الوضع الأخلاقي للسردية الصهيونية بين الحقيقة والوهم .. (1)

الوضع الأخلاقي للسردية الصهيونية بين الحقيقة والوهم .. (1)

د. عبدالرازق: عن أي أخلاق نتحدث حينما تكون السردية صهيونية المنشأ نازية الهوى
النعيمي: دولة قامت بفضل سرديات كاذبة مفضوحة وتستمر بها
د. نوراني: التوراتيون القدامى سرقوا رب الكنعانيين كما سرقوا ارض كنعان
العطعوط: "الوضع اللااخلاقي للسردية الصهيونية" الصيغة الصحيحة للسؤال
النوايسة: هرتزل انطلق من ايمانه بحتمية تأسيس دولة بالارجنتين او فلسطين
عوجان: الحركة الصهيونية نمت من رحم الاستعمار
ابو بندورة: السردية الصهيونية كرست اللاسامية.. الهولوكوست وعقدة الذنب
طه: السردية الصهيونية قامت منذ نشأتها على الاساطير

سليم النجار

لقد قامت الصهيونية وسط خلافات يهودية في الرأي وانقسام داخل اليهود حول قيمة المشروع الصهيوني وقيمة وإمكانية علاج مشاكل اليهود مع العالم من خلال الحركة الصهيونية وقد ثار جدل كبير حول الصهيونية منذ نشأتها وحتى الآن٠
بعد عام ١٩٤٨ أعلنت الصهيونية عن هدفها غير الأخلاقي بصراحة تامة فقد حددت هدفها في تفريغ فلسطين بالكامل من سكانها الفلسطنيين عن طريق طردهم بالقوة ونزع الملكيات وهدم المنازل وترويع المواطنين ودفعهم إلى ترك أرضهم وبهذا فالصهيونية سرقت وطنا بكامله وبقوة السلاح وقتلت وشردت النساء والأطفال٠
ما تقوم به "إسرائيل" الآن من حرب الأبادة على الشعب في غزة والضفة، هو امتداد غير أخلاقي منذ نشوء المشروع الصهيوني٠

كتّاب من الأردن وفلسطين أجابوا على هذا التساؤل، وكُلٍ حسب رؤيته.

د. نبيه عبد الرازق
 
اعتمدت الصهيونية على خلق وتلفيق وتلقين سردية محددة ضمن ما يتناسب مع أيديولوجيا الدولة المراد تحقيقها على أرض الواقع والتي تتطلب رواية يمكن من خلالها كسب دعم وتعاطف وتأييد الدول الأكثر نفوذا وسيطرة في القرار الدولي .. ان تلك السردية التي بنيت على الفكر الصهيوني اليهودي الاوروبي الامبريالي الاستعماري الاحلالي الغربي، التي تنقصها الحقائق حول السكان الأصليين الذين سكنوا الأرض قبل السيطرة الصهيونية عليها، والتي تخادع في شكل الثقافة الأصلية لساكني المنطقة قبلهم .. ان تلك السردية التي تقوم على محو المعرفة بالنسبة للأرض وملكيتها، ومحو الذاكرة والتذكر بعدم الخوض في أي موضوع أو فكرة أو ذكرى قد توحي بوجود حياة تسبق تواجدهم ، وكأن الأرض قبلهم كانت قاحلة غير مأهولة.
انهم يحاولون تزييف التاريخ ومحو الحقيقة الجاثمة فوق ضمائر الدول والحكومات، ليشكلوا ويفرضوا سرديتهم التي قامت لأجل أهداف تتمثل في حق تشكيل دولة يهودية صهيونية لجمع شتات اليهو د من مختلف الدول التي تضيق على وجودهم في أراضيها بسبب ما يثيرونه من نعرات ومشكلات تخلق اضطرابات عميقة داخل اي دولة يتمركزون بها، الأمر الذي استوجب استنهاض واستغلال الدافع الغربي للتخلص منهم، وتحويل فكرة ووهم الدولة الجامعة لهم الى حقيقة ذات بعد تاريخي وديني وأخلاقي للتجمع فيما أسموه بأرض الميعا د، فكانت فلسطين هي الارض التي تتناسب مع الظروف الدولية الداعمة لخلق دولتهم والتي في ذات الوقت تتوافق مع تطلعاتهم الفكرية والادعاء الرئيسي الذي بنوا كذبتهم عليه أنهم شعب الله المختار وان الارض المقدسة التي يعودون لأجل اقامة دولتهم عليها انما هي حق ووعد لهم من الرب.
بدأت السردية الصهيونية بنسج خيوطها التأملية والفلسفية مع بداية وضع الدعائم الأولى لفكر الحركة الصهيونية على يد معلمهم "ثيودور هرتزل" في المؤتمر الصهيوني العالمي الأول في بازل/سويسرا 1897 .فكانت هديته لهم بخلق هوية تجمع شتاتهم وتوحد إقامتهم في مجتمع يحميهم ويحفظ لهم تواجدهم في الأرض المقدسة.
وعلى الرغم من علمانية مؤسسي الصهيونية ومفكريها بل ان بعضهم كان ملحدا الا ان بناء السردية الصهيونية قام من خلال المنظور الديني التوراتي الذي يزعم حق اليهود التاريخي في الأرض الفلسطينية ويبشرهم باستعمار فلسطين، الأمر الذي يوجب عليهم طرد وتهجير السكان الأصليين باعتبارهم مرتزقة بلا هوية ولا حق لهم في التواجد وأنهم أعداء الله الواجب التخلص منهم لاحقاق الوعد الالهي لليهود بالعودة. لذا ركزت السردية الصهيونية على حجم الاضطهاد والطرد والتعذيب الذي تعرض له اليهود عبر التاريخ في مختلف المناطق الاوروبية، الأمر الذي برروا من خلاله حاجتهم الى وطن قومي يمارسون فيه حقهم في تقرير مصيرهم شأنهم بذلك شأن باقي الأمم والشعوب.
تضمنت السردية الصهيونية مبدأ أصيلا يقوم على هجرة اليهود المتلاحقة من مختلف مناطق اقامتهم باتجاه أرض فلسطين الجامعة لهم من الشتا ت باعتبار أنهم لن يكونوا في أمان حتى يعيشوا في دولة يهودية يتجمع فيها اليهود دون غيرهم . لذا قدّمتهم السردية الصهيونية على انهم العائدون الى ديا رهم، فكان الاستيطان الذي يشكل الفكرة او المسمى المرادف للاستعمار، هو الركيزة الأولى التي تجمعهم وتلملم شتاتهم، معتبرين أن بقاءهم في فلسطين هو حق أصيل وأن صراعهم مع السكان الأصليين هو صراع وجودي لتحقيق رغبة الرب ووعده لهم ، وليس صراع مع السكان الأصليين بسبب الاحتلال العسكري للارض الفلسطينية في حرب
1948 .
انها رواية تحتمل كل أوجه التبرير الديني والتاريخي والحضاري التي يعلنون من خلالها حاجة المنطقة اليهم باعتبارهم دعاة الديمقراطية وحماة حقوق الانسان وحملة العدالة والمساواة، في حين أنهم كان لهم القدرة على احداث الفوضى وشق الصفوف في المنطقة العربية للسيطرة على الموارد الطبيعية فيها وتركها الأضعف والاكثر تأخرا بين دول الشرق الأوسط.
لذلك حتى تستطيع ان تتعايش مع تلك الرواية السامة لا بدّ ان تكون جزء اصيلا من الكذبة المسماة المشروع الوطني الصهيوني لبقاء دولة "اسرائيل" التي اصبحت في وقتنا هذا 2024 رمزا للعنصرية وارتكاب الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم الانسانية في حق الشعب الفلسطيني الاصيل الذي يسبق وجوده احتلالهم واستعمارهم للارض. انهم يتعرون من السردية الكاذبة التي أثقلت بالزيف والتدليس وتزوير الحقائق والمحو المعرفي والتاريخي .
فعن أي وضع اخلاقي نتحدث حينما تكون السردية صهيونية المنشأ نازية الهوى !

وانهارت السردية الصهيونية اللاأخلاقية

بديعة النعيمي

تعتبر الحركة الصهيونية علمانية في أساسها. غير أن حاجتها إلى النبوءات والخرافات لتحقيق أهدافها في الاستيلاء على أرض فلسطين دفعتها إلى الكتب الدينية اليهودية. وأبرز هذه النبوءات، العودة إلى الأرض المقدسة التي تم ذكرها في أسفار التوراة المحرفة التي تمت كتابتها على أيدي حاخاماتهم.
وبغض النظر عن الغرابة من قيام الحركة الصهيونية في القرون الحديثة على أساس الكتب الدينية التي ترجع إلى عصور قديمة جدا، إلا انها اضطرت كما ذكرنا إلى استخدامها لتسويغ وتثبيت سردياتها اللاأخلاقية التي تدعي أحقية اليهود "شعب الله المختار" بأرض فلسطين. هذه الأرض "أرض الميعاد" التي وهبها لهم إلههم المزعوم "يهوه" بوعد غيبي.
ادعت السردية الصهيونية أن أرض فلسطين هي "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" زورا وبهتانا. وأعطيت لهم بوعد أرضي تمثل بوعد "بلفور". ومن الطبيعي أن دولة قامت بفضل سرديات كاذبة أن تستمر في استحداث سرديات جديدة كاذبة أيضا كلما احتاجت لذلك. وما أكثر ذلك النوع من السرديات الذي لجأت له دولة الاحتلال. وأبرزها ما أشاعته وروجت له بعد قيامها ١٩٤٨ حين اتهمت الفلسطينيين ببيع أراضيهم إلى الجمعيات اليهودية والبريطانية وأن من يبيع أرضه لا يحق له المطالبة بها.
كما روجت لسردية هروب الفلسطينيين وترك بيوتهم وأراضيهم لمجرد سماعهم إطلاق الأعيرة النارية، وأنكروا وقوع مئات المجازر التي وصلت حد الإبادة الجماعية وعمليات الاغتصاب والقتل الوحشي التي روعت سكان باقي القرى وليس أدل على ذلك ما حصل في قرية دير ياسين من مجازر وفظائع. وقد كذبت سرديتهم التي كشفتها مخططات آباء الصهيونية الأوائل الذين خططوا قبل إقامة دولتهم بسنوات بمخططاتهم الصهيونية التي لا تنحصر على فلسطين بل ستشمل أراض عربية أخرى تحت مسمى "إسرائيل الكبرى". وبهذا الشأن يقول "هيرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية في مذكراته "بضرورة الامتداد في قناة السويس ورفع شعار فلسطين داوود وسليمان" وحدد مساحتها بأنها تمتد من النيل إلى الفرات.
ولإثبات السردية التي تقول بأحقية اليهود بارض فلسطين سعت أدبيات علم الآثار في دولة الاحتلال إلى إثبات العلاقة المتينة بين القصة التوراتية والمعطيات الأثرية المحفوظة لأن إنجاح هذا الإثبات ينسجم مع مشروع أيديولوجي هو سياسي من الدرجة الأولى وبالتالي إثبات أن هناك مملكة هي "مملكة إسرائيل" كانت قد أقيمت على أرض فلسطين بعد الخروج من مصر.
وتدرك دولة الاحتلال أهمية السرد بالنسبة للجماهير التي تخضع بطرق مباشرة أو غير مباشرة لما ترويه ،حيث يعطي هذا معنى وهوية ومضمونا لمحتوى السرد. وكل هذا يتم من خلال عمليات مدروسة.
وتستخدم هذه الدولة السردية كسلاح ضد الآخر. حيث أنه من المعروف بأن من الوظائف التي تؤديها السرديات، كتابة الصراعات بين الشعوب. وأن صاحب السردية الأقوى هو المنتصر.
واليوم في حربها على غزة كانت دولة الاحتلال قد دخلت الحرب من سردية طالما استغلت الترويج لها لتحقيق مصالحها ألا وهي "الدفاع عن النفس" وتجنيب "هولوكست" جديد.
واستخدمت دولة الاحتلال هاتين السرديتين مرات كثيرة. ففي ١٩٦٧ قامت بتنفيذ ضربة استباقية لمصر والأردن وسوريا متذرعة بأن هذه الدول تنوي القضاء عليها. مع العلم أن الحقيقة تقول غير هذا الكلام. لأن هذه الدولة كان قادتها يخططون من قبل سنوات افتعال مثل هذه الحرب بهدف التوسع واحتلال أراض عربية أخرى استكمالا لمشروعها الصهيوني الذي خطط له آباء الصهيونية وإقامة "إسرائيل الكبرى". وقد صنعت منذ ٧/أكتوبر سرديات ملفقة بهدف تغيير واقعها المرير في ميدان القتال.
ومنها ما ادعته بأن المقاومة الفلسطينية يوم ٧/أكتوبر ارتكبت مجزرة عندما اقتحمت مستوطنات الغلاف وقتلت أكثر من ١٢٠٠ مستوطن، كما قطعت رؤوس الأطفال واغتصبت النساء. وقد روجت لهذه السردية الكاذبة بهدف تأليب العالم على المقاومة وشيطنتها وفي المقابل كسب الراي العام العالمي. وقد كذّبت الصحف العبرية هذا الخبر فيما بعد حين صرحت بأن "الجيش الإسرائيلي" هو من قام بقصف مواطنيه ظنا منه أنهم عناصر من المقاومة. كما اتضح بأن قصة مقطوعي الرؤوس مفبركة عبر الذكاء الاصطناعي وانهارت هذه السردية أمام السردية الحقيقية.
وارتكبت محرقة رفح بتاريخ ٢٦/٥/٢٠٢٤ حيث ارتقى عشرات الشهداء على إثرها وقد روجت لسردية باتت مفضوحة وهي أن خيام النازحين تحوي عناصر من المقاومة.
هذا هو الجيش الصهيوني اللاأخلاقي الذي ارتكب ولا زال يرتكب الفظائع والجرائم بحق الشعب الفلسطيني واليوم يرتكب الإبادة الجماعية بحق أهلنا في قطاع غزة في محاولة لتهجيره قسرا وتحقيق مصالح توسعية ومخططات شيطانية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة بجنودها وعتادها ومرتزقة العالم. غير أن غزة أنهت السردية الصهيونية اللاأخلاقية وانكشف وجهها القبيح أمام شعوب العالم الغربي.

السردية الصهيونية
د. حسن ميّ النوراني

قال رئيس الولايات الأمريكية المتحدة جو بايدن في محادثة هاتفية مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو جرت بينهما مؤخرا:
"بدون إسرائيل لا يوجد أمن لليهود في العالم"!. بذلك، بايدن ومن قلب رؤية صهيونية مسيحية، يلقي ضوءا على المنطقة السوداء في الوعي الصهيوني العقيدي والأخلاقي الموجه للسلوك الوحشي العدواني الذي تفضحه همجية جيش إسرائيل ضد مواطني غزة في حرب إبادة جماعية بشعة دمرت حياة شعب وقتلت من مسالمين ما يدنو من أربعين ألفا قابلين للزيادة اليومية، فضلا عن ما يزيد عن عشرة آلاف مفقود لا يزالون تحت الأنقاض التي آلت غزة إليها! يضاف إلى ذلك ما يدنو من تسعين ألف معاق وجريح!
تكشف وحشية الجيش الإسرائيلي الضارية ضد مواطني قطاع غزة ومقومات حياتهم، عن عقدة خوف مظلمة وضيقة وواهمة ومغلقة عدوانية عنصرية غاصبة قاتلة نافية للغير، تسكن وتحرك السلوك الإسرائيلي الذي تغذيه أفكار الصهيونية بوجهيها السياسي والديني العدوانيين!
بدأت الحركة الصهيونية السياسية الحديثة، ببعدها العقيدي المسكون بعقدة الخوف التاريخية، بدأت من ارتداد الصحفي النمساوي المجري ثيودور هرتزل (2 مايو 1860– 3 يوليو 1904) عن علمانيته وخروجه على اليهودية كدين وجماعة، الذي أدى إلى انخراطه في مشكلة قومه الأمنية ذات الجذور العقيدية، ما ساقه إلى تبني الدعوة لتشكيل الحركة الصهيونية الحديثة، وعقد مؤتمرها الأول عام 1987 الذي شكل حجر الزاوية في تأسيس دولة إسرائيل!
كانت محاكمة الضابط الفرنسي اليهودي الديانة ألفريد دريفوس في باريس عام 1984، بتهمة الخيانة الوطنية، شرارة قدحت خوف اليهود القديم من الغير، وأعادت هرتزل إلى جماعته الدينية وتاريخها وتشوقها لاستعادة بناء دولتها القديمة، بزعمها، في أرض الميعاد؛ كما توهم بذلك السردية الدينيةّ التوراتية!
تحت قيادة هرتزل، رفضت الصهيونية السياسية والدينية، كل المقترحات المطروحة حينها، لحل مشكلة الخوف اليهودي من الغير أو الغوييم كما يسميهم كتاب العهد القديم اليهودي، وأصرت على الخيار الفلسطيني، أيدتها سياسات أوروبية أمريكية خاصة سياسة بريطانيا، التي تبنت الفكرة الصهيونية، كمشروع داعم لأطماعها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط!
استغلت الحركة الصهيونية أفكار ومشاعر اليهود الدينية التي تربطهم بفلسطين، ونفخت في بوق الخوف اليهودي من الغير، واستحيت العداء لهم والاستعلاء عليهم، وتشريع تدميرهم بلا شفقة وبلا حد، واغتصاب حقوقهم وسلب أمنهم، ووجهت ذلك نحو مواطني فلسطين، الذين يشكلون الامتداد التاريخي المادي للكنعانيين، أعداء اليهود القدامى والمعاصرين، أصحاب الحق الشرعي في أرض كنعان، المشهورة الآن باسم فلسطين.
وفقا للسردية العبرية التوراتية، بدأ وجود اليهود في ارض كنعان المسماة حاليا فلسطين، منذ هجرة النبي ابراهيم إليها قبل ما ينيف عن أربعة آلاف عام؛ لكن دارسي الآثار ينفون ما دوّنه مؤلفو كتاب اليهود المقدس.
يزعم اليهود المعاصرون أنهم سليلو الإسرائيليين القدامى أحفاد إبراهيم من ابنه اسحاق ابن سارّة، الذين نزحوا من أرض كنعان، تحت ضغط مجاعة، إلى مصر، حيث مكثوا 400 عاما قبل أن يفروا منها تحت قيادة موسى متجهين إلى أرض كنعان مرة أخرى، مستندين إلى ما يزعموه من أن إلاهم يهوه منحها لهم مع اختيارهم شعبه المختار! يهوه إلاه طوره الخيال الديني التوراتي من إلاه الكنعانيين المسمى إيل؛ يتكون اسم دولة إسرائيل المعاصرة من مقطعين إحداهما إيل!
سرق التوراتيون القدامى ربّ الكنعانيين الأعظم إيل، كما سرقوا أرض كنعان من أصحابها الشرعيين!
في الماضي، غزا التوراتيون بقيادة نبيهم يشوع أرض كنعان بوحشية غاصبة قاتلة همجية عنصرية نافية للغير، مدونة في كتابهم المقدس!
يزعم جيش إسرائيل المعاصرة أنه أفضل جيوش العالم أخلاقيا! بهذه الأفضلية المزعومة، تعيد قيادة إسرائيل وحشية يشوع التي تسوغها وتحث عليها السردية التوراتية الصهيونية؛ ويدافع عنها بايدن وسواه، كما يدافعون عما يصفوه بأنه حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وينكرون حقنا نحن الكنعانيين في حريتنا وأمننا في وطننا!

الوضع الأخلاقي للسردية الصهيونية
سامية العطعوط

إن الحديث عن السردية الصّهْيُونِيَّة، يتطلب ‏في البدء تعريف (الصهيونية)، التي هي باختصار حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، ترفض اندماج اليهود في المجتمعات التي عاشوا وعانوا فيها من معاداة السامية والاضطهاد، ودعتهم للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد.
منذ تلك الفترة، مرّت السردية الصهيونية ببعض التغيّرات والتحولات الطفيفة، ولكنّ الفكرة الأساس (رفض الاندماج) التي نشأت عليها الحركة، لم تنته مع احتلال فلسطين، بل تجذّرت بشكل واضح من خلال بناء الكيبوتسات والمستوطنات التي تعزز انفصال اليهود المهاجرين عن المجتمع الفلسطيني والمجتمعات المحلية. وكانت الحركة الصهيونية المحرك والمنظم والممول لهجرات اليهود إلى فلسطين، من شتى أنحاء العالم.
ومع اغتصاب فلسطين خلال عقود وإعلان انشاء دولة اسرائيل في عام 1948، ثم احتلال ما تبقى من أراض فلسطينية في 1967، ولكن الانفتاح الذي تم بين جميع مناطق الأراضي الفلسطينية، والعلاقة بين المحتل والمحتل، أدى إلى تراجع نشاط الحركة وأهميتها خلال عقدي السبعينات وبداية الثمانينات.
ومع ظهور الدولة الإسلامية في إيران، والانتفاضة الأولى والثانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدأت الحركات الدينية بالظهور والانتشار في الكيان الصهيوني، وتحوّلت خلال سنوات من حركات دينية ضعيفة إلى قوى سياسية متشدّدة ومؤثرة، تحمل شعار نفي الآخر الى الجحيم، وتؤسس خطابها على سردية دينية وصهيونية متشدّدة.

وبالتالي، فإن مناقشة الوضع الأخلاقي للسردية الصهيونية، يعني تفحص خطابها وآثاره وأثره على المجتمعات ذات العلاقة، المجتمعات التي تقع تحت تأثير خطابها، الذي يتضمن بشكل مباشر أو غير مباشر الخطاب الديني التوراتي:
•أن اليهود شعب الله المختار الذي تعرض للشتات والمجازر وعانى من الظلم واللاعدالة البشرية
•خلق الشعور بالذنب لدى أوروبا وأنها مسؤولة مسؤولية أخلاقية وسياسية عن معاناة اليهود عبر القرون.
•عدم اندماج اليهود مع المجتمعات الأوروبية أو المجتمعات في فلسطين، لتكريس هوية خاصة.
•أن فلسطين الأرض الموعودة للشعب اليهودي.
•أن قيام دولة اسرائيل مسألة حتيمة للسيطرة على المناطق الواردة في التوراة.
•أن لليهود الحقّ في قتل وذبح وتدمير كل ما يقف في طريقهم من بشر وحيوانات وجماد، لإقامة اسرائيل الكبرى.

وما نتج عن هذا الخطاب على المستوى الدولي إقرار قانون معاداة السامية، أي مصادرة حرية الرأي والرأي الآخر تحت هذا البند والتعرض للعقوبات،
وثانياً دعم الكيان الصهيوني بجميع ممارساته ومواقفه دولياً ومحلياً ومنها ممارساته الوحشية ضد الفلسطينيين من اغتصاب للأراضي وبناء المستوطنات والسجن والقتل ومجازره السابقة التي ارتكبها، وأخيراً الإبادة الجماعية في غزة.

وأعتقد أن السؤال كان يُفترض أن يكون بصيغة معكوسة (الوضع اللاأخلاقي للسردية الصهيونية)، لأن هذه السردية نشأت على أكذوبة كبرى منذ الأساس وهي أن فلسطين أرض الميعاد لليهود، وأنها عملت على تغذية ثقافة الاستعلاء العنصري على الفلسطينيين ونشرها لدى ومن قِبل الأنتلجنسيا اليهودية في أوروبا وفلسطين، والتي ظهرت جليّة في كتابات عدد من المفكّرين اليهود، كما في المقالة التي نشرها المؤرخ الصهيوني (يوسف كلاوزنر) عام 1907 ويحذّر فيها من الاندماج الثقافي مع الفلسطينيين قائلاً:"إن السادة يجب ألا يندمجوا مع عناصر منحطة حضارياً، وانه يجب الفصل التام بين اليهود والعرب." وهذه مسألة لا أخلاقية وتضع البشر في مراتب حسب العرق أو اللون أو الجنس، وللمفارقة فإن هذا ما عانى منه يهود أوروبا من قبل الحركة النازية التي وضعتهم في مرتبة دنيا بين البشر.
ولعلّ ما يحدث في فلسطين الآن وفي غزة تحديداً من مذابح وقتل وتدمير عشوائي وإبادة جماعية، يؤكد على نفي إنسانية السردية الصهيونية التي تنزع صفة البشر عن الفلسطينيين وتصفهم بالحيوانات كما في خطاب المسؤولين الإسرائيليين الصهاينة، وانتشارها بعد 7 أكتوبر.
وبالتالي، فإن الوضع الأخلاقي للسردية الصهيونية، يبدو لا أخلاقيا، فالأخلاقية هي علم الخير والشر، وتتعلق بالسلوك البشري والأعراف والعادات وقواعد السلوك المقبولة والممارسه من قبل المجتمع أو المؤسسات أو الحكومات ومراكز القوى بقدر ما يكون موضوعه/ا الخير. والسردية التي تمنح حق إبادة مجموعة بشرية لصالح أخرى (سواء بحق أو بدون حق) والتي تمنح تفوقاً لعرق على آخر، هي سردية لا إنسانية أساساً ولا أخلاقية ثانياً، وتتسم بالعنصرية الشوفينية ثالثاً. وترتدي خطاب حمَل مظلوم ومضطهد يبجث عن العدالة بين شعوب العالم، في حين أنه لا يقيم وزناً للعدالة الإنسانية.
ومع الأسف، ان السردية الصهيونية انتشرت، وتبارى زعماء العالم لإعلان صهيونيتهم على الأشهاد دون أن يقيموا وزناً لسرديتها الأكذوبة وأخلاقياتها وممارساتها اللاإنسانية التي تجعل العالم يقف على قدم واحدة، ولكن السردية الفلسطينية في طريقها للتمركز والتوسع والانتشار في العالم، كسردية إنسانية تحررية ومضادة لها.

اليهودي بين المظلومية والمعصومية في الرواية الغربية
بقلم: نايف النوايسة

ما يتوجب علينا ملاحظته عند قراءة البدايات الأولى للمشروع الصهيوني هو أنه بدأ من ارهاصات أدبية كُتبت في بلاد الغرب، وبخاصة (الرواية)، حتى أن هرتزل نفسه بوصفه كاتباً أدلى بدلوه في تشكّل المشروع بكتابات أدبية مثل الرواية ولكنها اقرب إلى الصحافة، وذلك قبل دعوته لعقد مؤتمر بازل في سويسرا 1897 لإقامة وطن قومي لليهود.
ينطلق هرتزل من إيمانه المطلق بحتمية تأسيس دولة يهودية إما في الأرجنتين أو في فلسطين ويقول: دعوني أكرر مرة أخرى كلماتي الأولى: اليهود الذين يريدون دولة سيحصلون عليها، سنعيش أخيراً كرجال أحرار في أرضنا، وسنموت بسلام في بيوتنا، وسيتحرر العالم بحريتنا، ويثرى بثروتنا، ويكبر بعظمتنا، وكل ما نحاول تحقيقه من أجل رفاهنا سوف يستجيب قوة وبشكل مفيد للإنسانية.. المنطلق هنا هو الاحساس بالظلم والشوق للحرية، ثم إظهار المبدأ اليهودي الثابت وهو( المعصومية أو المختارية)، لقد جمع هرتزل المنطلق والمآل في آن واحد.
حمل أحد شوارع تل أبيب اسم (جورج إليوت) وهو الاسم المستعار للروائية البريطانية (ماري إيفانس) مؤلفة رواية (دانييل ديروندا) التي ناصرت فيها اليهود بشدة وطالبت بقوة ليكون لهم دولة.
فما هي هذه الرواية: نجد في هذه الرواية أن بطلها دانييل عاش حياة مضطربة في بريطانيا على زعم أنه انجليزي وكان على علاقة مع فتاة اسمها جنديلين، ثم مع الفتاة اليهودية ميرا التي أنقذها من الغرق واقترب من هوجو الذي ادعى بأن دانييل هو ابنه غير الشرعي، كما اقترب من خاير اليهودي الذي يسعى إلى تأسيس كيان لليهود وطلب منه ليكون تابعاً له.. فهم دانييل من هوغو بأن أمه في إيطاليا فذهب لإيطاليا باحثاً عن أمه، فيلتقي هناك بجنديلين وميرا ومن خلالهما توصل لأمه المغنية في إحدى فرق المسرح، وعرف أنها يهودية وعاشت حياة صعبة غارقة في الذل والظلم وأن والده يهودي، فقرر دانييل الزواج بميرا اليهودية والسفر وإياها إلى الشرق من أجل رفع الظلم عن اليهود..
هذه الرواية المتخيلة في بلدة متخيلة كُتبت في العقد السابع من القرن التاسع العاشر، ودعت إلى تأسيس دولة لليهود كي ترفع الظلم عنهم ويعيشوا بحرية وكرامة.
أما بنجامين دزرائيلي رئيس سابق لوزراء بريطانيا فهو كاتب وروائي يهودي سعى في كل ما كتب ليكون لليهود دولة وكيان، وقامت رؤبته على أن اليهودي معصوم لا مظلوم ولا يخطئ وهو مختار من الرب ليحكم بين الناس ويحقق العدالة والصلاح والأخلاق، ويرى أن كل الخلائق هم أدنى مرتبة من اليهود، وبرفضه قضية المظلومية التي يراها البعض مصاحبة لليهود يفضي بنا إلى مسألة معاداة السامية التي يتحجج بها اليهود ضد من يقول لهم (لا)..
اليهود إشكالية كونية منذ عُرفوا وهم أيضاً مشكلة الحاضر وأزمته وتأزمه المستمر وفق ما تصوره لنا الرواية وأي رواية لها علاقة باليهود على مستوى العالم.
 

السردية الصهيونية نسيج ثقافي سياسي مركّب
كفاية عبد القادر عوجان

تقوم السردية الصهيونية على مرجعية سياسة وثقافية، وعزَّزت خطابها في اتجاهين؛ الأول توجّهت به نحو المجتمع الإسرائيلي يقوم على ثقافة تلمودية بأنَّ الشعب اليهودي شعب الله المختار، قدَّمت فيه للمجتمع الإسرائيلي نماذج بطولية لطالوت اليهودي في مواجهة جالوت الكنعاني، لتعزيز الثقة بالذات وبعث مكامن القوة، بعد أن مزجت التاريخ العبري القديم بتاريخ الحركة الصهيونية ليكونا تاريخاً واحداً. وذلك وهو ما عزَّز مشروع بناء الدولة اليهودية على أرض فلسطين بوصفها أرض الميعاد التي وهبها الرَّب لهم بصفتهم "شعب الله المختار”، وتحريرهم من البؤس والمعاناة وحياة الغيتو التي لازمتهم طوال العصور التاريخية.
أما المحو الثاني الذي تعمل فيه السردية الصهيونية فهو العالم الغربي، فقد استثمر اليهود أجواء حركة الإصلاح الديني لتعزيز وجود نخب ثقافية تساند الأفكار المتهوِّدة، وخاصة المذاهب البروتستانية والكالفينية والإنجيليين والبيوريتانيين الذين عرفوا باسم "المسيحيين المتهودين" أو "الصهاينة المسيحيين"، وهو ما أوجد نسيجاً ثقافياً لاهوتياً يفوق في تأثيره الانحياز الاستراتيجي، وتكرس في الوجدان الغربي العالمي مقولات تتبناها شخصيات عالمية لها حضورها العلمي والأدبي والسياسي، امتدت تأثيراتها إلى الثقافة العربية على مستوى الجماهير والنخب الثقافية والسياسية، أمثال جون لوك وإسحق نيوتن صاحب قانون الجاذبية، وجون جاك روسو صاحب العقد الاجتماعي، وجون ملتون صاحب قصيدة "الفردوس المستعاد، وجورج إليوت صاحب الرواية المشهورة "دانيال ديروندا " التي وصفت بأنها تجسد المسيحية الصهيونية في الأدب الاوروبي في وقتها، كما يشير لورنس أوليفانت في كتابه الصادر عام 1880 بعنوان "أرض جلعاد" والذي ضمَّنه العديد من الأفكار والآراء السائدة في أواخر القرن التاسع عشر في العديد من الدول الغربية ليس عن "الحق التاريخي” لليهود في فلسطين وما جاورها فحسب، وإنما أيضاً حول ما يتعلق بالعرب جميعاً من أنهم يتصفون بـ "الهمجية والوحشية" ولا يستحقون أي معاملة إنسانية، فهم يتحملون مسؤولية الخراب والدمار الذي لحق بفلسطين، وهم السبب في تدني مستواها وانحطاطها إلى هذا الحد. ودعا أوليفانت كغيره من مفكري عصره المتهودين إلى تهجير أكبر عدد من عرب فلسطين خارج وطنهم، ووضع من يتبقى منهم في غيتوات كتلك التي كان يعيش فيها غالبية اليهود في أوروبا أو في معسكرات كتلك التي أقامها المستوطنون الغربيون للهنود الحمر.
كما كرست السردية الصهيونية عدداً من السرديات، كالسردية الدينية، واللاسامية، والهلو كوست وعقد الذنب، واستثمرت السردية الاشتراكية لصالح يهود أوروبا الشرقية، ولجأت إلى التوظيف البرغماتي لكل القوى الاستعمارية. وهذه السرديات تعمل وفق استراتيجية مجتمعة تعزز إحداها الأخرى، وتم استثمار وسائل الإعلام، ومؤسسات صناعة الفن، والنخب السياسية والثقافية، لتكريس السردية الصهيونية.
فقد وجدت السردية الصهيونية في ظاهرة العداء للسامية تربة خصبة لتحريك الجماهير اليهودية نحو إقامة "وطن قومي" لها لأن كراهية اليهود فكرة موجودة منذ أقدم العصور وفي مختلف الأماكن. ولهذا وجدت السردية الصهيونية في عداء السامية مادة حيوية لاستغلالها، وساعدها في ذلك البرجوازية اليهودية والرأسمالية الغربية، وهو ما عزز انتماء اليهود الشرقيين للحركات الثورية والأحزاب اليسارية المناهضة للأنظمة الرأسمالية، لحماية البرجوازية اليهودية في مختلف الدول الغربية. إنَّ تحويل قضية تعرُّض اليهود للمحرقة أو الهولوكوست على يد النازيين إلى خطاب شعبي هو ما سهّل تقبل فكرة حقّهم في فلسطين لإقامة الدولة اليهودية، كما بات معروفاً في السياسة الغربية، بعد أن أصبحت الهولوكوست استراتيجية للدولة اليهودية لترسيخ "عقدة الذنب” في الضمير العالمي، لتقصيره في مدِّ العون لليهود لإنقاذهم من اضطهاد النازيين.

الوضع الأخلاقي للسردية الصهيونية
اسماعيل ابو البندورة

قامت السردية الصهيونية ومنذ نشأتها وبداياتها على الأساطير (المؤسسة لها – أرض الميعاد – الوطن القومي ..مظلومية أوروبا - الهولوكوست الخ) وعلى الاختلاقات والافتراءات التي حولتها من الوهم والهذاءات والخرافات الى سردية يمكن بها تظليل اليهود واستقطابهم حولها أولا والجزء المتطرف منهم والمغالي في عنصريته ودفعهم الى الاسهام في تحويل الأسطورة الى واقع فعلي أو كيان استيطاني احلالي، وبذلك كانت هذه السردية المتخيلة والمحرفة والمزورة للتاريخ وللوقائع الشاخصة على تضاد مع كل ماهو أخلاقي وكل ماينتسب الى الانسان والانسانية وأصبحت بهذه المثابة ايديولوجيا افنائية زائفة منافية للحقيقة والتاريخ وباعثة على الكراهية ..
وكان جوهر وكل بنيان هذه السردية يقوم على هذا الافتراء والاختلاق التاريخي والسياسي (وهو ما تم تفنيده واجلاء تهافته ومنافاته للحقيقة من قبل كتاب كبار ودراسات مضادة داخل الكيان النازي وخارجه) وأضحى من أحد اللزوميات الموضوعية والمنطقية والاقناعية لهذه السردية الأسطورية الافترائية أن تتوجه بخطابها هذا وحمولاته المتخيلة الى أوروبا التي نشأ بداخلها السؤال وما سمي بالمسألة اليهودية بدل أن يتم ترحيله وموضعته واستنباته في وطننا العربي وفي فلسطين العربية التي عاش فيها اليهود بأمن وسلام طوال التارخ ماقبل الصهيوني وقبل أن يصبح مشروعا استعماريا متقدما وبغايات هيمنية يراد له الهيمنة والوقوف حجر عثرة بطريق وحدة العرب ونهضتهم ..
واذا استعرضنا أطروحات هذه السردية وأبنيتها ومحاجاتها وعناصرها المؤسسة فلن نعثر فيها على أي بعد انساني وأخلاقي ولكننا سنؤشر على مجموع العناصر التي شكلت فحواها ومقاصدها وممارساتها وهي بالضرورة تتنافى مع كل ماهو أخلاقي وانساني.. ذلك أن العنصر المؤسس لهذه السردية أنها قامت على الاحلال والابدال والاستبدال (تحت شعارات مختلقة ومتهافتة (أرض بلا شعب.. الى شعب بلا أرض) واعتمدت الصهيونية وسرديتها على التشريد والجريمة والعنف والتطهير العرقي والمكاني والعنصرية الفائقة والفصل العنصري والاستعلاء العرقي والبربرية الفائضة أخيرا في غزة ) ..
كانت تلك وغيرها كثير مما تبين أثناء الصراع العنفي اللااخلاقي الطويل ( الذي اعتمد وارتكزالى سردية عدمية افتراسية عدوانية منافية لللأخلاق ومعادية للانسانية حولت فلسطين الى سجن كبير لسكانها الأصلاء وموطنا للممارسات المتوحشة والبربرية التي تقارفها الحركة الصهيونية ضد المواطنين العرب) وهو الصراع الذي لم يتوقف منذ أن بزغت الحركة الصهيونية في فلسطين والى يومنا هذا حيث أن جريمة الابادة الجماعية التي تمارس في غزة منذ تسعة شهور أسقطت كل مقومات وادعاءات السردية الصهيونية المعادية للانسانية والمدمرة لكل القيم الأخلاقية التي تعارفت عليها الشعوب، وأزاحت واقعيا وفعليا مزاعم الهولوكوست الصهيوني الذي كرسته الصهيونية لابتزاز الشعوب والدول ليحل محله الهولوكست الفلسطيني والجرائم والمجازر المتواصلة التي لم يشهد التاريخ مثيلا والتي تعرض مباشرة على الشاشات العالمية..
هذا الانكشاف العالمي للسردية الصهيونية وما تفتقت عنه من جرائم وممارسات، وهذه الادانات والاتهامات الدولية الواسعة لجريمة الابادة الجماعية في غزة وكل فلسطين، والأطروحات التي طالت وفندت وفككت كل المحاجات والافتراءات الصهيونية المقولبة والمفبركة التي سيطرت على عقل العالم وشعوبه طوال الفترات الماضية وهذه الثورات الطلابية والاحتجاجات التي انطلقت في كل أنحاء العالم وأدانت الجريمة الابادية البشعة في غزة لاشك بأنها ستشكل مرحلة جديدة في تغيير الوعي العربي والعالمي وتفتح صفحة جدية وحوارات مستجدة حول الكيان ووجوده الشاذ داخل الجغرافيا العربية وضرورة تفكيكه واعتباره دولة مارقة عنصرية ومنبوذه .
أن ذلك لا بد أن يعيد طرح سؤال مابعد الصهيونية وموضعته في الفكر والواقع الرسمي والشعبي الفلسطيني والعربي على ضوء المعطيات الجديدة التي أجلاها وأبانها طوفان الأقصى؟؟ بمناهج أخرى غير تلك التي تم بها محاولة تجديد مشروعية الكيان كما طرحها المؤرخون الصهاينة الجدد في هرتسليا في التسعينيات بعد مرور مائة عام على نشوء الكيان ومحاولة فتح آفاق جديدة أمامه للاستمرار والتجدد والتمدد وابقاء فكرة الهيمنة والمغالبة عنصرا رئيسا في البقاء والاستمرار وارغام الدول العربية وهي في أفق تراجعها وانسداد الآفاق أمامها على التصالح مع فكرة وجود وبقاء الكيان والأصرار على التفوق العسكري القووي في المنطقة ..
هنالك معارك فكرية ووجودية موازية ضد هذه السردية المعبر عنها بلغة ميتة وعقل عنصري افتراسي وهناك معارك شجاعة مثل طوفان الأقصى لابد أن تخاض بعد أن تكشف الكيان النازي وتهشمت عنجيته وأصبح بصراعاته الداخلية وجرائمه أوهن من بيت العنكبوت !!!

بؤس السردية الصهيونية الاخلاقية
صبحي طه

نمت الحركة الصهيونية في رحم الاستعمار بابعاده الايديولوجية، ومنطلقاته السياسية، ومفاهيمه الفلسفية وهذا شكل اساس العقيدة الصهيونية وصياغة سرديتها التاريخية والثقافية والحضارية والاعلامية.
ولاسباب عديدة فقد وجدت الحركة الصهيونية تجاوبا وتأييداً مطلقاً منذ ولادتها كفكرة، وحركة، ودولة ما لبثت أن اخذت مكانه ريادية تمثل "الحضارة الغربية" و"الدولة الديمقراطية" في منطقة يعمها "الجهل والتخلف" ناهيك لأن تأخذ دورها الاستراتيجي لحماية المصالح الامبريالية في أكثر المناطق العالمية أهمية جغرافياً واقتصادياً، وإذا كان البعد السياسي شكل أساس التفوق العسكري الاستراتيجي للكيان وتوفير السبل لاستمرار دعمهّ ماديًا وتقنياً واقتصاديًا واعلاميا، فإن البعد الأيديولوجي القائم على أساس التشابه في المنطلقات الفكرية والمتساوقة مع نظريات التفوق العرقي العنصري، والمنسجم مع فلسفة القوة والعنف لضمان فرض الهيمنة والاستغلال والاحتلال تشكل العلاقة التي يجمعها في إطار اهدافهما المشتركة وقد جاءت نكبة ١٩٤٨حصلية جهد متراكم جسد عمليًا، انشاء دولة تحمل ذات سمات الاستعمار العرقي في اضطهاد الشعوب واحتلالها وممارسة كافة أشكال القمع بما ذلك حروب الابادة الجماعية والتقتيل والحصار في ظل نظرة عنصرية دونية للشعوب المقهورة والتي تستبيح استعباده واستغلاله والسيطرة على ثروته ٠٠٠ الخ
فالعصابات الصهيونية التي ورثت هذه المفاهيم، وجدت في عمليات التقتيل الممنهج، واقتراف المجازر، وتدمير المدن (٥٣٠ مدينة وقرية فلسطينية) وتهجير مئات الالوف من السكان كل ذلك باعتباره ضرورة وخيار مشروع بل واخلاقي لبناء دولة نقية للمفهوم العنصري الديني ومحصن برؤية تاريخية مزودةّ باساطير تلمودية ملفقة وبعملية تضليل غير مسبوقة لتصوير فلسطين بلا شعب تسمح لليهود كشعب بلا أرض في محاولة فرض شرعيتها وتوكيد وجودها كدولة طبيعية في المنطقة.
ورغم أن موازين القوة سمحت بولادة كيان صهيوني مصطنع، إلا إنه لم يزل يصارع من أجل الحصول على شرعيته السياسية والاخلاقية بعد أن فشل (لاعتبارات عدة) الصمود في وجه الحقائق التاريخية والديموغرافية والسياسية والقانونية والحضارية والانسانية التي تقلق مضاجعه وتضعه امام مأزق يصعب الخروج منه بل يهدد وجوده ومصيره فالدول (والدويلات) التي أقامتها الدول الاستعمارية والتي حملت ذات الأفكار والمنطلقات والتي مارست ذات الوسائل القمعية لقهر الشعوب، وتبنت نظريات عنصرية واستعلائية وقامت بعمليات التزوير والتضليل لم تصمد امام نضالات الشعوب فتوالت استقلال الدول وانتصار حركات التحرر الأمر الذي ترك ظلاله الايجابيه في أحداث تغيرات في موازين القوى لمصلحة الشعوب المقهورة.
وإذا كانت دولة جنوب افريقيا والدولة العبرية، هما الدولتان الوحيدتان اللتان تم اصطناعهما على ذات الأسس العنصرية والمفاهيم الدينية المشتركة (شعب الله المختار) فإن سقوط وانهيار النظام العنصري في جنوب افريقيا، جعل الكيان الصهيوني الوحيد في العالم الذي يقوم على اساس عرقي ويفتقر الى مقومات دولة طبيعية والذي يعيش ذات المأزق الأمر الذي ينبئ بانهياره بعد أن فقد شرعيته القانونية والتاريخية والإخلاقية.
ولابد من الاشارة هنا أن الكيان الصهيوني انفرد بخصائص تميزه عن باقي الكيانات بما في ذلك تميزه عن باقي الدول الاستعمارية وذلك أن مفاهيمه ومنطلقاته اكتسب ابعاد اهمها:
اولاً- البعد الديني والذي أدى إلى تأجيج الصراع على نحو أكثر عنفًا بعد أن استندت الممارسات القمعية إلى نصوص تواراتية وعقائد تلمودية جعلت سياسات التقتيل والابادة ولسحق البشر والحجر وحتى الحيوان امرًا مباحاً وبفتوى دينية تبيح هذه الممارسات باعتبارها قيم أخلاقية ربانيّة من أجل استبعاد الأخر(الجوييم) ووضع الشعوب الأخرى امام خيارين اما القتل أو الاستعباد، هذه السياسة التي تجاوزت نظريات التفوق العرقي على نحو ليس له مثيل حتى في تجربة جنوب افريقيا العنصري التي خاض شعبها الحرب بالرغم من وجود ديانة واحدة (المسيحية) والنضال ضد التفوق العنصري الأبيض.
ثانيا- البعد السياسي: ذلك أن الكيان يخوض معركة وجودية مصيرية تتعلق بحاضره ومستقبله الأمر الذي يجعل الصراع القائم يأخذ حده مضاعفة وفق معادلة صفرية (أما نحن وأما هم) ويجعل المواجهة أشد شراسه وخاصة إذا تطورت الحرب إلى وضع يجعل العدو عاجزا من تحقيق هدفه في هزيمة أعدائه من جهة، وعدم قدرته في الدفاع عن نفسه من جهة أخرى لذا فإن الصراع ياخذ بعده الأخلاقي ضمن مفاهيم متناقضة بين (الجلاد المحتل) و(الضحية) فالعدو الذي يرفع شعار(الدفاع عن النفس) لتبرير سياساته الابادية وجرائمه المتواصلة يتجاهل تماماً تاريخه في احتلال الأرض والشعب، ولا يأبه بتاريخ الصراع واسبابه ودوافعه، ليركز على الحدث نفسه باعتباره تحدياً وجودياً وبنفس ضمن دائرة الدفاع عن النفس وفق مبرر أخلاقي تضليلي بائس.
ثالثا- البعد القانوني والدولي : لم تصمد السردية الصهيونية أمام الإدانة الدولية الواسعة لمجازر غير مسبوقة في العصر الحديث، ولمساندة الإمريكيين تحديدا أو بعض الدول الغربية وإن كانت تعطل تنفيذ قرارات العدل الدولية ومحكمة الجنايات، إلا أن مفاعليها القوية تؤثر حتمَاً على مسار الصراع ولن تحد اطلاقاً من قلق الكيان الصهيوني وخاصة أن خطابه الاعلامي أضحى بائساً بعد وسم المحاكم والقانون الدولي باللاسامية وإعلان تمرده على أي قرارات دولية من محاكم ومنظمات الأمر الذي يزيد من عزلته واعتباره دولة مارقة وشاذة وقاتلة أطفال.
الخلاصة السردية الصهيونية فقد مصداقيتها الأمر الذي عمق من مأزق الكيان بفعل ممارساته العنيفة غير المسبوقة والتي شكلت عبئاً أخلاقياً للدول والحلفية له ومصدر احتجاج مننام للشعوب في العالم والتي وصفت (اسرائيل) كدولة منبوذة مارقة الأمر الذي سيترك اثاره العميقة على حول حاضر ومستقبل الكيان.