بوليفارد العبدلي من التعثر إلى النجاح

بوليفارد العبدلي في عمّان بدأ كفكرة طموحة لإحداث تحول في أفق المدينة، ولكنه واجه العديد من التحديات منذ انطلاقه في العام 2004. ورغم التخطيط لتنفيذ المشروع بقيمة تتجاوز 5 مليارات دولار، إلا أن المشروع تعرض لتعثرات متعددة بسبب العقبات الاقتصادية، فالأزمات المالية العالمية أدت إلى تراجع مستوى الثقة لدى المستثمرين، وتأخر إنجاز بعض المراحل المخطط لها، مما زاد من تعقيد عملية التطوير، وأدى إلى تأجيلات مستمرة في التنفيذ. وهذه التحديات لم تكن محصورة فقط بالعوامل الخارجية، بل شملت أيضاً صعوبات إدارية ولوجستية داخلية أثرت في سير العمل بشكل ملحوظ، إذ إن التحديات المتعلقة بالتمويل وتأمين الاستثمارات الضرورية كانت من أبرز العوائق التي تطلبت حلولاً مبتكرة وإدارة فعالة لتجاوزها. الإدارة الجيدة للمشروع أدت دوراً محورياً في مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتوفير التسهيلات البنكية والإعفاءات الضريبية والجمارك لجذب المستثمرين، فكانت هذه الشراكات أساسية لإعادة الثقة بالمشروع وتأمين التمويل اللازم. وتم وضع استراتيجيات واضحة ومحددة للتعامل مع كل عقبة على حدة، مما ساعد على إعادة توجيه المشروع نحو مساره الصحيح، ففي العام 2014، افتتحت المرحلة التطويرية الأولى بقيمة استثمارية تجاوزت 2.4 مليار دولار، وشملت إنشاء بنية تحتية متقدمة ومتنوعة الاستخدامات، مما أسهم في تقديم منطقة مؤهلة وذات بيئة جاذبة؛ حيث تم إنجاز نسبة كبيرة من المشروع. وهذه المرحلة كانت خطوة مهمة نحو تحقيق الرؤية الأصلية للمشروع، حيث تم تنفيذها على مساحة 384 ألف متر مربع، وتضمنت إنشاء بنية تحتية متقدمة ومرافق متنوعة للاستخدامات المختلفة.

اليوم، وبعد 20 عاماً، أصبح العبدلي نموذجاً حضرياً مستداماً يعيد صياغة مفهوم الاستثمار العقاري والتطوير الإنمائي متعدد الاستخدامات، فالمشروع يضم أكثر من 500 شركة في 27 قطاعاً مختلفاً، مما يعكس التنوع الاقتصادي والاستثماري الذي تم تحقيقه. أرقام الزوار تعكس النجاح الكبير للمشروع، حيث استقطب أكثر من 21 مليون زائر في العام 2023، مقارنة بـ17.8 مليون في العام 2022، و14.6 مليون في العام 2021، و8.9 مليون في العام 2020، مما يظهر النمو المستمر والشعبية المتزايدة للمشروع. ويعمل في المشروع أكثر من 15 ألف موظف، مما يعزز الاقتصاد المحلي، ويوفر فرص عمل متعددة. كما أن حجم الدين للمشروع قد انخفض بشكل ملحوظ من 290 مليون دينار في العام 2023 إلى 99 مليون دينار في العام 2024، مما يعكس الجهود المستمرة في تحسين الوضع المالي وتقليل الديون. المستقبل يحمل الكثير للعبدلي، حيث بدأت المرحلة الثانية من المشروع بمساحة إضافية تبلغ 134 ألف متر مربع، مع التركيز على تنمية الاقتصاد الأردني وخلق فرص عمل جديدة.

 

العبدلي يواصل استقطاب الاستثمارات عالية القيمة، ويركز على تطبيقات الاستدامة، خاصة المتعلقة بالأبنية الخضراء وتقليص البصمة الكربونية، حيث تتضمن المرحلة الثانية تطوير الحدائق والمناطق الخضراء، والمباني متوسطة إلى عالية الارتفاع، والوحدات السكنية الفاخرة، والمكاتب الحديثة، والفنادق، ومناطق الترفيه التجاري الحديثة، ومرافق المساعدة المعيشية لكبار السن وذوي الإعاقة.

 

بالإضافة إلى مركز العبدلي للمؤتمرات، الذي سيكون الأضخم في المنطقة بسعة تصل إلى 25 ألف شخص، مما يعزز مكانة العبدلي كوجهة عالمية للتجارة والأعمال والتشافي والتسوق والترفيه. النجاح الذي حققه مشروع العبدلي يعكس قدرة الإدارة الجيدة على التعامل مع التحديات وتحويلها إلى إنجازات، فهذا النموذج يقدم دروساً مهمة حول أهمية التخطيط الاستراتيجي والإدارة الفعالة في تحقيق أهداف المشاريع الكبيرة.