د. خالد الوزني يكتب:الذكاء الاصطناعي فضاء شباب الأعمال

في قراءة نوعية حول الشركات الناشئة Startups في مجال الذكاء الاصطناعي وجدت دراسة حديثة غطَّت تلك المشاريع الناشئة التي تلقَّت تمويلاً يزيد على 1.5 مليون دولار في 15 دولة حول العالم، في الفترة من 2013 إلى 2023، أنه تمَّ إنشاء ما يقرب من 11 ألف شركة ناشئة في الدول الخمس عشرة، بيد أنَّ نحو 72 % منها انطلق في ثلاث دول رئيسة، هي الولايات المتحدة الأميركية التي سيطرت على نحو 50 % من العدد الإجمالي للشركات، بما يزيد على 5500 شركة ناشئة، ثمَّ الصين بنحو 1400 شركة، وفي المركز الثالث جاءت بريطانيا بنحو 700 شركة. واللافت للنظر أنَّ تلك الشركات الناشئة تلقَّت نحو 335 مليار دولار من التمويل في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر (2013-2023)، في حين حصلت الشركات الصينية على 135 مليار دولار، والبريطانية على 22 مليار دولار، أي إنَّ أسواق تلك الدول ضخَّت تمويلاً في الشركات الناشئة للذكاء الاصطناعي بما يقرب من نصف تريليون دولار. إنَّ ما يستحق الدراسة هنا ما أظهره المسح الذي أجرته الدراسة في نطاق توزيع مجالات عمل تلك الشركات خلال السنة الأخيرة، حيث جاء في المقام الأول مجال الاستثمار في البنية التحتية وحاكمية الذكاء الاصطناعي، وهي تلك الاستثمارات التي تغطّي مجالات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من قبيل تطبيق ChatGPT وما يماثله. وفي المقام الثاني تطبيقات اللغات الحية، وهي التطبيقات التي تساعد الحواسيب على فهم وتفسير اللغات الحية للبشر بشتى لهجاتها وتركيباتها، ثمَّ تأتي بعد ذلك ثلاثة مجالات متقاربة، هي إدارة البيانات، والرعاية الصحية، والمركبات ذاتية القيادة. الشاهد من كلِّ ما سبق أنَّ الشركات الناشئة هي في الأساس نتاج عمل واهتمام شريحة الشباب بشكل أساسي، وحينما يتم إسقاط ذلك على الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، وعلى المجالات التي تمَّ التركيز عليها، فإنَّ النتيجة الحتمية هي الخروج إلى ما بعد فضاء الحدود، والمساحات الجغرافية، والبيئة الجيوسياسية، نحو فضاء المعرفة، والتواصل اللامحدود بين شباب العالم، وكذلك، والأهم، الإبحار نحو استكشاف الطاقات الشبابية القادرة على كسر قيود الوظيفة، والأجر، وساعات العمل، وتوظيف كلِّ ذلك لتحقيق مستوى حياة ذات جودة مختلفة التصنيف والتوصيف، قد لا تحكمها قواعد الاقتصاد في المنفعة الحدية المتناقصة، أو تناقص الغلة.

بقي القول إنَّ المنطقة العربية، التي يشكِّل فيها الشباب نحو 60 % من التركيبة السكانية، لم تظهر بعد على خريطة الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد يكون ذلك لنقص التمويل المتاح، أو لعدم توافر البيئة المُحفِّزة، أو الاثنين معاً. من المأمول أن تقود دول في المنطقة هذه الطاقات في المرحلة المقبلة، وباعتقادي أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هما الأكثر تأهيلاً لاستقطاب الطاقات الشبابية المحلية والإقليمية والعالمية، إلى فضاء وخريطة الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة فيه قريباً.