بعد عام على العدوان.. الاردن يسخّر كل إمكاناته وجهوده نصرة لغزة
مرَّ عام كامل على حرب الإبادة الاسرائيلية في غزة لم يدخر الأردن خلالها بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني جهداً لوقفها والتحذير من مآلاتها الكارثية على المنطقة التي لطالما حذر جلالته العالم من عدم الإقرار بأسبابها الحقيقية وهي حرمان الشعب الفلسطيني من حقه بالعيش في دولته المستقلة بأمان كغيره من شعوب العالم.
ومنذ اليوم الأول للعدوان خاطب جلالة الملك كل زعماء وشعوب العالم من على منبر الأمم المتحدة ووضعهم أمام مسؤولياتهم، وحذر حينها من احتمالات توسع الصراع وانفلات الاستقرار في المنطقة عن السيطرة. فقد كانت خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل الدولية والإقليمية تعبيرا عن الالتزام الثابت والعميق بالقضية الفلسطينية، بدءا من خطاب جلالته في مؤتمر القاهرة للسلام، مرورا بخطابه في القمة العربية الإسلامية المشتركة حول غزة، ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، والقمة العربية بدورتها العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية، والجلسة الرئيسة لمؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة، والجلسة التواصلية في قمة مجموعة السبع، وفي منتدى جنيف للاجئين، وخطابه في موقع الإبادة الجماعية برواندا، وخطاب جلالته التاريخي في في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث كان تركيز جلالته على ضرورة وقف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية في قطاع غزة.
ووضع جلالته المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى تهدئة شاملة بالمنطقة وتجنب التأزيم الذي قد يؤدي لحرب مفتوحة، مشددا على عدم السماح بالتهجير القسري للفلسطينيين، ورفض الاردن بشكل تام مشروع الوطن البديل.
كما نبه جلالته إلى خطورة الاعتداءات الإسرائيلية المتطرفة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والانتهاكات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
كما استنكرت جلالة الملكة رانيا العبدالله في عدة لقاءات ومقابلات صحفية مع كبريات المحطات العالمية الحرب على غزة، وما رافقها من ازدواجية المعايير، والصمت العالمي إزاء الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني بعامة، وقطاع غزة بخاصة.
وفي الأمم المتحدة، كانت وزارة الخارجية تحشد كل الأدلة من أجل أن تتبنى قرارا بوقف العدوان وايصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة حيث حاز مشروع القرار الأردني على موافقة كل الدول.
وفي أوج الحرب والدمار والمجازر برز دور الأردن كنموذج يحتذى للتخفيف من حجم المأساة الإنسانية حيث وجه جلالة الملك بفتح جسور برية وجوية لنقل المساعدات الطارئة، وبدأ سلاح الجو الملكي الأردني بتنفيذ طلعات لإنزال المعونات الإنسانية لأهل القطاع وأمر جلالته بإرسال المستشفيات الميدانية العسكرية وأشرف بنفسه على تجهيزها.
وفي إطار جهود الدعم المستمر للأشقاء الفلسطينيين في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يمرون بها، تم توسيع نطاق الإنزالات الجوية لتشمل مختلف المناطق في شمال وجنوب قطاع غزة والتي توجت بمشاركة جلالة الملك على إحدى طائرات الإنزال الجوي، كما رافق سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، طائرات سلاح الجو الملكي إلى مطار العريش، إضافة إلى مشاركة سمو الأميرة سلمى بنت عبدالله الثاني في عمليات الإنزال الجوي، ما يعكس التزام الهاشميين بالقضية الفلسطينية ووضعها على سلم أولوياتهم واهتماماتهم من خلال مشاركتهم الشخصية في الجهود المبذولة في إيصال المساعدات والإمدادات إلى المناطق المتضررة، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في هذه الظروف الصعبة.
ورغم التحديات اللوجستية والسياسية، استمرت المستشفيات الميدانية في قطاع غزة بتقديم الخدمات الأساسية بما في ذلك العمليات الجراحية والرعاية الطبية والعلاجات الطارئة، ما يعكس تفانيًا عميقًا وإصرارًا على مساعدة الشعب الفلسطيني، وتأمين الرعاية الصحية للمصابين والمرضى.
وتجاوز التزام الأردن بالقضية الفلسطينية البعد الإنساني ليشمل الأبعاد السياسية والدبلوماسية، حيث أظهر دعماً راسخًا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.
وبحسب الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، فإنه بلغ إجمالي عدد المستفيدين للبرامج المنفذة داخل قطاع غزة نحو مليون و322 ألف و965 مستفيد، وزودت الهيئة القطاع بوحدات دم بالتنسيق مع وزارة الصحة لتعويض النقص الحاد في وحدات الدم، وحرصاً على مساعدة الطواقم الطبية في تأمين العلاج اللازم للمصابين والجرحى.
وتمثل المستشفيات الميدانية العسكرية الأردنية في غزة لفتة إنسانية ملكية وامتداداً لمسيرة الخير والعطاء الأردنية منذ انطلاقه ولغاية هذه اللحظة، إذ جاءت هذه المستشفيات المزودة بطواقم من ذوي الاختصاصات الطبية المختلفة لتمثل أحد أهم أشكال الدعم الأردني في تقديم الرعاية الطبية اللازمة للذين تعرضوا لإصابات متنوعة جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة والمتكررة.
وكانت القوات المسلحة الأردنية أرسلت عام 2000 محطة علاجية إلى مدينة رام الله ما تزال تعمل حتى الآن وتم تجهيزها وتزويدها بما يلزم من خبرات ومعدات ومستلزمات طبية، لتضميد جراح الأهالي في الضفة الغربية والوقوف إلى جانبهم جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
وبعد الاجتياح الإسرائيلي المُدمر لمدينة جنين عام 2002، أرسلت القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي محطة علاجية أخرى إلى هذه المدينة لتقديم المساندة الطبية والعلاج الطبي اللازم للجرحى والمصابين، لتكون بصمة أردنية طبية مميزة شاهدة على عمق ومتانة الأخوة بين الشعبين الشقيقين.
وبتوجيهات من جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، أُرسل المستشفى الميداني الأردني غزة/1 في كانون الثاني عام 2009 واستمر 15 عاماً، استقبل خلال هذه المدة نحو مليوني مراجع من الأشقاء في قطاع غزة، وكان أول مستشفى عربي يصل إلى القطاع.
وبعد السابع من تشرين الأول العام الماضي وخروج مستشفيات قطاع غزة عن العمل، واصل الأردن دعمه المستمر لأبناء الشعب الفلسطيني وقام بإرسال المستشفى الميداني الأردني الخاص/2 إلى مدينة خان يونس، واستمرارا لجود الأردن في دعم صمود الأشقاء الفلسطينيين، وتوسيع نطاق تقديم الخدمة الطبية تم إرسال المستشفى الميداني الأردني جنوب غزة/3 من أجل تقديم الخدمة والرعاية الطبية والإنسانية للأهل في قطاع غزة.
كما تم إرسال المستشفى الميداني الأردني جنوب غزة/ 4 في بداية تشرين الأول الحالي لأداء الواجب الإنساني والطبي في تقديم يد العون والمساعدة للأهل والأشقاء في القطاع، والتخفيف من آثار المعاناة الإنسانية في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية.
ويضم كادر المستشفى 116 من الفرق الطبية والتمريضية والإدارية في تخصصات الجراحة العامة وجراحة الشرايين والأعصاب، والصدر، والمسالك، والتجميل، والعظام، والأطفال، والوجه والفك، ورافقت الطواقم الطبية المتجهة لجنوب القطاع 36 شاحنة، حملت على متنها مساعدات طبية وعلاجية لرفد المستشفى الميداني.
ويشن الاحتلال الاسرائيلي منذ السابع من تشرين الثاني 2003 حربا بلا هوادة على قطاع غزة أودت بحياة أكثر من 40 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف مصاب معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال وألحقت دمارا كارثيا بكل البنى التحتية وتسببت بنقص حاد في الماء والغذاء.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ألقى جيش الاحتلال على مدن القطاع خلال 360 يوما نحو 85 ألف طن وارتكب نحو 3628 مجزرة أودت بحياة 42411 شهيدا ونحو 10 الآف مفقود تحت الأنقاض، و102375 جريحا، وشكل الأطفال والنساء 69 بالمئة من ضحايا العدوان، إضافة الى مليوني نازح، و16 ألف حالة اعتقال، وتدمير 360 ألف وحدة سكنية، ومسح جيش الاحتلال من السجل المدني الفلسطيني 902 عائلة فلسطينية بقتل جميع أفرادها، في حين لم ينج من 2600 أسرة سوى فرد واحد أو اثنين من كل أسرة.
واستهدف الاحتلال بالتدمير الممنهج كامل القطاعات الخدماتية الحكومية وغير الحكومية في جميع أنحاء القطاع وعلى رأسها قطاع التعليم، حَرَمَ أكثر من 650 ألف طالب وطالبة من الالتحاق بمدارسهم للعام الدراسي الثاني على التوالي بالإضافة إلى حرمان نحو 100 ألف طالب وطالبة جامعي.