الدلالات والرؤى في رواية "كويت بغداد عمّان" لأسيد الحوتري
بقلم: مصطفى القرنه
عنوان رواية "كويت بغداد عمان" يحمل دلالات متعددة تعكس عمق الرواية وتفاصيلها المعقدة. يتجاوز العنوان كونه مجرد تسمية جغرافية، ليصبح جزءاً من بنية السرد والرؤية الأدبية للعمل.
دلالات العنوان:
الرحلة والتنوع الثقافي:
_ "كويت" و"بغداد" و"عمان" تمثل ثلاث مدن ذات تاريخ وثقافات متباينة ، يعكس العنوان التنوع الثقافي والجغرافي الذي تستعرضه الرواية، حيث يتنقل الباص بين هذه العواصم ليرسم صورة شاملة عن التحديات والآمال في كل واحدة منها.
البحث عن الهوية والانتماء:
- العنوان يشير إلى رحلة بحث عن الهوية والانتماء عبر المدن الثلاث. كل مدينة تعكس مرحلة مختلفة في حياة البطل وتفاصيل محددة من هويته الثقافية والاجتماعية. يمثل العنوان رحلة الذات في سعيها لفهم مكانها في العالم.
التحولات التاريخية والسياسية
- تمثل كل من الكويت وبغداد وعمان مراحل مختلفة من التحولات السياسية والاجتماعية في العالم العربي. يشير العنوان إلى التفاعل مع هذه التحولات، وكيف تؤثر على الشخصيات والأحداث في الرواية.
الذاكرة والتاريخ:
- العنوان يلمح إلى أهمية الذاكرة والتاريخ في بناء الرواية. كل مدينة تحمل عبء تاريخي وذكرياتي مختلف، وينعكس ذلك في تجربة البطل وتفاعلاته مع الأماكن التي يزورها.
الوحدة في التنوع؛
- بالرغم من التباين الكبير بين المدن الثلاث، فإن العنوان يشير إلى وحدة في التجربة الإنسانية. هذه الوحدة تتجلى من خلال تجارب البطل والتحديات المشتركة التي تواجهها الشخصيات عبر المدن المختلفة.
الرمزية:
- من خلال اختيار ثلاث مدن كبرى، يعكس العنوان رمزية الصراع والأمل الذي يعانيه البطل، ويحمل بعداً تأملياً في كيفية تأثير الأماكن على حياة الأفراد.
باختصار، يعكس عنوان "كويت بغداد عمان" تعددية وتجربة عميقة، تنقل القارئ من خلال الرحلة عبر الزمان والمكان، مستكشفة الروابط الإنسانية والرمزية بين هذه العواصم العربية.
في رواية "كويت بغداد عمان" للكاتب أسيد الحوتري، يلعب الباص القديم دوراً مركزياً في الرحلة التي تجمع بين ثلاث عواصم عربية، حيث يتنقل البطل عبر الزمن والمكان بطريقة تعكس تنوع التجارب والأحدا ث في كل مدينة .
دلالة الباص القديم:
-يمثل الباص القديم في الرواية رمزاً للتاريخ والجغرافيا في ذات الوقت، إذ يربط بين المدن الثلاث بأسلوب سردي يعكس تأملات الطفل الذي يحتضر في داخله. هذا الباص لا ينقل الركاب فحسب، بل يحمل معهم ذكريات الماضي وتأثيرات الحاضر، مما يجعله تجسيداً للرحلة النفسية والزمانية في الرواية.
إذن هو الباص القديم الذي سينقلنا بين هذه العواصم هو ذاته هذا الكتاب . وسنكون محكومين برؤيا هذا الطفل الذي يحتضر في داخل المؤلف والذي لا يزال يحيا على أرض الكويت والذي خرج مسرعا لا يعرف إلى أين يذهب وستكون حَوّلي هي أم البدايات وسنجد مع هذا الطفل إجابات لكثير من الأسئلة ولن يتسرب شيء إلى عالم النسيان من كل تلك الذكريات. وسيحكمنا التاريخ قبل الجغرافيا في هذه الرواية التي تتحسس مواضع الوجع في كل تلك العواصم التي جابتها . وقد نحاول أن نفض الاشتباك بين الرواية والسيرة الذاتية لنصل إلى حقيقة مفادها ان الحوتري استطاع الولوج إلى جنس أدبي فريد يجمع الأجناس الأدبية جميعها في هذه الرواية. باختصار كان الباص القديم ينقلنا بين ثلاث عواصم أثارت اعجابنا وحمل تاريخا طويلا كان شاهدا على العديد من الأحداث والتغيرات في هذه العواصم وحولها .في الكويت مر الباص في حولي والنقرة والمنصورية والقادسية وانطلق إلى الجابرية لكنه يفيق على طفولة سعيدة تشرق من بين تلك السطور التي اكتنفت روحه في حديثه عن الكويت. أما في بغداد فيمر الباص مسرعا يسكنه عدم اليقين مما حدث و يحدث، والواقع ان وجهات النظر متباينة نحو تلك الأحداث لكن الكاتب استطاع بحنكته الخروج من كثير من المطبات التي مر بها الباص وأيضا يحسب للمؤلف نظرته الشاملة للأحداث دون أن ينسى شيئا ودون أن ينحاز إلى وجهة نظر بعينها نظرا لوعورة المسالك وصعوبتها أما في عمان فقد رأى فيها المستقبل الواعد الذي يقترب أكثر من فلسطين التي لا ينساها ويفرد لها الكثير من السطور في هذه الرواية الجميلة التي أبدعها الحوتري بكثير من الوجع، وربما كانت الأبيات التي خطها الكاتب للشاعر الكبير محمود درويش تختصر ما
يمر به بطل الرواية من معاناة إلى الأن.
سجل انا عربي ورقم بطاقتي خمسون ألفا وأطفالي ثمانية
ويستمر الباص في سيره ويترك البطل في موقف بلا ركاب يتأمل الشارع إلى أين يمكن أن يوصله.
الكويت:
في الكويت، يمر الباص عبر مناطق مختلفة مثل حولي والنقرة والمنصورية والقادسية، حيث يتجلى التأثير العميق للطفولة والشعور بالحنين إلى الماضي. من خلال وصف الأماكن وتفاصيلها، يعكس الحوتري ذكريات البطل وتجربته الشخصية في هذه المدينة، مما يضفي طابعاً حميمياً على الرحلة.
في الرواية ، يتحول الباص القديم إلى أكثر من مجرد وسيلة نقل؛ إنه رفيق روحاني يجوب بين عواصم ثلاث، حاملاً معه سيرة حياة وأحلاماً مكسورة. ينطلق الباص من الكويت، حيث يمر عبر شوارع حولي والنقرة والمنصورية، ويسترجع بطل الرواية طفولته البعيدة التي تنبض بالحياة في تفاصيلها البسيطة. في هذه المرحلة، يتجلى الحنين إلى الماضي في كل ركن من أركان المدينة، وتبدو الكويت وكأنها لوحة مرسومة من الذكريات والأماكن التي تنبض بحياة البطل.
ثم ينطلق الباص إلى بغداد، حيث يسكنه شعور من عدم اليقين والتوتر. في بغداد، لا يكاد الباص يلمس الأرض حتى يتحول المشهد إلى أفق مليء بالأسئلة والتناقضات. تنعكس الصراعات والأزمات في نوافذ الباص، مما يضيف عمقاً لتجربة البطل ويشعر القارئ بوطأة الأحداث السياسية التي تتسارع في المدينة.
وفي عمان، حيث يواصل الباص رحلته، تبدأ الامور تتغير نحو التفاؤل. هنا، يرى البطل أفقاً جديداً وبارقة أمل تتلألأ في مستقبل يربط بين العواصم الثلاث. عمان تقدم للبطل ملاذاً يحتضن أحلامه وتطلعاته، ويرى فيها اقتراباً من فلسطين، التي لا يزال قلبه متعلقاً بها، معبراً عن هذا الارتباط بلمسات أدبية رقيقة.
تظل رحلة الباص، إذن، رحلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، تعكس بأمانة تجارب البطل وصراعاته وآماله. الباص يواصل سيره، متجولاً في شوارع الحياة، حاملاً معه كل ما هو عميق وجميل ومؤلم، ويترك البطل في النهاية، وحيداً، يتأمل الشوارع في صمت، متسائلاً إلى أين ستقوده الحياة القادمة.