كيف يساهم تغير شدة الأمطار في انخفاض المحصول؟
د. أيوب
أبودية
هذا الموسم في
منطقتنا ضعيف، وخاصة في ما يتعلق بثمار اللوزيات، كالمشمش والكرز والخوخ، فهل يمكن
أن يكون ذلك بسبب التغير المناخي، وخاصة لأن تغير شدة هطول الأمطار هي من ظواهر
التغير المناخي الذي نعاني منه اليوم.
تلعب الملقحات مثل النحل والفراشات دورًا حاسمًا
في عملية التلقيح النباتي، والتي تعد ضرورية لإنتاج الثمار والبذور. فإنه يمكن أن
تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تغييرات في أوقات النشاط اليومي للملقحات أو إلى
هجراتها نحو مناطق جديدة. كذلك هناك دور مهم، لزيادة
شدة الأمطار في عالم يزداد دفئا، في خفض انتاجية بعض فصائل النبات.
فالتغيرات في
نمط الأمطار ودرجات الحرارة يمكنها أن تؤدي أيضًا إلى اختلال في تزامن تفتح
الأزهار ونشاط الملقحات. فإذا تفتحت الأزهار في وقت لا تتواجد فيه الملقحات، فإن
ذلك قد يؤدي إلى فشل في التلقيح وانخفاض في إنتاجية النباتات. هذا الوضع يمثل
تهديدًا للأمن الغذائي العالمي، حيث تعتمد العديد من المحاصيل الزراعية على
التلقيح بواسطة الحشرات.
التغيرات في نمط
الأمطار نتيجة للتغيرات المناخية تؤدي إلى تأثيرات متعددة على النباتات. في بعض
المناطق، قد تزيد تواتر الفيضانات التي يمكن أن تسبب تآكل التربة وتلف النباتات،
وخاصة في المناطق المرتفعة في بلادنا عندما تتعرض لأمطار شديدة وعواصف بردية من
كرات الثلج في فصل الربيع، فتسقط أغلب أزهارها. وفي مناطق أخرى، يمكن أن تؤدي
فترات الجفاف الطويلة إلى إجهاد مائي للنباتات، مما يقلل من نموها وإنتاجيتها.
أما التغير في
كمية الأمطار وتوزيعها، فيؤثر أيضًا على تجدد المياه الجوفية والسطحية، مما يؤثر
على توفر المياه المستدامة والمتجددة للنباتات. فالنظم البيئية التي تعتمد على
الأنماط الموسمية للأمطار، مثل الغابات المطيرة والمراعي والزراعة البعلية، قد
تواجه تحديات كبيرة في التكيف مع هذه التغيرات، مما يؤثر على التنوع البيولوجي
ووظائف النظام البيئي، والانتاج الزراعي.
وتعتبر الحرائق
الطبيعية جزءًا من النظام البيئي في العديد من المناطق، ولكن التغيرات المناخية
تزيد من تواتر وشدة هذه الحرائق. إذ تخلق درجات الحرارة المرتفعة وفترات الجفاف
الطويلة ظروفًا مواتية لاندلاع الحرائق وانتشارها. ويمكن أن تكون لهذه الحرائق
تأثيرات مدمرة على النباتات، حيث تدمر الغطاء النباتي وتغير بنية التربة. وفي بعض
الحالات، يمكن أن تؤدي الحرائق المتكررة إلى تدمير الأنواع النباتية التي لا
تستطيع التعافي بسرعة، مما يفتح المجال أمام الأنواع الغازية للسيطرة على البيئة.
هذه التغيرات في الغطاء النباتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على التنوع البيولوجي
والاستقرار البيئي.
و"مصائب
قوم عند قوم فوائد"، إذ تلعب العوامل الطبيعية دورًا مهمًا في نقل
المغذيات من منطقة إلى أخرى بعيدة إلى التربة، مما يؤثر على خصوبتها وإنتاجية
النباتات والأشجار فيها. فعلى سبيل المثال، الحرائق التي تحدث في مناطق مثل
إفريقيا يمكن أن تؤدي إلى انتقال الفوسفات الناتج عن احتراق النباتات إلى الغابات
الممطرة في جنوبي أمريكا. هذا الانتقال يمكن أن يعزز خصوبة التربة في هذه الغابات،
مما يدعم نمو النباتات.
ومن جهة أخرى،
تنتج الصواعق النترات التي تهطل مع المطر لتغذية التربة. فالنترات تعتبر عنصرًا
غذائيًا أساسيًا لنمو النباتات، وهذه العملية الطبيعية تسهم في تحسين خصوبة التربة
في المناطق التي تتعرض للصواعق والأمطار. هذه العمليات الطبيعية تلعب دورًا مهمًا
في الحفاظ على صحة النظم البيئية ودعم التنوع البيولوجي، وأي تغير فيها بفعل
التغير المناخي يغير من صحة الفصائل الحية والانتاجية الزراعية.
خلاصة القول إن
التغيرات المناخية تمثل تهديدًا كبيرًا للنباتات والنظم البيئية حول العالم. فمن
خلال تأثيرها على التوزيع الجغرافي للنباتات، ونشاط الملقحات، وتواتر الحرائق،
وأنماط الأمطار، بالإضافة إلى تأثيرات العوامل الطبيعية مثل الحرائق والصواعق،
تتسبب التغيرات المناخية في خلق تحديات معقدة تتطلب استجابات متكاملة ومستدامة.
لذلك، فإن
التكيف مع هذه التغيرات يتطلب فهمًا عميقًا للعلاقات المتبادلة بين المناخ
والنباتات والنظم البيئية. كما يتطلب سياسات وإجراءات مبتكرة لدعم التكيف البيئي
وتعزيز استدامة النظم البيئية، مثل حماية الملقحات، وإدارة الحرائق، وتحسين إدارة
المياه، وتعزيز الأنظمة الزراعية المستدامة. ومن خلال العمل المشترك على المستويات
المحلية والعالمية، يمكننا مواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية وضمان
مستقبل مستدام للنباتات والنظم البيئية التي تعتمد عليها.