متسول آخر صرعة… “كليك ومحفظة”
الأنباط- يارا بادوسي
كان مساء دافئًا في أحد الأحياء الراقية في العاصمة عمان، بينما كنت عائدة من عملي الذي طالما أحببت ، مستقلة سيارتي ، غارقة في أفكاري حول أمور الحياة والإلتزامات المالية المتراكمة، كنت أفكر في موعد حصولي على الراتب الشهري الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر.
احتجزتُ مع أفكاري على الإشارة الضوئية، لفت نظري مشهد غير مألوف عند زاوية الإشارة ، رأيت شاباً متواضع المظهر يتنقل بين السيارات بعجلة يحاول إستغلال فترة ظهور الضوء الأحمر على تلك الإشارة ، ويمد يده مشيراً بهاتفه نحو سائقي السيارات، وصل إلى نافذة سيارتي المهترئة وعلى استعجال منه طلب مني النقود وعندما أجبته بعدم إمتلاكي حتى قطعة نقدية واحدة ، استمر بطلبه بإصرار فأجبته بإمتعاظ " ما معي كاش” ، وبكامل الجدية رد قائلاً " حوليلي كليك” .
"حوليلي كليك!!! " …. تكررت الكلمة عدة مرات على مسمعي وكأن الشاب ما زال يرددها بجانبي ، لمعت الإشارة بلونها الأخضر ، تدافعت السيارات لإجتيازها، اكملت سلسلة أفكاري وأضفت إليها المشهد الغريب وأنا أتقدم بسيارتي مع تدفق الحركة المرورية، لم أستطيع أن أنسى الكلمة التي سمعتها من هذا الشاب الغريب صاحب التصرف غير المعتاد .
يوم آخر على حادثة المتسول الرقمي، هذا الشاب حرك لدي الحس الصحفي وقررت أن أعود إلى إشارته الضوئية، وألتقي به وأعرف ماهية وأصول مهنته ، صففت سيارتي الشاهد الوحيد على الحادثة ونزلت بنفسي أبحث عن الشاب ، استقبلني أحد أصحاب المحال التجارية المطلة على الإشارة ، بعد السلام والكلام أفصحت له عن سبب تواجدي وسألته عن الشاب الرقمي، أخبرني الكثير عنه وأنه معروف في هذه المنطقة كأشهر متسول بأساليب حديثة ومتعددة ، وأنه كثيراً ما يعتمد على المحافظ الإلكترونية وخدمة "كليك" في الحصول على النقود من المواطنين في امتهانه للتسول ، ويعتمد عليها بشكل كامل و يستغني عن الأساليب التقليدية بالتسول .
عدت الى سيارتي حاملة معي الدهشة ، لم أستطع إلا أن أفكر في كيفية تطور أساليب التسول لتتناسب مع العصر الرقمي ، بدا لي هذا الشاب رمزاً لجيل جديد من المتسولين، وحقبة جديدة لظاهرة كنا نعتقد أنها ثابتة مثل "التسول” ، تبادرت لذهني الكثير من التساؤلات حينها وهممت مسرعة إلى مكتبي في صحيفة الأنباط ، لأكتب هذه القصة والحادثة التي لم أجد إلى الآن لها مسمى واضح هل هي طريفة أم أنها بداية تحول كبير يعيد تشكيل ملامح حياتنا بطرق لا نزال نحاول فهمها وأدركت أنها ليست مجرد طلب بسيط للنقود.