كيف نوقف هجرة الريف إلى المدينة

د.أيوب أبودية
 
تعاني الدول النامية من مشكلات كبيرة تعوق التنمية المستدامة وتقف حاجزا دون تحسين جودة الحياة في المناطق الريفية، حيث يعاني سكان هذه المناطق من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، ومعوقات في الزراعة والتمويل، وضعف في البنى التحتية، وخاصة في ظل تبعات التغير المناخي، وذلك من حيث تفاوت شدة سقوط مياه الأمطار وزخمها وديمومتها، وارتفاع درجات الحرارة، وما إلى ذلك.
 
ويمكننا القول إن الطاقة الشمسية لتحلية المياه المالحة (مياه البحار والمياه الجوفية المسوس) هي إحدى الحلول المحتملة لمعالجة هذه القضايا، مما يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة. وفي هذا المقالة، سوف نناقش كيفية استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه المالحة، وأنماط تأثيرها على الهجرة إلى المدن، مع تقديم أمثلة من دول صحراوية من حول العالم.
 
ومن شأن الطاقة الشمسية أن توفر وسيلة فعالة لتحلية المياه المالحة من خلال إنتاج كهرباء منخفضة التكاليف في مناطق نائية. وباستخدام الكهرباء يمكن تسخير تقنيات مثل التناضح العكسي والتبخر في توفير مياه صالحة للشرب وللزراعة، مما سوف يحسّن من جودة الحياة في المناطق الريفية، وخاصة لمّا أصبح إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية شائعا، وغدت التكنولوجيا متاحة، وباتت أسعارها تنافس كافة مصادر الطاقة على الاطلاق.
 
وبناء عليه، توفر المياه المحلاة فرصة لتطوير الزراعة في المناطق الصحراوية، مما يمكن أن يعزز الإنتاج الزراعي ويزيد من فرص العمل في الريف، وبالتالي مما يقلل من الحاجة للهجرة إلى المدن، ويرفد الاقتصاد المحلي، ويزيد من الاعتماد على الذات، ويحقق الاستقلالية المنشودة، فضلا عن أن توسع الرقعة الخضراء يلطف من درجة حرارة الجو صيفا ويقلل من الأغبرة العالقة  في الهواء.
 
وتعدّ الطاقة الشمسية هي مصدر طاقة متجدد ونظيف، وبالتالي يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يسبب ظاهرة التغير المناخي بفعل إنتاج الغازات الدفيئة. وبناء عليه فإن التوسع في إنتاج الطاقة النظيفة يحد من الآثار البيئية السلبية المرتبطة بتحلية المياه بحرق مشتقات الوقود الأحفوري التقليدية.
 
وهناك مشاريع عربية ناضجة في هذا المضمار، منها في الأردن مشروع "الطاقة الشمسية لتحلية المياه" في منطقة البحر الأحمر. إذ يهدف المشروع إلى استخدام الطاقة الشمسية لتحلية مياه البحر الأحمر لتلبية احتياجات المياه في المناطق الريفية، فضلا عن خفض الاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة.
 
   وفي الإمارات العربية المتحدة هناك مشروع محطة "شعاع" للطاقة الشمسية لتحلية المياه. وتستخدم المحطة تقنيات الطاقة الشمسية لتحلية المياه المالحة من البحر، حيث ساعد المشروع في توفير مياه نقية للزراعة، مما قلل من الاعتماد على المياه الجوفية واستنزافها، وساهم في تحسين الظروف المعيشية في المناطق الريفية.
 
أما في المغرب فهناك برنامج "تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية" الذي يشتمل على إنشاء محطات لتحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية في المناطق الساحلية. وقد أدى البرنامج إلى زيادة إمدادات المياه في المناطق الريفية، مما ساعد في دعم الزراعة وتنمية المجتمعات الريفية، وبالتالي خفض أعداد الهجرة نحو المدن.
 
ومشروع "المياه المستدامة من الشمس" في مصر، والذي يركز على استخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه المالحة في المناطق الصحراوية بمصر، بما في ذلك تقنيات التحلية الشمسية المباشرة. وقد أدى المشروع إلى توفير مياه نقية للزراعة والشرب، مما ساعد على تحسين جودة الحياة في المناطق الريفية وتقليل الهجرة إلى المدن الكبرى.
 
وفي استراليا هناك مشروع "تحلية المياه بالطاقة الشمسية"، فعلى الرغم من أن أستراليا ليست دولة صحراوية تقليدية، فقد نفذت مشاريع تحلية باستخدام الطاقة الشمسية في مناطق نائية مثل أستراليا الغربية، حيث يتم استخدام الطاقة الشمسية لتحسين إمدادات المياه في المناطق النائية. وقد ساعدت المشاريع في توفير مياه صالحة للشرب والزراعة في المناطق النائية، مما قلل من الحاجة للهجرة إلى المدن الكبرى وخفض الضغط على البنى التحتية فيها.
 
إن مجمل هذه النماذج من المشاريع تمثل أمثلة ناجحة على كيفية استخدام الطاقة الشمسية لتحسين إمدادات المياه في المناطق الصحراوية والنائية، مما يسهم في تقليل الهجرة من الريف إلى المدينة، وتحقيق تنمية مستدامة في المناطق الريفية، وزيادة الانتاج القومي. وقد باتت هذه المشاريع واقعية  لأن تكاليف تركيب أنظمة الطاقة الشمسية انخفضت كثيرا، وتكلفة صيانتها الدورية لضمان تشغيلها بكفاءة عالية أضحت لا تذكر.
 
 ومع الوقت فإن التكنولوجيا المتقدمة باستمرار سوف تشجع الدول أكثر على الاستثمار فيها، فتطور تكنولوجيا الطاقة الشمسية من حيث زيادة كفاءة الألواح الشمسية وزيادة عمر خدمتها وخفض بصمتها الكربونية، يقلل من التكاليف ويزيد من فعالية التحلية وأثرها البيئي، الأمر الذي بات يشجع على تعاون المنظمات الدولية لتوفير التمويل والدعم الفني اللازم للدول الصحراوية النامية.
 
وبناء عليه، فإن استخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه المالحة، من البحار أو المياه الجوفية، يمكن أن يكون له تأثير كبير على خفض معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة في الدول الصحراوية. فمن خلال تحسين إمدادات المياه الصالحة للشرب وتعزيز الإنتاج الزراعي وتفيف الضغط على المياه الجوفية غير المتجددة، فإنه يمكن لهذه التقنية أن تسهم في تحسين جودة الحياة في المناطق الريفية، وتوفير الظروف الملائمة للعيش والعمل باستدامة، وخاصة فيما يتعلق بالأجيال القادمة. إذ تتطلب هذه المبادرات استثمارات في التكنولوجيا والشراكات الفعالة مع الدول المانحة لتحقيق نتائج مستدامة ومؤثرة، وذلك من حيث تحسين واقع الريف وخفض الضغط على المدن في الوقت نفسه .