نظام إدارة الموارد البشرية…قراءة سياسية.

المهندس إبراهيم العوران

إستحداث نظام جديد للخدمة العامة في القطاع الحكومي العام وما مثله هذا النظام من تغيير جذري في شكل القطاع العام والمساس بجوهره يعني بالنتيجة تغييرًا كبيرًا في هوية الدولة نفسها ، وعلاقة الحكومة بالمجتمع بل وهدمًا لتراكم تاريخي لمعادلات وتوازنات تاريخيّة ممتدة لعقود طويلة من الزمن وإعادة تأسيس هذه العلاقة وفق رؤية مبادئ ومعايير جديدة مختلفة كليًا عما سبّق .

إن أول عيوب النظام تجلت بوضوح بكونه يتعامل مع الجهاز الحكومي بالنظر إليه بمعزل عن السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التاريخية والراهنة أيضا ، ويفهم الدولة بإعتبارها شركة كبرى ومؤسساتها فروع لهذه الشركة الاقتصادية الهادفة للربح ، ولا يعلم أنها دولة وأن هذه المؤسسات روح الأردنيين وثروتهم الحقيقة ورأسمالهم، ولا يقبل الأردنيون أن تدار دولتهم وكأنها شركة ، وتبعات هذا سياسيًا خطيرة و إن لم تبدى لكم الآن.


التأسيس لنظام المنافسة المصفرَّة من أي اعتبارات سياسية وجغرافية وتخلي الدولة عن دورها في تقديم الحماية الاجتماعية للطبقات والشرائح الأقل حظًا في عملية التنمية ، والطلب من سكان محافظات مثل الطفيلة وعجلون والأغوار والبوادي وغيرها من المناطق التي يعاني أهلها من سوء جودة التعليم وسوء الخدمات وانحدار معدلات التنمية وارتفاع معدلات البطالة الدخول في منافسة غير عادلة مع شرائح اجتماعية توفرت لها البيئة التعليمية والصحية ووسائل النقل وغيرها من الخدمات مما يعرَّي هذه الطبقات ويجعلها تواجه شبح اللبرلة الاقتصاديّة وأعباء الحياة دون حماية أو فرصه لتصعدّها الاجتماعي ، بالإضافة إلى حرمان موظفي القطاع العام من حقهم في إكمال الدراسات العليا وإجبارهم على البقاء في سلم الدرجات الوظيفية المتدني وحبس أحلامهم في قفص الوظيفة الغير مجدية.

إن العالم اليوم يتوجه نحو المهارات بشكل كبير وعلينا قبل أن نَسُّنَ نظام إدارة الموارد البشرية أن نُمَّكِن أبناء المحافظات من المهارات المطلوبة وتزويدهم بالكفايات المناسبة حتى يستطيع المنافسة وأن نضمن له حقه في المنافسة العادلة.

وإن عدم المساواة في الفرص والتعليم بين المركز والأطراف سيحيد مبدأ العدالة ويجعل الفرص لمن هم بالمركز ويترك أبناء الأطراف للبطالة تفترسهم ، وتخلّي الدولة عن مسؤوليتها وتحييد المشرِّع الذي يفترض به أن يكون رجل دولة لا مدير شركة كل هذه العوامل وعدم قراءة قراراته سياسيا يحيد بذلك دور الدولة.

الفكرة الأساسية تكمن في أن هذا النظام بصبغته الحالية مع تعديل على بعض بنوده يمكن اعتباره تحديثا اصلاحيا ، لكن نحن نبدأ من حيث يجب ان تنتهي الأمور ، فالقاعدة الأساس هي تقديم الخدمات المتساوية لجميع شرائح المجتمع ثم نطلب منهم التنافس الحر على أساس تفاضلي في المهارات والكفايات لكن أن لا توجد لدينا قواعد أساسية لتقديم خدمات أساسية وتغلب واضح للمركز على حساب الأطراف ثم نطلب من إبن الطفيلة والشوبك ومعان أن ينافس إبن عمان الذي توفرت له كل الوسائل بجودة أفضل وأرقى، يصبح الأمر إصلاحًا ناقصًا والإصلاح الناقص فسادٌ كبير .


إن هذه المشاريع والقوالب الجاهزة والتي يعمل أبناء هارڤرد على استيرادها ليل نهار والاعتقاد أنها وصفة الخلاص الأبدي لنا ولجميع مشاكلنا ودون أي جهد منهم للعمل على أردنة مشاريع التنمية الحقيقة وتصفيتها لتكون ملاءمة للبيئة والمجتمع الأردني وسياقات تطوره التاريخية وشكل علاقاته، لكني لا ألومهم فللأردن شيفرة خاصة لا يستطيع قراءتها وتحليل ما فيها من أسرار إلا من عرف طعم ترابها وخرج من قلب صخورها، الطالعين من عذاباتها المشتهين لصحراءها وماءها وسنديانها وبلوطها وزيتونها.


إن هذا العبث والتهريج الذي صدر على شكل نظام إدارة الموارد البشرية تغافل عن الهوية والتاريخ ، إن هذا العبث يجب أن ينتهي.

باختصار شديد يمكن أن أقول في الختام، أن فاتورة الإصلاح يجب أن يدفعها الجميع وبعدالة، لكن أن يتم تحميلها في كل مرة على كاهل أبناء الأطراف والشرائح المجتمعية الضعيفة فهذا ليس عدلا وغير مقبول ، يجب أن يشعر المواطن اليوم أنه ليس الخاسر الوحيد في أي معادلة إصلاحية، بل هناك من يتشارك معه الربح والخسارة.