ذرية وموضوعية وذاتية...

إبراهيم أبو حويله


بين الفكر والأفكار، وبين الواقعية والوقائعية وبين الموضوعية والمواضعية.

رائعة تلك الوقفة التي أطلقها د المسيري وهو يشرح حال البعض في التعامل مع الواقع والفهم والفكرة والموضوع .

البعض يحاول أن يفهم ولكنه فهم ذري ( واعني بذري هنا هو تقسيم الموضوع إلى اجزاء ذرية صغيرة ، بحيث تتشكل صورة واضحة عن هذه الاجزاء الذرية ) ولكن للأسف كما أشار إلى ذلك بن نبي سابقا نبتعد عن الصورة الكلية ، هذا الفهم الذري تصطدم به كثيرا في حياتك .

فالبعض ممن يحمل شهادات عليا في تخصص معين ولكن فهمه ذري موضوعي ، أي أنه أستوعب الموضوعات المتفرقة استيعاب ذري تفصيلي تصويري ، ولكنه عاجز عن تكوين صورة مجسمة متكاملة للموضوع ، وتجد هذه الحالة في الكثير من التخصصات من الإقتصاد إلى الطب إلى علوم الشريعة ، فضلا عن العلوم الاخرى المختلفة .

وهو كما أشار باحث أخر فإن نقل المعرفة هو في الحقيقة القدرة على نقل ما تراه ، أو ما تعرفه بصورة تفصيلية واضحة بحيث تصل الى الأخر واضحة ، على تلك الصورة الموضوعية التي ترى فيها الحدث ، وبشكل مجرد بعيد عن تأثيرك الشخصي او رأيك الشخصي .

وهنا تقع في نظرية اطلق عليها البعض نظرية العميان والفيل ، فمن وقعت يداه على قدم الفيل يصف قدم الفيل وصفا موضوعيا دقيقا مجردا ، ومن وقعت يداه على الخرطوم يصف خرطوم الفيل وصفا موضوعيا ، ومن وقعت يداه على جسم الفيل وصف الجسم.

ولكننا في الحقيقة بحاجة إلى ذلك الأعمى الذي يملك قدرة ذاتية على تجميع صورة ذاتية من مجموعته ، التي كونت صورة موضوعية عن الاقدام والجسد والرأس والخرطوم والذيل ، ليعطي صورة واضحة ذاتية عن الفيل بعد أن يجمع الأجزاء في ذهنه ، ويضع كل عنصر في مكانه .

وإلا بقينا محبوسين نظريا في تلك النظرة الموضوعية لكل أعمى ، وضمن نظرته الموضوعية عن الفيل ، بعيدا عن الصورة الحقيقة التي تشكلها تلك الذات الواعية التي نبحث عنها في كل موضوعاتنا الرئيسية ، وقلما نجدها ، ذلك الاعمى الذي يستطيع تجميع صورة حقيقة ذاتية عن الفيل وايصالها لنا .

نعم هي نظريا فهم ذري ذاتي جزئي مقتطع من الكل للحقيقة ، وهو جزء من الحقيقة ولا ريب ، فالقدم من الفيل حتما ، ولكن هذا الفهم قائم على نقل الصورة الحقيقية عن كل طرف ، إلى ذلك الذي يملك الذات الواعية لتشكيل الصورة الكاملة عن الفيل .

والا فبدون هذا سنبقى محصورين في افهام جزئية ، او افكار جزئية ولكننا لا نملك صورة ولا شبه صورة عن الحقيقة ، نحن غارقون في القدم والخرطوم والجسد الدائرى والذنب الرفيع ، ولكننا لا نملك صورة عن الفيل .

فهذا يملك جزء من الحقيقة ولكنه لا يملكها وهكذا ، فهي مجموعة أفكار جزئية أو ذرية عن أجزاء أصغر ولكنها ليست الحقيقة كاملة، ليست الفيل بصورته الكلية .

وهكذا نحن في الحياة غارقون في أجزاء وذرات هنا وهناك ولكننا في الحقيقة بعيدون عن الفكرة الكلية، عن الحقيقة الكلية وغارقون في الفروع .

الآن خذ هذا الفهم وانطلق به لتحاول أن تكون أنت الذات الواعية التي تحاول ان تفهم المشكلات حولك ، ومنها مشكلة غزة ، ومشكلة المواطن العربي ، ومشكلة التعليم ، ومشكلة الصناعة أو أى مشكلة تواجهها قي حياتك .

هذا هو التنميط الذي حاول المسيري نقله إلى العقل العربي ، ليتعامل مع قضاياه وفق أنماط معينة واضحة مبنية على الدراسة والتحليل للوصول إلى المشاكل المتراكمة والمعقدة .

وحلها وفق عقلية علمية ذاتية تستقى مصادرها من ناقل موضوعي دقيق لتصل إلى الحقائق الكاملة ، وأثرها في الفرد والحياة والمجتمع والمستقبل .

وهذه محاولة للفهم .