الانقراض السادس: انقراض الثديات


د.أيوب أبودية

حديثنا هو عن الانقراض السادس الذي نعيشه اليوم في ظل ارتفع معدل درجة الحرارة للهواء المحيط بنا 1.5 - 2 درجة سلسيوس في القرن الحادي والعشرين مقارنة بما كانت عليه عند بدء الثورة الصناعية الأولى، أي في نهايات القرن الثامن عشر.

من الصعب تحديد حالات الانقراض التي ترجع فقط إلى تغير المناخ، حيث تساهم عوامل مختلفة في كثير من الأحيان في إنجاز مهمة الانقراضورغم ذلك ناقشنا في ما سبق حالات الانقراض الكارثية الخمس الكبرى التي تعرضت لها الحياة على الأرض. وقد آن الأوان أن نناقش آثار التغير المناخي المعاصرة منذ انطلاقة الثورة الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر، وتحديدا مع دخول معدل ارتفاع درجة الحرارة درجة ونصف سيلسيوس وفقا لمرصدكوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي.

واجهت الكثير من الأنواع الحية صعوبات في الحفاظ على جنسها مؤخرا، مثل برامبل كاي ميلومي Bramble Cay Melomys ، وسلحفاة جزيرة بينتا، وأنواع مرجانية مختلفة، حيث واجهتانخفاضًا كبيرا في أعدادها يُعزى جزئيًا إلى تغير المناخ.فالبرامبل كاي ميلومي كانت نوعاً من القوارض يعيش بشكلأساسي على جزيرة برامبل كاي، وهي جزيرة صغيرة تقع في الجزءالشمالي من الحاجز المرجاني العظيم في أسترالياهذا النوع منالقوارض الذي يُعتبر من أوائل الثديات الذي ينقرض حديثابسبب تغير المناخ الحديث، حيث أُعلن رسمياً عن انقراضه في العام2016. 

انقراض البرامبل كاي ميلومي يعود بشكل رئيسي إلى ارتفاعمنسوب مياه البحر الذي أدى إلى تقليص موائل هذه القوارضالطبيعية ونفاذ مواردها الغذائيةهذه الظروف جعلت من الصعبعلى هذه القوارض الصغيرة البقاء على قيد الحياة، مما أدى فيالنهاية إلى انقراضها.

وتشير تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC إلى أن استمرار الاحترار بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية في السنوات القادمة، إذ يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات أكثر خطورة على التنوع البيولوجي، مما قد يساهم في تصاعد معدلات الانقراض. فبعض الانقراضات البارزة المرتبطة بتغير المناخ تشمل الضفدع الذهبي، ودولفين بيجيوغالبًا ما تُعزى هذه الانقراضات إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك فقدان الموائل والتلوث وتغير المناخ. مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، تواجه العديد من الأنواع ضغطًا متزايدًا على موائلها وأنظمتها البيئية، مما يعرضها لخطر الانقراض. 

أما الضفدع الذهبي Golden Toad فهو ذاك النوع من الضفادع الذي كان يعيش في مرتفعات كوستاريكا، وهو معروف بلونه الذهبي البراق. يُعتقد أن انقراضه في أواخر الثمانينات يعود إلى مجموعة من العوامل بما في ذلك تغير المناخ، الذي أدى إلى تغيرات في أنماط الهطول وزيادة الجفاف والعزلة الجغرافية، بالإضافة إلىانتشار الأمراض، مثل فطريات الجلد.

ودولفين البايجي Baiji Dolphin كان يعيش في نهر اليانغتسي في الصين وانقرض في بداية القرن الحادي والعشرين. مجموعة عوامل، مثل التلوث الشديد، الصيد الجائر، والأنشطة البشرية الأخرى هي التي أثرت على نهر اليانغتسي، مثل بناء السدود وتعاظم حركة الملاحة الثقيلة، هي في مجموعها تسببت في انقراض هذا الدولفين النهري.

وفي حين أنه من الصعب أن نعزو حالات الانقراض بشكل مباشر إلى تغير المناخ فقط، إلا أن هناك العديد من الأنواع التي واجهت انخفاضا حادا مرتبطا بتغير المناخ. ومن الأمثلة على ذلك وحيد القرن الأسود الغربي، وألاوترا جريبي، وجزيرة كريسماس بيبيستريل. وغالبا ما تنتج هذه الانقراضات عن مجموعة من العوامل مثل فقدان الموائل، وهجوم الأنواع الغازية، والتغيرات المرتبطة بالمناخ التي تعطل النظم البيئية فتحرم الفصائل الحية من التكاثر. ويؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه التهديدات، مما يجعل البقاء على قيد الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للأنواع المعرضة للخطر.

وحيد القرن الأسود الغربي كان يتواجد في مناطق مختلفة من إفريقيا، لكن بسبب الصيد الجائر للحصول على قرونه، بالإضافة إلى فقدان الموائل الطبيعية، تم إعلان انقراض هذا النوع رسميًا في عام 2011. ووحيد القرن الأسود الغربي كان يُعد أحد الأنواع الفرعية لوحيد القرن الأسود.

أما خفاش جزيرة كريسماس Christmas Island Pipistrelleفهو نوع من الخفافيش كان يقطن جزيرة كريسماس في المحيط الهندي، وأُعلن عن انقراضه في عام 2009. الأسباب الدقيقة لانقراضه غير معروفة تماما، لكن من المحتمل أن تكون بسبب التغيرات في الموائل، وانتشار الأمراض، والتدخلات البشرية، مثل استخدام المبيدات الحشرية.

إن تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي العالمي عميق، حيث تتأثر العديد من الأنواع بارتفاع درجات الحرارة، وتغير الظروف المناخية، والتغيرات البيئية المرتبطة بها. وفيما يلي بعض الأمثلة الإضافية للأنواع التي تأثرت بشكل خطير بتغير المناخ في القرنين الماضيين، إلى جانب بعض الإحصائيات حول فقدان التنوع البيولوجي:

الومبت الجليدي Mountain Pygmy Possum، وهو نوع منالثدييات الصغيرة المستوطنة في مناطق جبال الألب الأستراليةهذاالحيوان الصغير يعيش في المرتفعات العالية حيث يكون الغطاءالثلجي مهما جدا لبقائه، إذ يعتمد بشكل كبير على الثلج لسباتهخلال الشتاء، حيث يساعده الثلج في الحفاظ على درجة الحرارةوالرطوبة المناسبتين في بيئته الطبيعيةكما يوفر الغطاء الثلجيحماية من الحيوانات المفترسة. ومع تغير المناخ وارتفاع درجاتالحرارة، يتناقص الغطاء الثلجي في مواطنها، مما يؤدي إلى تقلصالمساحات الصالحة لسبات هذه الحيوانات وتعريضها لخطرالانقراض.

ارتفاع درجات الحرارة أيضا يمكن أن يؤثر على توافر الغذاء وجودةالموطن، مما يزيد من التحديات التي تواجه بقاء الومبت الجليدي. كذلك الدب القطبي، وهو أكبر الحيوانات المفترسة على اليابسة، بات يواجه تحديات جسيمة بسبب التغيرات المناخيةموطن الدب القطبيالأساسي هو البيئة الجليدية في القطب الشمالي، حيث يعتمدبشكل كبير على الجليد البحري للصيد والتنقل بين مناطق الصيدالتي يستهدف فيها الفقمات بشكل أساسي. 

ومع تزايد ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تتقلص مساحات الجليدالبحري بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى تقليل المناطق التي يمكنللدببة القطبية الصيد فيها، ويزيد من الفترات التي يجب عليها أنتقضيها على اليابسة، حيث يصعب الحصول على الغذاءوهذايؤدي إلى نقصان في وزن الدببة وتدهور في صحتهم العامة، كمايؤثر على معدلات تكاثرهم وبقائهم على المدى الطويل.

وهذه الظروف الصعبة قد تدفع الدب القطبي نحو خطر الانقراضإذا استمرت معدلات الذوبان الجليدي والاحترار العالمي فيالتصاعدلذلك، فالجهود الدولية للحد من تغير المناخ والحفاظ علىبيئة القطب الشمالي تعد حيوية لضمان بقاء هذه الأنواع.

وفي مناطق مثل الدول الاسكندنافية، يتعرض الثعلب القطبي الشمالي للتهديد بسبب زحف الثعلب الأحمر، وهو المنافس الذي يتحرك شمالاً مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مما يغير التوازن التنافسي ويعرض الثعلب القطبي الأصغر حجماً للخطر.

وقد أفاد الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة IUCN أن حوالي 25% من الثدييات معرضة لخطر الانقراض، مع كون تغير المناخ عاملاً مهمًا للعديد من هذه الأنواع، إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق تفاقم التهديدات الحالية، مثل فقدان الموائل. وبذلك فإن جرس تعاظم خطر الانقراض قد قرع، وبحاجة إلى استجابة فورية من الجميع.