زرع بذور المجاعة في السودان...
اكتب تحت نفس العنوان الذي استعمله جاي اوبراين في مقاله في العام 1968 ، هناك من زرع بذور المجاعة في هذا البلد ، وللأسف ليس من الخارج فقط ولكن من أبناءه ايضا ، ويبدو ان هذه القصة القديمة الجديدة بقيت مرافقة لهذا البلد منذ حوالي ستة عقود، نعم هناك علاقة مباشرة للبنك الدولي وصندوق النقد بمجاعات السودان ، ولكن الحكومة والتجار والمستثمرين الأجانب كان لهم دورايضا .
من المرجح ان يدخل نصف عدد السكان البالغ اكثر من خمسة وعشرين مليون في أزمة غذانية ، وحوالي ثمانية ملايين في ظروف طوارى تصنف حسب المرحلة الرابعة ، وحوالي ثمانمائة ألف في المرحلة الخامسة وهذه المرحلة التي تعني مرحلة المجاعة او الكارثة وهي مستويات انعدام الغذاء ومجاعة حادة ومعدل وفيات مرتفع ، علما بأن عدد سكان السودان يبلغ حوالي 47 مليون .
لا يهتم المرابون بما يحدث للمواطنين وهذا ليس حديثا ، فشكسبير في تاجر البندقية ذكر المرابي اليهودي شايلوك الذي طلب رطلا من لحم الضحية كضمان لدينه ويبدو أن القصة قديمة ، لقد ابدع شكسبير فدماء الفقراء وأموالهم هي الضمان الرئيسي لهذه الديون ، وتسد من لحم اجسادهم حرفيا ، وهذا ما حصل في كثير من البلدان التي غرقت في بحر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .
والسودان من أبرزها هذه المعاناة التي وصلت لحد مجاعات متكررة في هذا البلد ، الذي دخل في مجاعات متعددة بسبب السياسة الزراعية في بلد يعد سلة العالم العربي من جهة ، ولم تحدث فيه مجاعات قبل ذلك من جهة أخرى ، نعم كان للإستعمار البريطاني دور كبير في تخلف هذا البلد وخروجه من حالة الإستقرار الاقتصادي الزراعي والتعليمي ، فقد افقر الأنجليز حرفيا هذا البلد ، ونعود لقصتنا في فصلها الثاني وهو البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هذا البلد لو تم زراعة ربع اراضية بطريقة يدوية لكانت كافية لسد حاجات هذا البلد من الغذاء ، ولعاش أهل هذا البلد بكرامة .
القصة أن سياسة الحكومات والتجار وبنك النقد وصندوق النقد، ساهمت في دخول هذا البلد في مجاعات متعددة ذهب ضحيتها مئات الألاف من المواطنين نساء واطفالا وعجزة ورجال ، وكل هذا بدأ عندما لجأ جعفر النميري إلى البنك الدولي لأخذ دين لإنشاء سكة حديد في العام 1958 ، وبعد ذلك لسد العجز في ميزان المدفوعات ، وبعدها فتحت الحكومة الباب على مصراعية للديون التي تضاعفت اضعافا مضاعفة خلال فترات بسيطة ، وبدأت قصة تدخل البنك في السياسة الزراعية والنقدية لهذا البلد ، حيث ينصح ديفيد دن من البنك الدولي بشكل مباشر الدول المستدينة بأن بناء احتياطي زراعي هو أمر مكلف ومضر بالإقتصاد الوطني ، ومن الأفضل الإعتماد على التجار العالميين في التوريد ، فهم يتحملون المخاطر والتكاليف ، ويشكل وفر مباشر على الخزينة في الدول المستدينة ، وبسبب جهل وفساد الحكومات الإنقلابية والبنك الدولي والتجار والمستثمرين الاجانب.
وحقيقة أراه أكبر من فساد وجهل. هو جريمة نكراء من قبل هؤلاء في حق الإنسانية جمعاء وليس فقط في حق أهل السودان فقط ، فقد تم أخراج هذا البلد حرفيا من حالة الإستقرار الزراعي عبر نموذج الزراعة الكفافية ، القائمة على امتلاك صغار المزارعين اراض يستطيعون زراعتها ، وتأمين أحتياجاتهم من الغذاء ، بل والمساهمة في الاكتفاء الذاتي للبلد بأكمله، إلى الاعتماد على الاستيراد لهذه المحاصيل الاسترايتجية ، في بلد لا توجد فيه سياسة مالية ولا تدقيق ولا محاسبة ولا مؤسسات وطنية .
بل هم مجرد مجموعة من الانقلابيين ساهموا بادخال البلد في حالة عدم استقرار، وكان البنك الدولي يشير على هذه الحكومات بنفس السياسة ونفس المشورة ، بتقديم الزراعة التجارية على الزراعة الغذائية ، والسعي لسد فاتورة البنك ، حتى يتمكنوا من الإستدانة مجددا ، فقد اشار البنك الدولي على الحكومات بتغيير السياسة الزراعية ، والتوجه نحو المحاصيل التي تؤمن المال لسد قروض البنك وحاجات الحكومة ، ولتذهب حاجات الشعوب إلى الجحيم .
وهذا ما حدث فعلا فقد بدأت المجاعات في عهد النميري الانقلابية والتي انقلب فيها على الحكومة الشرعية التي كان يرأسها أسماعيل الأزهري ، علما بأن هذا البلد شهد حوالي ستة انقلابات لم تنتهي إلى اليوم ، وساهمت سياسة هذه الحكومات الانقلابية في حرمان البلد من المساعدات الخارجية ، ونيتجة لموقف السودان من حرب الخليج تم حرمانه من المساعادات العربية ، وحدثت المجاعات بشكل متكرر، مجاعة دارفور وكردفان ومجاعة في الجنوب في بحر الغزال ومجاعة درافور ثانية ومجاعة في الجنوب نتجية للأنفصال وما يتعرض له الشعب السوادني اليوم ، وما كانت الحكومات الانقلابية تقوم به دائما هو المتاجرة حرفيا بهذا الشعب .
تخيل أن تقوم الحكومة ببيع الاحتياطي من الحبوب وترك الشعب بلا طعام وهو في حالة مجاعة ، بل أن الحكومة والتجار رفضا البيع لبرنامج الاغذية العالمي بسبب ان السعر منخفض وتم بيع الحبوب لجهات خارجية ، هذه الحكومة هي المسؤولة حسب كل الاعراف الأخلاقية والدولية والإنسانية ولن أقول الدينية عن هذا الشعب ، وخذ أيضا ان الحكومة تبرعت بحبوب فاسدة لا تصلح للإستهلاك البشري لبرنامج الإغذية العالمي الذي يقوم باطعام الشعب السوداني ، وانتظر الشعب الذي يموت جوعا المساعادات العالمية ، حكومة تقوم بهذا التصرف ، وليس فقط هذا بل تم بيع وتأجير اراض صالحة للزراعة لجهات خارجية مستثمرين وتهجير اهلها منها ، واصبحت الحكومة والأستثمار الخارجي والتجار سببا في حصول المجاعات المتكررة لهذا البلد .
ولذلك يا سادة أقول بأن بناء الإنسان قبل بناء الأوطان وقبل معرفة الأديان ، فماذا يستفيد شعب يموت من الجوع من كل هذه الحكومات والجنرالات والألقاب .
مع الشكر لموقع المختصر الاقتصادي على كثير من المعلومات.
ابراهيم ابو حويله ...