رحيل حزين عن ذكريات جميلة في الأنباط
خليل النظامي
قبيل مغادرتي لإكمال دراستي الدكتوراة في مصر، توشحتني حملة من المشاعر المختلطة بين الحزن والسعادة، حزن البعد عن صحيفتي وزملائي في الانباط، وسعادة إكمال مستقبلي.
سأفترق عنهم في الواقع، ولكنني باق كما بقاء أعمدتها الراسخة ،،،
فصحيفة الأنباط لم تكن فقط مؤسسة صحفية أعمل بها، بل كانت بيتًا دافئًا، وعائلة ثانية، وحاضنة للصداقات والذكريات التي سأحملها معي أينما ذهبت، فـ الرحيل صعب، لكنه يصعب أكثر عندما تترك خلفك أصدقاء، ذكريات، وتفاصيل يومية كانت تمنح حياتك نبضها الخاص.
لن أنسى دعم المدير العزيز الوفي حسين الجغبير، الذي كان دائمًا حاضرا، يقف إلى جانبنا في أصعب الأوقات، يقدم النصيحة والدعم بحب وصدق.
ابا عون لم يكن مجرد مدير لمؤسسة صحفية، بل كان أخًا وصديقًا، يشعر بكل فرد في فريقه، ويحرص على أن يشعر الجميع بأنهم جزء لا يتجزأ من هذه العائلة الكبيرة، فلم يكن يهتم فقط بالعمل، بل كان يهتم أيضًا بشؤوننا الشخصية، يحاول أن يخفف عنا الضغوط، ويقدم لنا الدعم المعنوي الذي كنا نحتاجه.
وكيف أنسى توجيهات أبا الحكم، الرجل الكبير الذي كان بمثابة الأب لنا جميعا في الصحيفة، الذي كان دائمًا يحرص على تقديم نصائحه لنا، يملك حكمة السنين وتجاربها، وكنت أحيانًا أجد نفسي مذهولًا من عمق ما يقوله، فتعليماته كانت دائمًا تأتي في الوقت المناسب، وكانت تساعدنا في تخطي الأزمات والتحديات التي كنا نواجهها يوميًا، ورغم كثرة المسؤوليات وضغوط العمل، كان أبا الحكم يحرص دائمًا على أن يكون صوته هادئًا، لكن كلماته كانت تصل إلى أعماق قلوبنا، وتمنحنا القوة للاستمرار.
ولم تكن علاقتي مع الزملاء في الأنباط مجرد زمالة تقليدية، فقد كنا أسرة حقيقية، وهذا ما جعل حتى مشاكلنا تبدو جميلة، ما زلت أتذكر خلافاتي مع الكادر التحريري (جمانة ورواد وميناس وعمر وليث وايه وشذى ورزان وكارمن ويارا) وزناختي التي كنت ارميها على كادر التصوير والمونتاج ( رجائي ومحمود ورصرص وشاهين وجاد) ومع زملائي في مكاتب المفرق والعقبة واربد، علاوة على خلافاتي مع المخرجين (سليم وإياد ودوجان)، ومع (فيصل وفايز الجغبير) تلك النقاشات الحامية التي كنا نخوضها حول التفاصيل الصغيرة في تصميم الصفحات، فقد كنت أحيانًا أغضب، وأحيانًا يضحكون مني، لكن كل تلك المشاحنات كانت تحمل في طياتها احترامًا متبادلًا وحبًا للعمل، وكانت مشاكلنا جزءًا من الحماس، ومن روح الفريق الذي يسعى إلى الأفضل دائمًا.
أما فريقي المجنون صحفيا الذي لا يهدأ لن أنساه ما حييت، وستبقى ذكرياتي برفقته أجمل الذكريات، فمن الهادئة الاف الى المشاكسة داليا، ونينوى كثيرة الحركة، ستبقون ميعا في يومياتي مهما ابتعدت عنكم، وسأبقى لكم السند مهما تباعدت اقدارنا.
وكيف أنسى رسائل الأخ الحنون أبا فيصل الجغبير، التي ما زالت عالقة في هاتفي بهدف اسعادي واضحاكي، وكيف أنسى مشاكسات العزيز سعد الذي طالما كان الاخ والسند في كثير من المواضع.
وكيف أنسى قهوة منعم ؟ التي كانت أشبه بطقس صباحي مقدس في الأنباط، فما إن يدخل منعم إلى المطبخ حتى يتحول المكان إلى واحة من الراحة والاسترخاء، قبل أن تبدأ زحمة العمل وضغوطه، تلك القهوة لم تكن مجرد مشروب، بل كانت لحظة تجمعنا، نضحك، نتحدث، ونبدأ يومنا بنشاط وحيوية.
واحدة من أجمل الذكريات التي سأحملها معي هي لحظاتنا في المطبخ، عندما كنا نتجمع حول مائدة بسيطة لنتناول الطعام معًا، وربما لم تكن الوجبات شيئًا فخمًا، لكنها كانت مليئة بالحب والدفء، حيث كنا نضحك، نتحدث عن مشاكل العمل، وننسى للحظات الضغوط التي كانت تثقل كاهلنا. تلك اللحظات كانت تعني الكثير لي؛ كانت لحظات تعكس روح الأنباط الحقيقية، روح العائلة التي لا تتخلى عن بعضها.
وداعا لعائلتي الثانية،،،