الحروب ...

في الحقيقة لا ألوم احد في محاولة الوصول إلى الحقيقة ، والبحث عن التحليل لهذه الأحداث المتلاحقة التي تغرق المنطقة بسلسلة من الأحداث المتتابعة ، ويقف الحليم وغير الحليم فيها حيران . 

نعم هناك الكثير من المتغيرات والأحداث يوميا ، وهناك زخم كبير تتمنى فيه أن تنتهي امور وتحدث اخرى ولكنها امنيات ، وخاصة تلك المتعلقة بالمعاناة البشرية ، وهناك تجار حروب واعلامي حروب وتجار كراهية وحقد وعنصرية وتفرقة ، وكل واحد من هؤلاء يعزف لحنه ويخرج خبايا نفسه ، ولا يخفى على أحد حجم الكراهية التي يحدثها الظلم والإضطهاد في النفوس ، ولكن بين الحق المشروع في التعبير وهذا حق لكل انسان ، وبين ان يقع الإنسان فريسة لمشاعره السلبية ويكون سلاحا في يد عدوه يوجهه حيث يشاء وهنا لا حق له في إحداث فتن وقلاقل وكراهية  وشروخ حقيقية .

ما يقع به البعض من تأويلات مغرضة موجهة وتحمل طابع واحد برأيي هو التجيش تجاه مكونات الوطن ، واتهامها وشيطنتها ومحاولة شق الصف وخلق كانتونات قائمة على الحقد والعنصرية ، بدل تلك الكانتونات الجغرافية التي يمارسها الإحتلال .

وهنا تظهر النفس السوية من غيرها ، فالنفس السوية تبحث عن الحق والعذر وتجد للأخر مساحة هي تماما تلك المساحة التي يتحرك بها هو ، فلو نظر الواحد منّا إلى نفسه وفعله وانفعاله ، هل هو متسق تماما مع ما يطالب الأخرين به ، هل هو قائم على التضحية بالأوقات والأموال والجهود وحتى بالمنزل والمركبة والحياة الرغيدة التي يحياها ، أم هو يقدم فضل وقت ووجهد ومال ولا يسمح لأحد بالمساس بالكماليات التي يعيش فيها هو ، وهو في المقابل يُخون ويتهم ويشيطن من يحاول أن يحمي وطن ومكتسابته وأمنه ، ورأينا جميعا ما حدث لمن يورد موطنه تلك الموارد التي لا يقدر على تحملها  . 

ولا يجب بحال  ان نصل في هذه المرحلة إلى تلك المشاعر والنفسيات التي يسعى الإحتلال إلى ان نصل إليها ، هو يريدنا جماعات وفرق ويريد زرع التفرقة والعنصرية بيننا ، ألم يفعل ذلك الحاقد الذي غاظه تجمع المسلمين وألفتهم شاس في مجتمع الصحابة فعله وأرسل فيهم من يذكرهم يوم بعاث ونادى كل منادي منهم بفئته وعشيرته وطائفته وكادت تحدث الفتنة ، حتى خرج لهم رسول الله صل الله عليه وسلم مناديا أبدعوى الجاهلية وانا بين أظهركم بعد اذ هداكم الله وأكرمكم والف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا .

فعلا أنها دعوى منتنة يحرص البعض على اشعال نارها وتغذيتها حتى تصبح نارا تأكل الأخضر واليابس ، ديدن اليهود دائما هو العزف على الأوتار المشبوهة ، وزيادة الشروخ والجروح والعصبيات في كل مجتمع ، ولذلك لم يندمج اليهود في أي مجتمع عاشوا فيه ، بل كانوا دائما جماعة وظيفية منفصلة عن المجتمع ، يستغلها هذا وذاك لتحقيق اهدافه ، ويريد ان يخلق ويدعم ويغذي تلك المشاعر والتفرقة بينه وبينهم لانه يحيا على هذه الفرقة كما يذكر المسيري ، ويغذوا الكراهية والفرقة بين صفوف المجتمع الذي يعيشون فيه ، لذلك ثاروا عليهم في المانيا وبولندا وروسيا وافريقيا وامريكا اللاتنية .

وهم اليوم يحرصون على خلقها في فلسطين ، فهذا عرب 48 وليسوا فلسطينيوا 48 وهذا غزة وهذا الضفة وكل حزب بما لديهم فرحون ، وهكذا يشق بها ليس الوحدة الفلسطينية ولكن كل مكونات المجتمع الفلسطيني ، وللإسف يبدو أنه نجح في ذلك وإن كان بنسب متفاوتة ، وما يطفو على السطح من البعض هنا وفي الدول العربية هو دليل للإسف على عمق الشرخ الذي يحدثه الإحتلال في المجتمع الفلسطيني والعربي والمسلم ، ويحرص على بث مشاعر التفرقة والحقد والكراهية ويعزف على تلك الأوتار المشروخة في كل بقعة ويغذي نارها ويحرص على إستمرارها وما شاس منهم ببعيد ، وهذا ما يجب الإلتفات إليه وضرب اساسه وكل حاملي هذه الفكرة وعدم التهاون معهم ولا السماح لهم ببث سمومهم والترويج لأكاذيب عدوهم . 

في المقابل يقف المجتمع المقسم تقسيما عرقيا ، فهم ليسوا عرقا واحدا وان زعموا ، ولا دينيا واحدا فهم من مفاهيم دينية ومشارب مختلفة ويكادون يختلفون في الشعائر والطقوس والعبادات وفي كل شيء تقريبا كما وضح المسيري في موسوعته ، وجغرافيا وتاريخيا وثقافيا ولغة وعادات وتقاليد ، يقفون اليوم ظاهريا موقف رجل واحد ، فهم في الكيان يظهر انهم جميعا وقلوبهم شتى ، وما يجمعهم هي تلك المكاسب والإنتصارات التي يحققونها ، وما ان يحدث شرخ حقيقي حتى ينفضوا جميعا .

وهنا اقف مع مؤرخيهم هم الذين يقولون بأن معضلة الكيان بأن المواطن لا يتحمل وليس عنده استعداد لتحمل الخسائر ولا التضحية في سبيل قضية يبدو انه يدرك انها قضية مزعومة ، وهذا ما دفع هذا الشعب لإنتخاب ايهود باراك ليسقط النتن ياهو، لأن باراك وعدهم بالإنسحاب من لبنان في نهاية الالفية الثانية مع انهم حسب النتن نفسه كانوا ينتصرون مع قليل من الخسائر مقارنة مع عدوهم ، ولكن يبدو أن القوة كانت للإنتخابات .

ولذلك يخشى كل الرؤساء في الكيان من هذا المصير ، فهم يسعون لحروب سريعة وحاسمة ورادعة وتنهي كل امل في المقاومة وهكذا سقط شارون قبل ذلك ، والنتن ياهو في المرة الأولى ويبدو أنه يخشى اليوم من التوقف ، هل لأجل ذلك ؟ 

هل لهذا أراد حربا سريعة وحاسمة ورادعة في لبنان للخروج من مأزقه في غزة ربما ، ولكن ما يعد اليوم به منتخبيه هو نفسه ذلك الوعد المشؤوم الذي لا يريد ان يتحقق فلم تكن ولن تكون الحرب اليوم هي حربا سريعة وحاسمة ورادعة ، وما زال الجيش يعد منذ قديم الزمان بنصر سريع في لبنان وليس مرة واحدة ولكن مرات عديدة ، كما وعد بنصر سريع في غزة ، فهل هي عقدة الجنرالات أم غياب القيادات ، ام هو ذلك العقد الثامن المشؤوم الذي يبدو أنه يلازمهم منذ اخر نصر سريع في 68 ، وبعدها ولى زمن ذلك النصر السريع الذي لم يحصل إلى الان . 

هذا ما نرجوه من الله والأيام قادمه وسنرى .
 
أبراهيم ابو حويله ...