إبراهيم أبو حويله يكتب :المعرفة المتساوية ..

المعرفة المتساوية ..

عندما يتخرج اجيال من المدارس يحملون نفس القدر من المعرفة ونفس القدر من العلوم والمهارات ، عندها من من هؤلاء سيحصل على الوظيفة ، ام ان الرقم الأقدم هو الذي سيحدد الكفاءة في هذه الحالة كما في العسكرية فالكل يحمل نفس الدرجة ، لذلك لا تحقق هذه المعرفة انسانا مؤهلا ، ولكنها تخلق عددا . 

عندما يتعرض الطلاب لنوع معين من الامتحانات وهذه الامتحانات مصممة لقياس نقاط معينة من الفهم او الحفظ ، ولكنها في الحقيقة لا تساهم ولا تصنع المهارة المطلوبة للتعامل مع المشاكل التي يواجهها الطالب في حياته ، من صناعة المهارة او البحث عن المعلومة او التطوير والبحث عن الافضل ، عندها يصبح الامتحان هدف بحد ذاته ، وعندها يجد الطالب والمعلم وسيلة للتغلب على هذا الامتحان سواء بدارسة نماذج معينة ، او حفظ معلومات معينة ، وبالتالي تجاوز الطالب الامتحان ولكنه لم يملك المهارة. 

اذا لقد صنعنا امية جديدة ، وهي ليست امية قراءة ولكن هذا النوع من الطلاب هو حافظ وليس بفاهم ، نعم هذا ما نواجهه في حياتنا ، نعم هناك طلاب كثر يتخرجون في مختلف التخصصات ولكنك في الحقيقة تبحث عن الطالب الفاهم فهل تجده . 

كما هي الفوضي تصنع نظاما ، نعم للأسف هذه النظرية تحظى بالاهتمام في بعض الدوائر العلمية ، نعم عندما يتعرض الإنسان لنفس الظروف ويحاكم وفق نفس المعرفة ، فانه سيسعى ليصنع الفارق بنفسه ، وهنا يكون للفوضى في الحياة الإجرائية والمناهجية أحيانا دور ايجابي في تفعيل الحافز الذاتي عند الإنسان .

ولكن هذا التحفيز لن يحقق نتيجة إلا في فئة معينة من العدد الاجمالي ، لأنه يفعل التحدي عند هذه الفئة بسبب ظروف معينة من فقر او حاجة نفسية للتميز أو غيره ، ولكن الحافز هنا كان سببه التحدي الذي تعرض له الإنسان ، وقد يمر الكثيرون في هذه الحياة دون ان يتعرض لذلك المحفز الذي يخرج قدراته ، ويصنع ذاته ويحرك فيه الرغبة لصناعة شيء ما ، وقد يكون السبب هو حافز ديني او نظرة اجتماعية او حتى علاقات انسانية .

اذا نحن نجحنا نظريا ولكننا في الحقيقة فشلنا في صناعة جيل يحمل اسباب نجاحه ، ونحن كنّا في عصر الصناعة مستهلكين ونحن اليوم في عصر المعرفة يبدو اننا ما زلنا مستهلكين ، فهل نستطيع ان نغير المعادلة . 

نحتاج إلى صناعة المهارات ، وصقل مهارات التفكير العليا في الطرفين ، ودفع المعلم ليكون حافز ومحفز وليس خائف او متوجس من التقنية والحداثة والمهارات التعليمية والعلمية الحديثة ، ويسعى ليوظف الوسائل الجديدة من ذكاء اصطناعي وامن سيبيراني وتخزين سحابي وغيره في مصلحة العملية التعليمية . 

ولذلك لا بد من فتح المجال للتعليم التفاعلي والتحليل والتقويم والابتكار، والنقد القائم على التقييم المتبادل بين طرفي العملية التعليمية ، وفتح المجال واسع للنقد البناء ، وعدم الخوف من طرح الاسئلة وان كانت تتجاوز حدودها احيانا ، ولا مانع من عدم امتلاك الأجوبة ، فمن منّا يملك كل الأجوبة ، ولكن الأسئلة تدفع العملية التعليمية والطالب إلى الأمام ، وتجعل الحافز موجودا .

وهنا يبقي الاستاذ الأصل في هذه العملية ولذلك لا بد من تأهيل الإستاذ حتى تنتقل العملية التعليمة من الجمود إلى الحركة الفاعلة التي تساهم في بناء الجيل ، بما تحمل من تحدي صناعة مفاهيم اخلاقية وما هو دور الأخلاق في بناء المجتمعات والأمم ، وحضارية لأن الإنخراط الحضاري وفهم الأبعاد التي تصنع مجتمع حضاري ومختلف عن مجتمع نامي أو شبه نائم ، هي في الحقيقة في الفهم والتعاطي مع الدور الأساسي للإنسان نفسه في المجتمع ، فهو فقط فهم وإلتزام وانتظام في مسيرة حضارية ، وانسانية بحيث يدرك تماما معنى القيم الإنسانية واثرها في البيئة والمحيط والعالم ، وأنها ليست شعارات رنانة ، ولكنها جملة من التصرفات وردود الأفعال واحترم الأخر وحريته ومجاله ، وهذا ما يعطيك أنت ذلك الهامش الذي تتحرك فيه ، عندها تصبح هذه القيم حياة بالنسبة لهذا الطالب.

عندها يدرك الطالب تماما معنى الإنخراط في بناء وطن ، وماذا تعني هذه العملية ، وكيف أن مساهمته هي مساهمة اساسية في نقل الوطن خطوات للامام ، وأنه ليس مجرد حجر في سد تقع على كاهلة كل تلك الأوزان من الحجارة الأخرى والماء خلف السد .

وللأسف لا بد من الإهتمام بالبعد المادي للعملية التعليمية ، وادراك اهميتها في تحقيق الهدف المنشود ، فلن يستطيع المعلم أن ينخرط في هذا الدور دون ان تكون حاجاته المادية محققة ، ولهذا وجود خلل في الجانب المادي يخلق خلل في العملية التعليمية ونجاح وكفاءة هذه العملية مرتبط تماما بتحقيق الكفاية المادية للمعلم .

بين بحثنا في الغرب عن الأسباب التي ساهمت في بناء حضارة وانتقالها من القرون الوسطى إلى عصر الصناعة وصناعة المعرفة ، فقدنا البوصلة فقد كان الاعجاب بكل شيء سبب في عدم تحقيق اي شيء على مستوى عالمنا العربي ، وعلى مستوى الدول النامية ، إلا تلك التي استطاعت ان تجد التوليفة التي تحقق فيها مفاهيمها الوطنية وتضيف ما صنعه الغرب من انجازات إلى هذا المفهوم ، فتحررت من ربقة التبعية المطلقة ، إلى الوطنية المنضبطة الساعية نحو الأفضل لتضيفة إلى ما لديها ، فحققت نتائج ممتازة ، وهذا ما حدث في اليابان وسنغافورة وماليزيا وغيرها . 

اما نحن فقد علقنا في ادارة التعليم واهملنا العملية التعليمية، وهذا كان له أثر كبير على كفاءة العلمية التعليمية ومخرجاتها ، وكيف نفكر ، وكيف نتعامل ، وكيف نتطور ، ونسينا أنه يجب ان تكون الأهداف واضحة ، ونسعى نحو هدف واحد هو بناء مواطن قادر على بناء وطن والمحافظة عليه وعلى منجازاته .

وان يكون هذا الخريج هو قيمة مضافة في المجتمع تعليميا واخلاقيا وحضاريا وانسانيا ، وليس مجرد طالب تخرج ويسعى لأن يكون موظفا في مكان ما يعطيه مكتب ومسمى وراتب ، ولكنه لا يحقق شيئا ولا يضيف شيئا في الحقيقة . 

مع الشكر  للدكتور ميلاد السبعلي على كثير من الأفكار  .

إبراهيم أبو حويله ...