إبراهيم أبو حويله يكتب : الخوف القاتل ...


لقد أخرجت الجماعات الدول عن مقاصدها ، وأخرجت الدول الأمة عن مقصدها ، وأصبح هذا حالنا ، نخاف من بعضنا ، ولا يأمن بعضنا بعضا ، وكل ما إتصل بالدين أو بعضه أصبح موضع تهمة وسؤال ، فأنحرف الفرد وإنحرفت الدول وإنحرفت الأمة عن مقصدها .

الهدف الأساسي للداعية اراه واضحا في الوقت الذي بدأت فيه الدعوة إلى الإسلام لم يكن سعي الرسول صل الله عليه وسلم إلى مال ولا ملك ولا قضاء ، كان سعيه "خلو بيني وبين الناس "، وفي قصة الوليد بن المغيرة التي يرويها إبن هشام وإبن كثير والتي عرض عليه فيها المال والملك والزواج والعلاج إن كان الذي به يستوجب العلاج ، ولكن رد النبي الصاعق كان آيات من القرآن الكريم من سورة فصلت تطلب تدبر وفهم هذا الكتاب العربي ، وتبين أن الرسول ما هو إلا بشير ونذير ملكف بتبليغ هذا الأمر لكم ، وإن إلهكم إله واحد يطب منكم الإستقامة وعمل الصالحات ، فإن أعرضتم فأنتم معرضون لصاعقة تصيبكم كما أصابت قوم عاد وثمود ، عندها وضع المغيرة يده على فم الرسول وقال كفى كفى .

نحن اليوم إلا من رحم ربي نزعم أننا دعاة ونحن في الحقيقة قضاة نصنف هذا وذاك ونقبل هذا ولا نقبل ذلك ، ونريد أن يكون الجميع صورة منّا لا صورة أخرى ولا فهم أخر ولا شيء أخر ، ونفعل كما فعلت أهل الملل السابقة ، نفسر آيات الله وفق فهم بعضنا وقدرتهم ونزعم أن هذا هو الحد النهائي وأن من خالفه فقد خالف دين الله .

لن تكون هناك جماعة قادرة على تحقيق أي هدف في الحياة إلا إذا كان هناك فرد يعرف تماما الفرق بين أن تكون فردا وأن تكون عضوا في جماعة ، ولن تقوم دولة تستطيع أن تحافظ على نفسها وأفرادها إلا إذا كان الجميع فيها أفرادا وقبائل وجماعات على قلب رجل واحد ، ولن تشكل مجموعة الدول أمة إلا إذا كان هناك أمر مشترك يجمعها ، ومجموعة من القيم توحدها ، وهذا ما تحظى به الدول الإسلامية جميعها فهي لديها أرضية مشتركة ولكن ينقصها شيء .

 ومن فارق هذه الجماعة أو تلك فقد فارق دين الله حسب فهمنا ، ونسعى للملك والجاه فهذه جماعة تريد الخلافة وتلك تريد السلطة وهذه تريد الطاعة المطلقة لولي أمرها عجبا لكم ، فرقتم الجمع وشتتم الشمل وجعلتم الحاكم يحارب الإسلام خوفا من تلك الجماعات التي تسعى إلى كرسيه ، وصنفتم البشر هذا إلى الجنة وذلك إلى النار وإن كان بشكل غير مباشر طبعا ولكنه مباشر .

هل نحن في الحقيقة من أضاع الدين بسعينا لهذه المفاهيم وحصر الدين في هذا الفهم الضيق أو ذلك ، هل حقا نتقبل الأخر والمخالف ، ونقول لمن ملكتهم أيدينا إذهبوا فإنتم الطلقاء ، هل حقا نسعى لفهم الدين بناء على مقاصده وعلى منهج منزله جل في علاه ، أم نريدها خلافة وحكما وملكا بصورة دينية ، وبالتالي سلطة تتحكم في حياة الناس ورقابهم وأموالهم وأعراضهم وفق فهمنا ورغباتنا ، بحيث أقتنع العامة أن بحث البعض هو عن عزة الدين وعودته إلى الحياة منهجا ، ولكن فعله في الحقيقة يساهم في محاربة الدين وعزله عن المجتمع كما شاهدنا في بعض مناطق التوتر ، وهنا أنا لا أتهم النيات ولكني أتهم التصرفات .
 
لقد خلقنا نزعة سلطوية إنتهازية بهذه الجماعات للأسف وأخرجنا مفهوم الدين عن حقيقته إلا من رحم ربي طبعا ، وهنا لا أقصد التصرفات الفردية ولكن منهج الأمة ودورها ، وبحيث أصبحت محاربة هذه الجماعات هي في الحقيقة محاربة للدين ، وحسب فهمي فإن هذه الجماعات هي سبب رئيسي فيما وصلنا إليه اليوم ، فقد صنفت وعزلت وحاكمت وجعلت هذا مقبول وذاك غير مقبول.

 فإنتقل الأمر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة للدين حسب مقاصده وفهم علمائه إلى تقبل هذه الجماعة أو تلك ، وانتقل فهم الدين إلى فهم هذه الجماعة أو تلك ، وأصبحت هي القائمة عليه وصاحبة الولاية فيه ، وخرجنا من عباءة الأمة والإجماع والعلم والدين إلى عباءة الجماعات وتصنيفاتها فضيعنا وأضعنا . 

وصرنا غثاء كغثاء السيل ، وأصبحنا قصعة تتداعى عليها الأمم ، وضاعت بيضتنا وأضعنا هيبتنا ، فلو تنازع الصحابة على السلطة لضاعوا وأضاعوا الدين في مولده ، ولو تنازعوا الفهم لضاعوا أيضا ولكنهم تقبلوا الخلاف وسعوا الى مصلحة الأمة، فكانت حكمة أن تتنازل عن السلطة لأجل الحفاظ على الأمة ، وتتجنب النزاع والإختلاف لتحافظ على الأمة وهذا ما حدث في الاعم الأغلب. 

فكان الدفع الحضاري لهؤلاء هو ما ساهم في أن تتجاوز هذه الأمة ألفا وأربعمائة عام ، وبعضها يحمل بعضا ، وعلماؤها يحملون همها ويجمعون شملها ، وأغلب حكامها يحرصون عليها ويحمون بيضتها ، ويلملمون ما تفرق من أمرها.

وهذا لا يخلو من تجاوزات ولكن في المجمل كان الأمر أقرب إلى الصواب ، وإلا لإندثرت هذه الأمة منذ زمن بعيد، وظل الأمر هكذا صعودا وهبوطا ، حتى بلينا بهذا الزمان بهذه الفئة التي ترى الفردانية منهجا والجماعة أمة ، فضاعت الدول وضاعت الأمة . 

والمخرج من هذا كما يرى أكثر من باحث هو في الحفاظ على الدول بشكلها الحالي ، وتصويب أمرها وما أنحرف من منهجها ، وإحياء مفهوم الأمة على أساس التعاون الإلزامي بين هذه الدول بصورة تحالف أو إتحاد أو غيره ، بحيث تتم مراعاة الأمة منهجا ومقصدا وبيضة ومصلحة ومراعاة مصالحها ومصالح أفرادها.

ويحفظ لها ثرواتها وحدودها ودينها ويحفظ دين الأمة وما ضعف من دولها ، وهذا ما نراه في حلف الأطلسي او الإتحاد الأوروبي مثلا ، وهو ليس فكرة بعيدة ولا مستحيلة .

وبعيدا عن هذا فإن طريق وحدة  الأمة في ظل هذه الظروف، لا يعدو كونه طريقا مستحيلا فضلا عن كونه قد يجر بلاء عظيما ، وما قامت به الجماعات التي تزعم أو تتصل أو تم تأسيسها بشبهة للإساءة للدين في مناطق التوتر أكبر شاهد على ذلك . 

لا بد لهذه الدول بصورتها الحالية أن تجد طريقا لإحياء مفهوم الأمة الإسلامية ، وإلا ستبقى هيبتها منزوعة وقرارها مجزوء وضعيف وقابل للسيطرة عليه ممن شكل إتحادات ودولا عظمى وجيوشا جرارة  .
 
 
إبراهيم أبو حويله ...