اقتصاديون يؤكدون ضرورة البناء على النتائج الإيجابية المحققة بالنصف الأول

- أكد اقتصاديون أهمية البناء على النتائج الإيجابية التي حققها الاقتصاد الوطني بالعديد من المؤشرات خلال النصف الأول من العام الحالي 2024، ومعالجة بعض التحديات المتصلة ببيئة الأعمال لتحقيق النمو المستدام ومستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.
وقالوا لوكالة الأنباء الأردنية(بترا) إن الأحداث الجيو سياسية التي تمر على المنطقة وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة، أثرت بصورة مباشرة وألحقت أضرارا في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية ولا سيما السياحة والتجارة والاستثمار والنقل.
وأضافوا انه برزت بوادر إيجابية للاقتصاد الوطني منذ بداية العام الحالي تجسدت في تحسن التصنيفات الائتمانية للأردن، واستمرار الاستقرار النقدي، وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية إلى مستويات مريحة،موضحين أنه لتعزيز أداء الاقتصاد الوطني، يجب تحسين الحوافز الاستثمارية وتطوير البنية التحتية، ودعم الصناعات المحلية والصادرات، وتنفيذ سياسات نقدية فعالة.
وقال وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي الدكتور محمد أبو حمور، إن الأحداث الجيو سياسية لا زالت وعلى رأسها الحرب العدوانية على قطاع غزة تفرض نفسها على مجمل التطورات الاقتصادية ليس على مستوى الإقليم فحسب بل تمتد هذه الآثار لتؤثر أيضاً على الاقتصاد العالمي، مشيرا الى الأردن من الدول الأشد تأثراً بهذه الأحداث.
وأضاف أبو حمور أن الإحصاءات والمؤشرات المنشورة تشير الى أن هناك تطورات إيجابية، وان لم تكن بالمستوى المنشود، وأخرى سلبية يمكن التعامل معها من قبل الجهات ذات العلاقة عبر السياسات والإجراءات المناسبة.
وبين أن النمو الاقتصادي الذي بلغ 2 بالمئة خلال الربع الأول من هذا العام يعد إيجابياً إلا أنه لا يرقى لمستوى الطموحات، كما أن نسبة البطالة لا زالت مرتفعة حيث بلغت خلال نفس الفترة 21.4 بالمئة، كما انخفضت الصادرات الكلية حتى نهاية شهر نيسان بنسبة 4.3 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وبلغت تغطية الصادرات الكلية للمستوردات 47 بالمئة مقارنة مع 49 بالمئة، وارتفع عجز الميزان التجاري بنسبة 4.4 بالمئة، كما انخفضت مساحات الأبنية المرخصة ورخص الأبنية خلال الشهور الخمسة الأولى بنسبة 11 بالمئة، وارتفعت كميات الإنتاج الصناعي خلال الشهور الخمسة الأولى بنسبة طفيفة تبلغ 0.44 بالمئة.
وفيما يتعلق بمؤشرات المالية العامة، أشار أبو حمور إلى ان إجمالي الدين العام وصل حتى نهاية شهر أيار الى أكثر من 42.5 مليار دينار وهو ما يتجاوز 115 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر، وشهدت الإيرادات نمواً طفيفاً لا يتناسب مع توقعات الموازنة العامة، وفي نفس الوقت ارتفعت النفقات الجارية وتراجعت النفقات الرأسمالية، ووصل عجز الموازنة الى 655 مليون دينار مقارنة بحوالي 490 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام السابق، وهذا يشير الى استمرار تفاقم عجز الموازنة وزيادة واضحة في أعباء الدين العام.
وبين أن السياسة النقدية استطاعت الحفاظ على استقرار سعر صرف وجاذبية الدينار، كما وصلت الاحتياطيات الأجنبية في نهاية أيار الى أكثر من 18.7 مليار دولار أي ما يكفي لتغطية المستوردات لما يزيد عن ثمانية أشهر، أما أسعار المستهلك فقد ارتفعت خلال الشهور الستة الأولى من العام بنسبة1.67 بالمئة وهي من أقل النسب على مستوى المنطقة.
وأكد أبو حمور أن هذه التطورات بمجملها تؤكد الحاجة الى تعزيز النتائج الإيجابية التي حققها الاقتصاد الوطني خلال النصف الأول من هذا العام والعمل على تجاوز بعض السلبيات من خلال اتخاذ الإجراءات المناسبة والقيام بالخطوات الضرورية والكفيلة بتوفير البيئة الملائمة لقطاع الاعمال والمحفزة للاستثمارات والداعمة لتنمية راس المال البشري وبما يحقق ما نطمح اليه من تحسين حياة المواطنين ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهم، ولعل مواصلة العمل الجاد في تحقيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي وتكثيف إجراءات تحديث القطاع العام ستشكل مساهمة قيمة في هذا الاطار.
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور نوح الشياب، أن الاداء الاقتصادي في النصف الأول من العام الحالي لا يختلف كثيراً عن الفترات السابقة، حيث لم يشهد تحسناً واضحاً أو ملحوظاً يحقق الطموحات المعلنة من قبل الحكومة في مختلف المجالات.
وأشار الشياب إلى أن الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول نما بنسبة 2 بالمئة، وهي نسبة نمو متواضعة لا تتماشى مع الحاجة إلى تحقيق معدلات نمو مستدامة تصل إلى 4-5 بالمئة على الأقل، مضيفا أن معدل البطالة في الربع الأول من هذا العام وصل إلى 21.4 بالمئة، ما يدل على عدم وجود فرص عمل إضافية نتيجة تباطؤ الأداء الاقتصادي.
كما أشار إلى أن مساحة الأبنية المرخصة في المملكة انخفضت بنسبة 11 بالمئة حتى نهاية شهر أيار الماضي، وهو ما يعكس تراجعاً في جميع القطاعات الأخرى، مبينا أن تراجع البناء يعكس عدم قدرة المواطنين على طلب الشقق السكنية والعقارات، إما بسبب نقص السيولة المالية أو ارتفاع أسعار الفائدة وتكاليف الإنتاج في هذا المجال.
وأكد الشياب أن حجم المديونية ارتفع سواء بالأرقام المطلقة أو النسبية من الناتج المحلي الإجمالي، مشيراً إلى أن التراجع في السياحة نتيجة للظروف التي تمر بها المنطقة يساهم في هذا الأداء الضعيف.
وشدد الدكتور الشياب على أن الاقتصاد الوطني خلال النصف الأول من هذا العام لم يحقق النمو الاقتصادي المنشود، وأن الأداء الفعلي كان أقل من التوقعات المعلنة في رؤية التحديث الاقتصادي.
بدوره، قال عضو مجلس إدارة مؤسسة ضمان الودائع والخبير الاقتصادي الدكتور عدلي قندح، إن الأداء الاقتصادي للمملكة خلال النصف الأول من العام الحالي يعكس مزيجاً من التحسن في بعض القطاعات مع استمرار التحديات التي تتطلب معالجة لتحقيق النمو المستدام.
وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي قد سجل نمواً بنسبة 2 بالمئة بالأسعار الثابتة في الربع الأول من العام مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي، وكانت الصناعات الاستخراجية والزراعة والكهرباء والمياه والصناعات التحويلية من بين القطاعات التي شهدت أكبر معدلات النمو.
وبين قندح أنه على الرغم من التأثيرات السلبية للصراع في غزة واضطرابات حركة التجارة في البحر الأحمر، إلا أن الاقتصاد الأردني أظهر صموداً بفضل السياسات الاقتصادية السليمة، وقد سجلت الإيرادات المحلية ارتفاعاً بنسبة 2.3 بالمئة، ووصل العجز المالي إلى 428.8 مليون دينار.
و أشار إلى أن الدخل السياحي انخفض بنسبة 6.5 بالمئة، بسبب تراجع أعداد السياح، في الوقت نفسه، زادت قيمة المستوردات بنسبة 0.1 بالمئة، بينما انخفضت الصادرات بنسبة 4.3 بالمئة.
ولفت قندح إلى أن البنك المركزي استطاع الحفاظ على مستوى مرتفع من الاحتياطيات الأجنبية اذ بلغت 18.8 مليار دولار، بينما شهدت الودائع البنكية والتسهيلات الائتمانية نمواً ملحوظاً، أما القطاع العقاري، فانخفض حجم التداول بنسبة 22 بالمئة، بينما تراجعت مساحات الأبنية المرخصة وعدد رخص البناء بشكل ملحوظ.
وأكد قندح انه لتعزيز الإيجابيات في اداء الاقتصاد الوطني، يجب تحسين الحوافز المقدمة للاستثمارات في القطاعات النامية مثل الصناعات الاستخراجية والزراعة والصناعات التحويلية، مع تحسين وتطوير البنية التحتية السياحية وإطلاق حملات تسويقية لجذب السياح، والاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية، كما يجب تعزيز برامج التدريب المهني وتوفير فرص عمل جديدة، ودعم المشرزعات الصغيرة والمتوسطة لتقليل البطالة.
ولمعالجة المؤشرات المتراجعة، بين قندح أنه يجب العمل على تعزيز الصادرات عن طريق إيجاد المزيد من الاسواق الجديدة ودعم الصناعات المحلية لتقليل العجز التجاري، وتحسين المناخ الاستثماري من خلال تبسيط الإجراءات البيروقراطية وضمان استمرارية الاستقرار السياسي والأمني الذي يتميز به الاردن.
وشدد قندح على ضرورة مواصلة تعزيز الاحتياطيات الأجنبية وتنفيذ سياسات نقدية لتعزيز النمو الاقتصادي بعد ان تمت السيطرة على معدلات التضخم عند مستويات اقل من المستهدفة عالميا، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، ودعم القطاع العقاري بتقديم حوافز للاستثمار وتبسيط إجراءات تراخيص البناء.
من جانبه، أكد الباحث الاقتصادي الدكتور احمد المجالي أن النصف الأول من العام الحالي شهد العديد من التقلبات الاقتصادية التي جسدت مزيجا من التحديات والإنجازات من جهة، فيما برزت بوادر إيجابية تجسدت في تحسين التصنيفات الائتمانية للأردن، واستمرار الاستقرار النقدي، وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية إلى مستويات مريحة.
وقال المجالي أن هذه التطورات تعكس الجهود المبذولة لتعزيز الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات الهيكلية، إلا أن هذه الإنجازات لم تخل من تحديات كبيرة، حيث تباطأ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي متأثرا بتداعيات الحرب على قطاع غزة، التي ألحقت أضرار بالعديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل السياحة والتجارة والاستثمار.
وأشار إلى أن هذا التأثير السلبي امتد لتزيد من حالة عدم اليقين في المنطقة، مما أثار مخاوف المستثمرين وتراجع ثقتهم نتيجة للاضطرابات الإقليمية، لتضيف تحدٍ جديدٍ إلى التحديات الاقتصادية القائم، مبينا أن القطاع السياحي كان الأكثر تضررا، حيث تشير التوقعات إلى تراجع إيرادات السياحة بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50 بالمئة، عن المستويات المتوقعة لعام 2024، مع انخفاض كبير في حجوزات الفنادق والمطاعم السياحية بنسب تصل إلى 80 بالمئة، في بعض المناطق السياحية الرئيسة.
ولفت إلى أن النصف الأول من العام الحالي شهد ايضا ارتفاعا في تكاليف الشحن والتأمين البحري نتيجة الأحداث في باب المندب، ما زاد من الأعباء الاقتصادية على الأردن، مشيرا إلى أن البيانات القطاعية تشير إلى انخفاض ملحوظ في النشاط الاقتصادي عبر مختلف القطاعات، متأثرا بتراجع الطلب الكلي وانخفاض الرغبة في الإنفاق.
وبين المجالي أن العدوان أضفى أثرا نفسيا ملموسا على المستهلكين، ما أدى إلى تراجع الإقبال على التسوق وتباطؤ الاستهلاك في قطاع التجزئة، وانخفاض حجوزات القاعات الاحتفالية وغيرها من الأنشطة، مؤكدا أن هذا يتطلب المزيد من الإصلاحات الاقتصادية لتعزيز الاستقرار المالي وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام.
--(بترا)