قرارات الحكومة بين الرشادة والفردانية ...

قرارات الحكومة بين الرشادة والفردانية ...

المشكلة في تلك الخطوات الصغيرة التي قمنا بها ، ونحن نعلم تماما ما هو أثرها ، ما زلت أذكر ذلك المشغل الذي كان يدر على صاحبه عشرات الألاف من الدنانير شهريا ، وكان صاحب الملك يأخذ أقل من مائة دينار بدل أجرة في السنة ، مبنى وأصول وبضعة دنانير في السنة .

 وفي المقابل استطاع  المستأجر توظيف هذا المكان ليدرعليه ألافا ، طبعا هنا يوجد إستغلال للمكان وهذا جهد مقدر ودور واضح للمستأجر ، ولكن هناك توزيع غير عادل للثروة أو قل للمكتسبات ، ويبدو أن هذه هي عقدة العقل العربي ، طبعا ما حدث أن تصويب الخطأ خلق خطأ جديدا ، وهكذا نحن نعلق في دائرة من القرارات الخاطئة . 

في تلك اللحظة التي صمت فيها صاحب المشغل على هذه الحماية من القانون ، هو في الحقيقة خلق المشكلة ، هو يدرك تماما أن هناك مشكلة ، وكان يستطيع ببساطة اما شراء المكان ، أو دفع أجرة عادلة لصاحب المكان .

لكنه لم يفعل فهو مستفيد من هذا الوضع ، وهكذا ربما تبدأ كل مشاكل الحياة ، ألم يمتنع أصحاب الشقق في دمشق عن تأجيرها بسبب قانون مماثل ، ألم يخلق التأميم مشاكل اقتصادية وعمالية وتجارية وصناعية استمرت عقودا ، ألم تقف الحياة في مجتمعات كثيرة بسبب مثل هذه الإجراءات . 

في زيارات المغتربين تسمع لحنا عجيبا ، البعض يتألم عندما يتم إنتقاد البلد ويعتبر الأمر شخصيا ، والبعض يتألم لحال بلد كان له دور كبير في رفد المنطقة بكوادر مؤهلة متعلمة منتمية مخلصة امينة على قدر المسؤولية والواجب والأمل ، ما جعل العمالة الأردنية تحظى بسمعة طيبة في كل موقع حلّت به . 

لماذا نقف اليوم مترددين عاجزين محبطين ، لم نكن في يوم عجزة ولا ضعاف ولا خائري الهمة ، بل كنّا في القمة ، نعم لم نكن نملك يوما موارد طبيعية ولا كنوز ولا ثروات ، وكل مواطن أو على الأغلب تلك الفئة العظمى من الكادحين شق طريقه في الصخر ، ولكنه  صنع حاضرا هنا ومستقبلا هناك ربما ، نعم كان للعنصر الأردني دور في نهضة المنطقة ، ولكنه تراجع اليوم بشكل كبير .

في تلك القصة التي يترك فيها الرجل الغني لورثته مالا واصولا ، ولكنهم يضلوا الطريق فيضع المال وتضيع الأصول ، أو حتى تصبح تلك الأصول عبئا عليهم لا يستطيعون التعامل معه ، لم نكن في يوم هكذا ، ما الذي حدث ، هل هو عيب في الإدراة أم في العقلية أم في التوظيف أم هو تكاسل ادى إلى أن يسير الجمع ونقف نحن وتصبح المسافة بيننا كبيرة ، نعلم بأن الواقف يخسر مرتين ، فهو لم يتقدم خطوة ، وتقدم غيره خطوة ، وهكذا تضاعفت المسافة بينهما . 

تلك الخطوات البسيطة الفاعلة والفعالة هي التي تصنع الحركة والفرق في المجتمعات ، نعم للأسف المطلوب ليس بالكثير حتى يشعر الإستثمار بالأمان ، فقط ثبات في التشريعات ، قوة في الإنظمة ، حماية من الإستغلال .

 والباقي موجود فنحن دولة قانون ، ونحن والحمدلله ومنته وبفضل رجالاتنا المخلصين في الأجهزة الأمنية ننعم بأمان نسبي كبير ومتقدم حتى على دول غربية ، وهناك الكثير من القطاعات التي تتعافى سريعا مع أي حركة اقتصادية بسيطة ، ومواطننا مستعد أن يقوم برحلة إلى العقبة وليس في جيبه إلا مصروف جيبه ، وهذا مؤشر كبير على ثقة المواطن بمتانة الوضع في البلد مع كل الظروف الإقتصادية .

وحتى تدرك طبيعة هذا المؤشر عليك أن تعلم بأن المواطن الصيني أحجم عن الإنفاق والشراء والحركة ما سبب مشكلة إقتصادية كبيرة في الصين ، والسبب هو طريقة تعامل الحكومة الصينية في أزمة كورونا .

نعم نحتاج إلى تلك الخطوات التي تعطي الفاعلية لكل شيء حولنا ، لأن الحركة بركة ، وهذه الحركة يعود أثرها على كل شيء في المحيط ، فرحلة بسيطة تنشط قطاعات كبيرة ، وبناء هنا ومشروع هناك ، وزواج واسرة وشراء وبيع ونشاط هو في الحقيقة الحياة . 

نعود لحكومتنا الرشيدة لنحاول معها بأن تتحرك في مناطق خارج نطاق راحتها ، حتى تعطي تلك الحركة في المجتمع تلك الفاعلية المطلوبة .

 المواطن لديه اموال في البنوك ، والحكومة لديها مشاريع على الورق ، وهناك شركات مملوكة للحكومة تسعى لزيادة استثماراتها ، وهنا نتكلم عن الفوسفات والبوتاس مثلا ومشاريع بمئات الملايين ، وهناك قطاع سياحي كبير ينتظر الفرصة ، وهناك ناقل وطني ، وهناك مشاريع طرق حيوية معطلة بسبب نقص التمويل ، وهنا لو تم طرح هذه المشاريع للقطاع الخاص لتنفيذها ، وتصبح هذه الطرق طرق مدفوعة بنسب معقولة ، ما يساهم في حل مشاكل الطرق ويؤمن طريق اسرع وافضل واقل تكلفة للمواطن حتى لو دفع رسوم استخدام هذه الطريق ، وهناك مشاريع صرف صحي متوقفة وهذه ايضا من الممكن التعامل معها بنفس الطريقة بحيث وخلق مشاركة فاعلة بين المواطن والحكومة لحل المشكلة . 

المواطن يعتبر أن تصرفات الحكومة تصب في خانة واحدة فقط هي الجباية ، والتضيبق المتعمد لكل فرصة استثمارية في البلد ، وفي المقابل هناك بعض الوزارات والوزارء للأسف يعطي مؤشر واضح على هذا التصرف ويقع فعله في تلك الخانة التي يتوقعها المواطن ، وهنا للأسف تصبح الجباية والتضييق عبر مجموعة من التصرفات والإنظمة والقوانين هو ذلك العنوان العريض الذي يتحكم بتصرفات بعض الوزارء خاصة في قطاعات التعليم والصحة والبلديات والإستثمار .

 في المقابل نجد عجز واضح عندما يحتاج المواطن إلى سرعة في التصرف ، هذا التصرف يخدم مصالح وطنية ومواطن ، وفي المجمل في قطاع الخدمات مثلا ، وهنا تشعر بعجز كبير وبطء في الحركة  .
مع ان المصحلة العامة تستدعي ان تكون هناك استراتيجية واضحة في الاستثمار وفي التعليم وفي الصحة وباقي الوزارات ، ونحن لدينا رؤيا ملكية ولدينا اوراق ملكية ، ولدينا استراتيجية ملكية ، ولكن لا تكاد تشعر بوجودها بسبب الاجراءات الحكومية ، ويبدو أن عقدة الإشارة بالرأس هي السبب فيما يحدث في النهاية ، فهو أشار برأسه ولكن لا نية لديه للقيام بأي عمل . 

ربما ان المشكلة هي في محصلة القوى للفعل الذي تقوم به الحكومة دون أن تدرك ذلك مثل رفع اسعار الطاقة وعدم ثبات القوانين والأعفاءات التي تشجع الإستثمار او تسهل الاجراءات او عدم تأهيل موظف القطاع العام او عدم وضع عقوبات مناسبة لمن يثبت تورطه في تعطيل او تأخير او هروب مستثمر .

 فقد قامت الحكومات السابقة بجملة من الإجراءات كانت هذه الإجراءات سببا فيما وصلنا إليه اليوم ، وحصر هذه والوقوف عليها يحتاج إلى ورشات متعددة .

ولكن كل واحد من هؤلاء يدرك تماما ماذا فعل وكيف فعل وما هو الأثر الذي ترتب على هذا الفعل حتى وصلت القطاعات الصناعية والتجارية إلى هذه المرحلة .

 نعم هناك أمل يشع في هذه الظلمة هو في تلك الإستثمارات في القطاع الزراعي ، حيث يعمل الوزير بجد على وضع الأمور في نصابها وحماية وتشجيع وتنشيط هذا القطاع ، ولكن هل سيستمر هذا الجهد ويصبح العمل فيه مؤسسي يخضع لحماية مؤسسسية أم ان وزير قادم سيجعل كل ذلك في مهب الرياح .

إبراهيم ابو حويله...