الذات المستقلة ...


ابراهيم ابو حويلة
كيف بوطن كان له الفضل في كل ذكرى وفكرة وبناء وعلم ومعرفة وحب وراحة وعطف وجمال وألم أيضا ، الا يستحق قليلا من الحب أو العشق في المعاملة ، حتى لو كان سببا في الألم أحيانا .

إذا تعددت الواحد فقد ضاع الوطن ، هل الوطن أرواح وجدت بعضها هناك في تلك البقعة من الأرض ، لها وجد وهم وهموم وتعشق وتكره وتبحث في كل ذلك عن نقاط تلتقي عليها ، وهكذا وجدنا أننا نحب معا ونكره معا ونرتاح معا ولا يشعر الواحد فينا أن الآخر غريب عنه ولكنه هو والأخر واحد ، نعم قد يختلف مع نفسه وقد يتفق ولكنه في كل الأحوال يبقى ذلك الشعور الذي يجلعك تعتقد بأنكم واحد ، هذا هو الوطن . 

هناك أنواع من البشر لا تقبل الواقع، بل تسعى لتغيّره والأغرب كيف تلتقي .

أفكر أحيانا كثيرة في هذا بين صناعة الأنسان بذاته المستقلة القادرة على التمييز بين الصواب والخطأ .

تلك الذات المستقلة بضمير منفصل وقدرة أخلاقية مرتفعة ولها ميزانها وإستقلالها .

ولديها القدرة على إتخاذ القرار وعلى التنفيذ عندما يكون القرار صوابا.

وعلى عدم التنفيذ عندما يكون القرار ظلما أو تجاوزا أو سرقة .

عندما لا يتفق القرار مع الضمير الإنساني الراقي، فإنه لا ينفذ .

وبين تلك القدرة على البقاء في الجماعة وتحقيق أهدافها التي تنسجم مع الرسالة العليا للبشرية أيضا ، فالفرد يحتاج إلى الجماعة للإستمرار .

فالإنسان بدون الجماعة كلٌّ لا فائدة منه وفرديته عبء عليه وعلى المجتمع .

وبالتالي تلك الحكمة بين الفردية والجماعة هي التي تحقق المصلحة العليا للجميع .

وبنفس الوقت فإن هذه الجماعة هي الضامن من الوقوع في الخطأ أو التجاوز او الظلم ، كما أنها الدافع للقيام بذلك أحيانا أخرى .

وكل ذلك بسبب ضميرها الراقي المرتفع أو العلل والمرض التي تنال من ذلك الضمير .

هذه معضلة من نوع ما  ؟

العدالة أسمى وهل كانت الحقوق بين الشعوب يوما مبنية على العدالة ، وإنسحبت هدأ كل شيء فجأة ، فقد كل شيء جماله أصبح شيئا فجأة لم تعد فيه حياة ، مع أني كنت أظن انها تحمل الكثير ، ولكن هذا الكثير أتضح أنه أكثر بكثير ، كيف للإنسان ان يحقق بالحب العدل.

ما عرف الحب من لم يتحسن ، لأنه بحبه يسعى لخلق افضل واجمل ما يستطيع لمن يحب  ، وكيف سيتحق لهم امن وامان وبيئة نظيفة وجميلة بدون عدل ، نعم أخاف عندما ينقلب الحب إلى حرص أو أنانية ، لانه عندها يكون عنصر هدم لا عنصر بناء .

ويجب أن  يكون الحب عنصر بناء .

كم أخاف من عقل لا يعرف حدا ولا يعرف الهدوء له طريقا .

لأن البشر يعيشون اللحظة وينسون ما بعدها ، وربما لذلك يحدث الأسوء بينهم ، كم علاقة هناك كانت هادئة وادعة بناءة  وأنتهت بالخراب .

وكم علاقة هناك بدأت وأستمرت وأزهرت وأثمرت، وحبا إستمر بعد أن تفرقت الأجساد .

حبا أستمر بعد أن تفرقت الأجساد ، ما أحوجنا في هذا الزمان إلى هذا النوع من العشق، العشق البناء كما يقول بن الرومي ، فقد سكن القلوب الخراب.

 وترى بعينيك من عاش عمرا  في وطن أنقلب عليه وأراد له الدمار، فأين كانت كل تلك المشاعر والأحاسيس .

وهل ينقلب الحب كرها إلا في غياب الأخلاق ، حتى عندما يصل المرء إلى مرحلة لا يستطيع فيها تحمل الآخر، ولا الإستمرار معه عندها تتحكم به الأخلاق فيصبر أو يترك بمعروف ، فصبر او ترك بمعروف .

فكيف إذا كان الوطن هو من يشعرك بالأسى بسبب ظلم أو تجاوز أو حرمان أو فقد ، عندها يجب أن تستحضر كل الأشياء الجميلة الأخرى حتى تتجاوز هذه الحالة .

من يبحث عن المخرج يبقى المخرج قائما في ذهنه .

وقد يكون الإفراط في الحذر هو خوف بلا طائل .

عندما تؤمن بأن الإنسان كلما علت أخلاقه ومبادئه فإنه يتلطف في الفراق كما يتلطف في اللقاء، ويؤدي ما عليه فيه تماما كما يؤدي ما عليه في حال الحب، وربما بسمو أعلى قليلا لأنه يتذكر ما كان بينه وبين هذا من معروف ومودة وعشق وذكريات جميلة .

 ولما تتعب نفسك في كل هذا، وهل لهذا الجهد من أثر بعد ذلك، وكل شيء متاح لك كما تريد وزيادة.

كل الذي حدث في هذا العالم من لحظة النشوء إلى هذه اللحظة، والذي حدث في اوروبا، سببه أمثال هؤلاء الذين لا يقبلون واقعا ولا يسلمون بحقيقة ولا مسلمة إلا بعد أن يشبعوها تحليلا وتفكيرا وتمحيصا للوصول إلى حقيقتها، وحقيقة من وراءها، وما هي دوافعه وهل هي نوع من الفكر السامي، أم هي شهوة تلبست بلباس دين تارة وبلباس الفكر تارة ، وهي في الحقيقة لا تعدو كونها طمع بشري دنيء .
 
 الذي نراه في العالم اليوم هو نتاج هؤلاء .

طبعا هو نتاج هؤلاء، هم الذين كانوا السبب في هدم الإساسات التي قام عليها فكر القرون الوسطى، والقمع والحرمان ومحاكم التفتيش وغيرها .

 إن الأمر لم يقف هنا، بل في البحث عن كيفية صناعة الإنسان، والطريقة التي يمكن بها نقل الانسان من حالة الإرتهان إلى الواقع إلى تغيير هذا الواقع .