أفغانستان الدرس والعبرة ...
إبراهيم أبو حويله
بالأمس وقفت مع احد قوات حفظ السلام المتقاعدين، قال لي انه خدم في أفغانستان، وهناك اضطر البعض نتيجة لظروف الحرب لتنظيف المعسكر ليأخذوا بقايا الأطعمة...
أليس التنافس والتطاحن والبحث عن الآنا وإيجاد المكان للفرد أو لجماعة دون جماعة أو لفئة دون فئة هو صورة من صور النهاية ، أن تظن أنك تستطيع أن تحكم من تريد كما تريد إذا ملكت القوة ، وهل نجحت هذه النظرية في الحكم على مدى التاريخ إلا لفترات محدودة وبعد ذلك خسرت هذه الفئة كل شيء ، أليس أقرب طريق للقلوب وللعروش ولتستمر هذه العروش وتزدهر هو العدل والمساواة .
هل قبل إعطاء الحرية ينبغي ان نعرف معنى الحرية ، هل قبل تبني الرأي يجب أن نعرف الرأي الأخر ، هل قبل أن نحاكم الأخر يجب أن نعرف حدود الدين في مفهوم الإنسانية ، وإلا كانت الحالة هي ما نراه اليوم في معظم بلدان العالم الإسلامي ، بين من يملك ومن يدعي ، ومن يعلم ومن يستطيع أن يطبق هناك بون شاسع بينهم .
ما تم غرسه هنا أن المشكلة في أفغانستان هي في الدين ، والدين منها بريء ، ولأن المشكلة في العقول كما سيتضح بعد ذلك بغض النظر عمّا تتبناه هذه العقول من مواقف ومظاهر ، أرادها هؤلاء دولة شيوعية ، وبما أنها تجاور الإتحاد السوفياتي فكل الخطوط من الدعم المالي والعددي والأسلحة متاحة ، فقد حصلوا على الدعم والمباركة لبدأ الثورة ، وبدأت الثورة .
وهي في الحقيقة ثورة على الدين والمجتمع ، وإستهداف لكل مظاهر التدين والتعاطف مع الدين ، وحتى الفكرة والشعور كانا مرفوضين ، وكان الثمن أكثر من عشرة آلاف قتيل ، ومئات آلاف من المسجونين بتهم التدين والتعاطف والتصالح والتآمر والتصفية ، ومعاداة الأخر والفكر الأخر والحزب الأخر ، وكل ذلك بإسم محاربة التدين .
ألم أَلم بهذه الأرض التي لم يستطع أحدٌ أن يحتلها خلال ٢٤٠٠ سنة الماضية ، أو ربما هي حالة ما بعد النصر أو ما بعد الهزيمة ، أو هي حالة تقف فيها حائرا هل ما تعيشه أفضل أم أن التغيير لا بد أن يحمل الأفضل ، ولكن هل يحمل التغيير دائما الأفضل .
وعندما تعرف أن كابول كانت عاصمة تضاهي العواصم العربية إذا لم تكن أفضل ففي ستينيات وسبعنيات القرن الماضي كان فيها جامعات ومدارس وحضارة ومدنية ، ومؤسسات مجتمع مدني وكانت تنافس بجمالها و شوارعها وإستقرارها وإزدهارها مدن غربية .
نعم كان فيها ملكية لا تهتم كثيراً بالدين، وهذه ليست دعوة للسكوت ولا دعوة لنبذ الدين ، ولكنها دعوة لتصحيح مفاهيم البشر عن الدين ، ولا أقول تصحيح الدين حاشا لله أن أقول بهذا ، ولكن بدون وعي ومعرفة ومؤسسات علمية وعلماء محترمين مقدريين ، وبدون زرع الخوف من الله وحده ، دون محاباة لسلطة ولا لشعب على حساب ما يرضي الله ورسوله لن يستقيم الأمر ، و كيف إذا كان الكل يدعي وصلٍ بليلى ، وليلى لا تقرّ لهم بذلك.
أفغانستان الملكية تركت لهم الخيار الذي يريدونه بدون ضغوطات ، وبدأت المشكلة مع العائدين من الإتحاد السوفياتي ، والذين تم غسل أدمغتهم وغرس الفكر الشيوعي في هذه الأدمغة الشابة التي تم إبتعاثتها من قبل بلادها لتنقل الحضارة والمعرفة والعلوم ، لا لتغير دين الأمة وعاداتها وأعرافها وتقاليدها.وهي في الحقيقة ثورة على الدين والمجتمع .
ودخلت البلاد في إنقلاب على أثر إنقلاب ، وأصبحت الفوضى هي الحالة القائمة وضاعت المقدرات والمؤسسات والدولة العميقة إن شئت أيضا، ولم يستطع أحد بعد ذلك أن يعيد لهذا البلد الإتزان .
ودخل الروس لحل المشكلة ، وتم احتلال البلد تحت مسمى التحرير أو مسمى الإنقاذ ، أو إخراج البلد من حالة الفوضى التي خلقها الشيوعيون اصلاً .
عندها إنطلقت شرارة الثورة الإسلامية بعاطفة ودعم من كل الدول الإسلامية ، ومباركة ودعم من راعي الحرية العم سام ( وارجو أن تضع مائة خط تحت هذا )وقليلا قليلا دخلت البلاد في نفق على أثر نفق وقتال على أثر قتال وكل له أسبابه ودوافعه ، والمقتول لا يدري فيما قتل ، والقاتل يتوقع أن يقتل في أي لحظة .
والخاسر الأكبر هو شعب لا يدري كيف حدث كل ذلك ولا السرعة التي حدث فيها ، فهو يستيقظ وينام على أحداث جسام ، وضاعت ملامح البلد وضاع شعب ، وقتل وتيتم وأصبح هذا البلد بلا جامعات ولا مستشفيات ولا مدارس .
وقل ان شئت بجماعات يدعي كل منها أنه يقيم الدين ، وكل يدعي أنه يملك الحقيقة ، وفي الحقيقة كل يسعى لرضى الجهات الداعمة والعم سام ليملك الشرعية والقوة اللازمة للحكم .
تحررت البلد من الشيوعية والروس لاحقا نعم ، ودخلت هذه الجماعات التي يدعي كل منها أنه يملك الحقيقة وأنهم مجاهدون في حرب على السلطة .
وهنا اذكر موقفا لأحد العلماء المخلصين الواعيين هو خالص يونس رفض هذه المطاحنة بإسم الدين ورفض الانخراط في هذا الصراع واعتزل الفتنة .
ودخلت البلد في نفق مظلم يسوده الفقر والتخلف والعصبية ، وهل خرج منه بعد ؟ أم ما زال ضحية صراع بدأ ولم ينتهي الى اليوم ؟
(جاء في سراج الملوك لأبي بكر الطرطوشي :قال عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ما بال أبي بكر وعمر انطاع الناس لهما، والدنيا عليهما أضيق من شبر فاتسعت عليهما ووليت أنت وعثمان الخلافة ولم ينطاعوا لكما، وقد اتسعت فصارت عليكما أضيق من شبر؟
قال: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك).
ربما يجب ان نعود إلى بناء الإنسان وتأصيله وتعليمه العلم السليم وفق الأسس السليمة الربانية ، وعندها قد يصلح الحال ، وإن ساء فأقل القليل يسوء بين قوم على قدر من العلم والفهم ويعرفون حدودهم.
الكثير من المعلومات من برنامج للجزيرة الوثائقية .