انطلاق أعمال مؤتمر القانون الكنسي الحادي عشر للمحامين



تحت رعاية بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، انطلقت في منطقة البحر الميت، مساء أمس الأربعاء، أعمال مؤتمر القانون الكنسي للمحامين، الذي تعقده للسنة الحاديّة عشرة المحاكم الكنسيّة اللاتينيّة في القدس وعمّان والناصرة، تحت شعار: "نحو ثقافة قانونيّة كنسيّة: الزواج وأحكامه وأصول المحاكمات الكنسيّة".

وشارك في الجلسة الافتتاحيّة للمؤتمر عميد محكمة الروتا الرسوليّة (محكمة الاستئناف العليا في الفاتيكان) رئيس الأساقفة أليخاندرو تشيديلو، ورئيس محكمة التمييز رئيس المجلس القضائي الأردني الأستاذ محمد الغزو، والسفير الفاتيكاني في الأردن المطران جوفاني دال توسو، وحشد من الأساقفة والقضاة والكهنة، ورئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين الدكتور رمزي خوري، والسفير الفلسطيني لدى الفاتيكان عيسى قسيسية، والرئيسة العامة لراهبات الورديّة الأم صوفي حتّر، وحوالي مائة محامٍ ومحاميّة وقضاة من الأردن وفلسطين والجليل ولبنان ومصر والعراق، ومختصون قانونيون من الفاتيكان.

بعد السلام الملكي، وخلال حفل الافتتاح الذي تولى عرافته الأب د. شوقي بطريان، رفع مدير مكتب شؤون الزواج والعائلة في مطرانيّة اللاتين الأب بشير بدر دعاء من الكتاب المقدّس، تبعه الوقوف دقيقة صمت وصلاة لأجل أرواح الشهداء في غزة، والتي تخللها موسيقى "زهرة المدائن" ومشاهد من الزيارة التضامنيّة التي قام بها الكاردينال بيتسابالا إلى القطاع المنكوب في أيار الماضي.

وقرأ رئيس مؤتمر هذا العام الأب د. مجدي سرياني الرسالة التي وجهها قداسة البابا فرنسيس إلى المشاركين في المؤتمر، والموقعّة من أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، حيث شجّع قداسته المشاركين على أهميّة الالتزام المتجدّد في البحث عن الحقيقة، والتي هي قرينة العدل والرحمة، ولا تنفصل عنهما. وتمّ عرض فيديو وثائقي من إعداد المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، لأعمال مؤتمرات القانون الكنسيّ على مدار أحد عشر عامًا. وتضمن الفيلم مشاهد من الاحتفال الوطني باليوبيل الفضي لجلوس جلالة الملك، مبيّنًا انّ اختيار الأردن منذ أعوام عديدة لعقد هذا المؤتمر دلالة على الأمن والاستقرار اللذين يتيحان للمشاركين القانونيين من الدول العربيّة الشقيقة، والدول الأجنبيّة الصديقة، أن يلتئموا في أردن العيش المشترك والوئام.

وتطرّق راعي المؤتمر الكاردينال بيتسابالا، في مستهل كلمته، إلى الزيارة التي قام بها إلى غزة قبل أشهر، حيث أوضح بأنّ القطاع يعيش حالة صعبة ومأساويّة، وأشار إلى أنّنا ككنيسة لا نستطيع أن نبقى صامتين أمام ما يحدث، بل يجب علينا أن نتكلم، وأن نعمل أيضًا. ولفت إلى أنّ البطريركيّة اللاتينيّة استطاعت قبل أيام إدخال أربعين طنًا من المواد الغذائيّة لحوالي ألف عائلة تقطن في شمال غزة، مشدّدًا على أنّ البطريركيّة ستعمل كلّ ما في وسعها لتقديم المساعدة الإنسانيّة والدعم النفسي بثقة ومن دون أي خوف.

وحول المؤتمر، أشار غبطته إلى أنّه، وعلى مدار أحد عشر عامًا على انطلاقه، استطاع المؤتمر أن يقدّم التنشئة الدائمة لكلّ من يعمل في الحقل القانوني لخدمة العائلة والإنسان بشكل عام، مشدّدًا على ضرورة تعزيز كافة أشكال التعاون بين مختلف الجامعات والمؤسّسات في مناطق الشرق الأوسط لخدمة قيم سرّ الزواج المقدّس. وخاطب غبطته المحامين بالقول: إنّ خدمتكم، وبحسب المفهوم الكنسيّ، لا يجب أن تقوم على الشؤون القانونيّة فحسب، بل يجب أن تترافق معها العناية الرعويّة للعائلات المجروحة التي تتعاملون معها.

من جهته، أشار رئيس الأساقفة أليخاندرو تشيديلو إلى أنّ المآسي التي تشهدها الأرض المقدّسة يجب علينا ألا تنسينا القيم الدينيّة والإنسانيّة التي تحملها في المحبّة والأخوّة البشريّة، والعمل بإخلاص من أجل الحقيقة والعدالة. وقال إنّ الشهادة التي تُطلب من خدّام العدالة، خاصة في هذه اللحظات الصعبة، تقوم على ثلاث مهام: عدم إخضاع العدالة للشكليات القانونية؛ تجنّب المغالطات التجريديّة البعيدة عن الحياة الواقعية للأشخاص الذين يعانون؛ وتقديم الرحمة كقانون أساسي للعلاقات بين البشر.

وأكد على أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة تُصر في تعاليمها على أهميّة الدفاع عن العائلة والاعتراف بحقوقها، كما تعمل على تذكير السلطات المدنيّة أنه لا يمكن أن يكون هناك مجتمع إنساني حقيقي بدون الاعتراف بالعائلة المؤسّسة على الزواج كوحدة أوليّة للمجتمع، وبدون حماية حقوق هذه الأسرة في الأنظمة المدنيّة. وفي الختام، دعا سيادته أن يعزّز المؤتمر العاملين في الحقل القانوني طريقهم نحو الحقيقة والعدالة.

أمّا الأستاذ محمد الغزو فأكد في كلمته بأنّ ضمان الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية هو أساس تطبيق مبدأ سيادة القانون، مشيرًا إلى أنّ الدستور الأردنيّ قد كفل استقلال القضاء بالنص صراحة على أنّ السلطة القضائية هي سلطة مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميعَ الأحكام وفق القانون باسم الملك، ولتتولى هذه السلطة وحدها الفصل في المسائل المدنية والتجارية والجزائية كافة بما فيها الدعاوى التـي تقيمها الحكومة أو تقام عليها باستثناء المواد التـي قد يفوضُ فيها حق القضاء إلى محاكم دينية أو محاكم خاصة بموجب أحكام الدستور أو أيّ تشريع آخر نافذ.

وقال: لقد حقّق القضاءَ الأردنيّ أوج استقلاله بأن حظي مباركة وعناية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، إذ كان للتوجيهات الملكيّة السامية المتواصلة الأثر الكبير في ضمان تعزيز استقلال السلطة القضائية إداريًا وماليًا، وتطوير أعمال الإدارة القضائية والجهاز القضائي وتحديثِهما، وتحسين إجراءات التقاضي وتبسيطها وتطوير المنظومة التشريعية بما يتلاءم وأفضل الممارســـات الدوليّة، وإدخال التقنيات الحديثة والحوسبة في أعمال المحاكم وأتمتتها، والارتقاء بقدرات أعضاء الجهاز القضائي وترسيخ مبدأ التخصّص القضائيّ.
واختتم الحفل برفع صلاة المحامين المستوحاة من صلاة القديس توماس مور، شفيع المحامين في الكنيسة.

يُشار إلى أنّ المؤتمر الخاص بالمحامين يأتي عقب اختتام دورة قضاة المحاكم الكنسيّة الكاثوليكيّة في البلاد العربيّة، والتي استمرّت لمدة أربع أيام، وتمّ خلالها مناقشة العديد من المواضيع المرتبطة بالقانون الكنسيّ، بحضور عميد محكمة الروتا الرسوليّة (محكمة الاستئناف العليا في الفاتيكان) رئيس الأساقفة أليخاندرو تشيديلو، وعدد من القضاة العاملين معه، بالإضافة إلى قضاة المحاكم الكنائس القبطيّة والأرمنيّة والسريانيّة والكلدانيّة والمارونيّة والملكيّة في عدد من البلدان العربيّة. كما يعقد على هامش المؤتمر ورشة عمل، هي الأولى من نوعها، للأخصائيين النفسيين والعاملين الاجتماعيين.

    الأب د. رفعــــــت بدر
مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام