاد المليشيات على الحدود الشمالية، والقيام بعمليات تهريب المخدرات والأسلحة والمتفجرات للتأثير على الأمن الوطني الأردني. ولكن بفضل الله وحنكة القيادة وقوة الجيش والأجهزة الأمنية، فشلت جميع المحاولات.
وقال الخوالدة أن إيران ترسل رسائل للضغط على الأردن باستخدام أجوائها لإطلاق الصواريخ، للتأليب على الأردن، وإحراجه. داعيًا لوجود خيار بديل لاستهداف إسرائيل من خلال دول وجبهات اخرى حيث إن صواريخ إيران لديها قدرة على المناورة والوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل.
وقال المرشد النفسي محمد عيد الدهون إن النزاعات والحروب المحيطة تؤثر بشكل كبير على الأردنيين، مبينًا أن النزاعات يمكن أن تؤدي إلى زيادة مستويات القلق والتوتر ومشاعر السخط والغضب نتيجة للتهديدات الأمنية، وعدم الاستقرار، خاصة أن الأردن يقع ضمن منطقة ملتهبة بالاضطرابات والحروب.
واضاف أن التعرض المستمر للأخبار السلبية والمشاهد المؤلمة يمكن أن يتسبب بشعور الخوف والعجز والغضب المستمر، مما يؤثر على الصحة النفسية بشكل عام والعلاقات بشكل خاص. إضافة إلى معاناة البعض من مشاعر الحزن والاكتئاب بسبب الأوضاع المتوترة، لخوفهم على من هم في تلك البلدان. لافتًا إلى أن المواطن الأردني يرتبط إسلاميًا وعربيًا بمن حوله من الشعوب العربية، إلى صلة الدم، فما نراه في غزة وفلسطين قد أثر على كل العالم ككل، وليس فقط على الأردني، وهذا يتطلب إيجاد دعم نفسي إضافي للتكيف مع هذه الظروف الصعبة.
وبين أن ما يعانيه بعض الأردنيين جراء أحداث الحروب المحيطة من مشاكل نفسية مثل القلق والتوتر، حيث يشعر الكثيرون بالقلق المستمر بسبب التهديدات الأمنية والمخاوف من التصعيد، والاكتئاب الذي قد يتعرض له البعض بسبب الأحداث المؤلمة وفقدان الأمل بتحسن الأوضاع. مضيفًا أن هناك مشكلات أخرى قد يتعرض لها الأفراد، وهي الصدمات النفسية للذين شهدوا أو عايشوا أحداث عنف، وهذا يؤدي إلى حصول اضطرابات مثل اضطرابات ما بعد الصدمة. ونذكر أيضًا العزلة الاجتماعية نتيجة للضغوط النفسية، مما يزيد المعاناة.
وأشار الدهون إلى أن المشاكل تتطلب اهتمامًا ودعمًا نفسيًا لمساعدتهم على التكيف مع الظروف الصعبة، من خلال اتباع عدة نصائح، منها التواصل والدعم الاجتماعي للحصول على دعم عاطفي، والتحدث عن المشاعر والمشكلات، وهذا يساعد في تخفيف الضغط النفسي. حيث تعتبر الاستشارات النفسية خطوة فعالة، فالمرشد النفسي لديه القدرة على تقديم استراتيجيات وتقنيات للتعامل مع القلق والاكتئاب. لافتًا إلى أن ممارسة الرياضة والنشاط البدني وتقنيات التأمل مثل اليوغا تساعد على تقليل مستويات التوتر والقلق والشعور بالراحة النفسية والاسترخاء.
وتابع أنه من المهم تخصيص وقت للراحة بعيدًا عن الأخبار، لأنه من المهم أن يخصص الفرد وقتًا لنفسه بعيدًا عن الضغوط اليومية من خلال قراءة القرآن أو الكتب، مُبينًا أن المشاركة في الأنشطة المجتمعية والانخراط في الأنشطة التطوعية تعزز الشعور بالانتماء وتقلل من الشعور بالقلق، موضحًا أن هذه الطرق السابقة قد ذُكرت من أجل تقليل الشعور بالقلق والتوتر، وليس لنسيان ما يجري مع أهلنا الذين يقعون تحت الصراع، وأن لهم منا كل الدعاء والشعور الصادق.