الخزاعلة يكتب: علي السحيمات التاريخ النظيف

سالم الخزاعلة

ودع الأردنيون رجلا من رجالات البلاد الكبار بعد ان خاض معركة الحياة بفروسية قل نظيرها وبعد ان تلمس الدرب الخشنة في رحلة الحياة الشاقة ومعتركاتها، فشق الدرب الوعرة من سهول الكرك يتيما وطالبا نجيبا ووطنيا مبتدءا الى ان أضحى علما اندمج في هم الامة معبرا في وعيه المبكر عن روحه العربية الوثابة وانطلق في الرحلة الصعبة ولم يهن بل كان المهندس المميز المقدم والفارس النبيل محاطا بخلقه الرفيع وأيمانه بالناس الطيبين الذي حرص أن يكون لهم السند حتى قضى الله أمره.


رحل علي السحيمات الزاهد في مشهد السياسة بعد أن خاض غمارها، موظفا ووزيرا وأداريا ناجحا، وغادرها عندما أندس الكثر من المتأبطين التزلف والرياء يجرون الناس الى قن السياسة الفاسدة في مرحلة يتقدم فيها الزيف على الحق وأصبحت الوطنية لمن أدعى وليس لمن صدق وانتمى، فنأى بنفسه وخطه الشريف واندمج في العمل المبدع على أمتداد الدنيا فأنجز أيما انجاز، وحاز الثقة والاحترام من كل من عرفه وعاشره. عندما يعيش البعض على ربع فكرة او أنجاز موهوم، كان يبتعد ويبتسم فلا تربيته ولا مبادئه، ولا المدرسة التي تحكم فكره وروحه تتيح له أن يدخل نادي المؤلفة قلوبهم وذوي المصالح. لقد عاش حرا وبقي حرا صاحب فكر وبصيرة وخط في الحياة لا يحيد عن الحق والشرف.

من الكرك الابية خشم العقاب، الى عمان الى الجامعة الأميركية في بيروت، الى أوروبا وامريكا، الى السعودية وكازاخستان ليشرف على المخطط الشمولي لمدينة أستنا العاصمة الى بريطانيا حيث كان عضوا لمدة طويلة في مجلس أدارة مركز الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد. طاول السحاب والعلى وأحرز النجاح والتميز وقبض على المجد المشرف، طوى الدنيا والاعمال والرجال ولم يطاوله احد في رفعة الخلق والنجاح في العمل ونظافة اليد ومخافة الله وحب الناس البسطاء والفقراء فبذل من علمه وجهده في خدمة بلده ومن قلبه وماله لكل محتاج فلا تعرف شماله ما انفقت يمينه.

رحلت رفيقة دربه فبقي وفيا لها وبنى عائلته على المحبة والوفاء والانتماء وحب الخير فقد تربى في بيوت أهله الطيبين وأعمامه من رجالات الأردن الخيرين، كان جزءا من تاريخ البلاد ونجاحاتها في سني المجد الأردني وجزءا من الصورة الجميلة لهذا التاريخ المجيد، ففي كل المؤسسات التي عمل فيها بجدية وحرفية المهندس الذي بقي محافظا على أحترام قواعد وأصول علم الهندسة ومنهجياتها. ولكنه خلط المهنية بالمبدأ الذي ترسخ في روحه العربية القومية التي علمته ان لا يحيد عن الدرب وبقي ممسكا بجمرها حتى طواه الثرى. لكنها الذاكرة المثقوبة اليوم لا تذكر مسيرة الرجال من بناة الأردن الذين أشرقت شمسهم في التاريخ الصعب من عمر الوطن، وتظن عليهم بالذكر لكنهم خالدون في قلب الارض الطاهرة وفي ضمير الشرفاء، وها هم يرحلون ويبتعدون ولكنهم يعودون الى حضن الوطن الذي كانوا على ثراه حقول قمح وسنابل من ذهب، وغلال ودحنون وشيح وقيصوم، حيث العدل والسكينة الأبدية لتمنح كل نفس ما كسبت.
نودع العم والأستاذ والفارس بعد أن عرفناه سنين طويلة لم يتغير، حافظ على نظافة القلب ووضوح الوجه وصدق اللسان، نقيا طيبا صلبا حرا عربيا أردنيا يرحمه الله.