بين الناخب والمرشح ...
بين الناخب والمرشح ...
هل نفشى سرا أذا قلنا الحاجة ثم الحاجة ثم الحاجة وهم خمس حاجات ، ولكن صبرا من أين أدركت أنهم خمس فقط ؟ ربما تزيد وتنقص ، ولكن لكي لا نبحر بعيدا فيجب ان نلتزم بشيء ما ، وليكن هرم ماسلو وإلا إتسع علينا الأمر ، فالحاجة الأولى هي كما رتب ماسلو في سلم إحتياجاته هي الفسيولوجية من غذا وماء وسكن وزواج ، فإذا تحققت هذه فهو حتما سيبحث عن التي بعدها .
عندها تصبح إحتياجات الأمان مقدمة ، فسلامة الجسد والأهل والأسرة ، وبعدها سيرتقي قليلا ليبحث عن الحاجات الإجتماعية من صداقة وحب وعلاقات إجتماعية ، ثم سيبحث عن التقدير والثقة تصبح مهمة هنا ، والمكانة في الجماعة والحاجة للإنجاز ، أن تسعى لتحقيق شيئ في هذه الحياة ، ثم في قمة الهرم ستبحث عن تحقيق الذات والإبداع .
المرشح يبحث عن تقدير الذات حتما ، فهو مشبع من القاعدة حتى قمة الهرم ولم يبقى لديه إلا تحقيق الذات والإبداع ، ولكن الناخب قصة مختلفة تماما ، فكل منهم قصة ، وكل يبحث عن ذاك الذي ينقصه ، فمن كان ينقصه شيء في القاعدة حتما لن يرقى درجة حتى يتم تأمين ما يحتاج إليه ، وهو ما يتطلع إلى ذلك المرشح المشبع بالحاجات والأشياء حتى يأمنه له .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ، هناك سيكولوجية مهمة تحكم المجتمعات أو الجماهير كما يسميها لوبون ، وهذه قصة مختلفة ، ولها ضوابط أخرى ، وقد تجد جائعا ما زال يسعى في قاعدة هرم ماسلو ، ولكنه ينخرط فيما تريده الجماهير ، ولو كان عكس مصلحته تماما ، وهل لهذا التوجه علاقة بالهرم أيضا ، فالإحتياجات الإجتماعية كما يسميها ماسلو تقع في وسط الهرم تماما ، ويقع تحتها الأمان والحاجات الفسيولوجية وفوقها التقدير وتحقيق الذات .
هو يخشى من مخالفة القطيع ربما ، وعذرا لقسوة الكلمة ، ولكنها مقصودة ، لأن الإنسان في هذه اللحظة يخالف المنطق والعقل والحكمة وينصاع مع القطيع ، وتصبح حاجات القطيع مقدمة على حاجاته ، حتى لو كان فيها هلاكه ، ألم ترى يوما إلى تلك القطعان من الحيوانات وهي تعبر براري إفريقيا وأنهارها ، ويأخذ المفترس منها من البر ومن النهر ما يأخذ ، وتستمر القطعان في مسيرها حتى تصل إلى تلك المنطقة التي تحقق نجاة القطيع وتحقق أهدافه أهداف القطيع أعني ، ولو كان ذلك على حساب نجاة الفرد منها .
ولكن مهلا أليس هذا هدفا بحد ذاته حتى للجماعات البشرية ، بأن يضحى الفرد في سبيل الجماعة ونجاتها ؟ نعم هو هدف ، ولكن عندما ينسجم هدف الفرد مع هدف الجماعة ، عندها فقط يحق لك أن تصرخ قائلا فزت ورب الكعبة ، نعم هو في الحقيقة مات ، ولكنه ليس موت كموت ، بل حياة في سبيل الحياة ، فهذا الموت يحقق هدفه الذاتي وهدف الجماعة السامي ، وليس تلك الأهداف التي تسعى إليها بعض الجماعات من المكاسب الشخصية والسلطة والسيطرة والمنفعة ، فهذه تحقق الفوز لمن هم في قمة الهرم ، وتبقى أنت مجرد بيدق على رقعة الشطرنج .
وبين هذه وتلك تقع تلك الحالة التي يجتمع فيها العبيد للقضاء على روما لا لشيء إلا من أجل الحرية ، نعم الإنسان قادر على نسف كل شيء ، والعودة إلى القاعدة لا للإنطلاق منها ، ولكن لإعادة توجيه البوصلة نحو الحق والعدل والحرية والمساواة ، فهو قادر على أن يجتمع مع مجموعة العبيد الجياع مثله ، ويختار منهم الأنسب والأفضل والأكفأ حتى لو لم يحقق شيئا في ذلك الهرم اللعين الذي يحكم البشر وتواجهاتهم ، ولكن هذا القائد قادر على أخراجهم من هذه القاع .
عندما يتحرر الإنسان من حاجاته ، من القلق والخوف والجوع ، ورغم ما فيه من حاجة يختار الأفضل لأنه الأفضل ، عندها يحقق مفهوم الذات الأسمى أو الأعلى التي يبحث عنها الفلاسفة والمفكرون ، وعندها يحقق مفهوم الخلافة والإستخلاف والقيام بواجبه كإنسان ، عندها يلتقى مع علم الله الأزلي في تحقيق الرسالة في الأرض .
وهذه ليست قصة مرشح وناخب فقط ، ولكنها قصة الإنسان المستخلف في هذه الأرض .
إبراهيم أبو حويله ...