العمليات الاتصالية للحركة الحزبية تقليدية وباهته

الإعلام تحت المجهر

الإعلام السياسي ليس مجرد منشور وصورة عبر التواصل الاجتماعي

الانباط – خليل النظامي

لو أجرينا مراجعة بسيطة لركائز المنظومة الاعلامية العامة والخاصة بمراحلها السابقة والحالية، فما الذي سنجده في قدرها، هل سنجد استراتيجية إعلامية واحدة،،؟ وإن وجدنا،،!!! هل سنجد استراتيجية اعلامية صممت لـ بناء مجتمع ودولة، أم أننا سنجد مجرد استراتيجيات منسوخة من أرشيف حكومات لبعض دول الجوار؟ أم أننا سنجد استراتيجيات (متعفنة) تتوافق مع ماضي كان فيه ثمن "سندويشة" الفلافل "بريزه" في وقت كانت فيه الفلافل من الكماليات عند المواطن الأردني.

وبالمقارنة مع الدول المتقدمة التي تدرك السلطات السياسية والأنظمة الإجتماعية والسياسية فيها أهمية الإعلام كـ شريك في البناء والرقي والمحاسبة والرقابة وتحقيق النزاهة والعدالة للصالح العام، فنجد أن سلم الأولويات لديهم تتربع منظومة الإعلام على رأسه، حيث مراكز الأبحاث والدراسات الإعلامية المتخصصة بـ التحليل الوصفي والكيفي والكمي للخطابات الإعلامية بين السلطات والجماهير، وبين النظم السياسية والجماهير، ونجد ماكنات لـ صناعة جيوش من الفكر والعلم لـ مقاومة الغزو الخارجي،وتعزيز الجبهات الداخلية، ونجد فنون في أساليب وخطط وإستراتيجيات صناعة الخطابات الإعلامية السياسية الموحدة.

خلاصة هذه الأدبيات والمراجعات، إن دلت على شيء فإنما تدل على أن المطبخ الإعلامي (إن وجد) ليس فيه سوى البندورة (أكلتنا الشعبية التقليدية المعتادة)، وأن الطباخين غير المتخصصين فيه (العتاقى) ما زالوا يعتقدون أن الصحافة والاعلام مجرد ادوات نقل لإنجازاتهم الوهمية، ومعدات عمليات (بوتكس وفيلر) لـ تجميل بشاعة الفساد المنتشر في الكثير من أروقة المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع بشكل عام.

فنحن هنا يا سادة ؛ نتحدث عن فن في إدارة الأزمات الداخلية والخارجية وكيفية مواجهتها، نتحدث عن فن يشخص ويحلل ويعالج بطريقته الخاصة عموم القضايا التي تشغل بال المواطنين على المستوى المحلي، نتحدث عن فن يعتبر من أخطر وأكثر الفنون فاعلية في كشف الفساد والترهل الإداري والمالي الموجود في المؤسسات العامة والخاصة، نتحدث عن فن فاعل وبـ قوة كبيرة في تنظيم العمل الرسمي ومراقبة القائمين عليه لتحقيق العدالة.

هذا التشخيص ليس مشابها أو حصرا على المطبخ الإعلامي العام للدولة (إن وجد أصلا)، وإنما يتمدد بدءا من المطابخ الإعلامية في المؤسسات الحكومية، ويمر بـ المطابخ الإعلامية الحزبية السياسية، وصولا إلى المطابخ الإعلامية في القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، الذين يشتركون جميعهم في معادلة ضد الإعلام الحقيقي بطريقة غير مباشرة، ما أخرجته من المطابخ المتنوعة، وجعلته منبوذا ومطرودا، ويستخدم كـ عبد مسترق يؤمر فـ ينقل ويتناقل فقط.

والنتيجة واضحة امامنا كـ خبراء في قطاع الاعلام والاتصال السياسي، تتمثل بـ ظهور ملامح الفشل على الكثير من الملفات في منظومة التحديث السياسي التي حملت في طياتها فكرة سامية ورفيعة المستوى، ونجح تطبيقها إداريا بعض الشيء، بينما فشلت بشكل واضح في التطبيق العملي لواقع العلميات الاتصالية لمخرجاتها وإقناع الجماهير بمضامينها، ومن أبرزها فشل ملف الممارسة الحزبية.

في السابق كانت الصورة النمطية لدى السواد الأعظم من المجتمع الأردني خاصة الشباب قبل إدراج عملية التحديث السياسي حول الحياة الحزبية تسيطر عليها السلبية والخشية من دخول هذا المعترك، فضلا عن انخفاض مستوى الحريات في الممارسة الديمقراطية، وهذا ما إستدعى إجراء عملية جراحية لهذه الصورة من خلال تغيير الكثير من البنود وفك الكثير من القيود السابقة حول الممارسة الديمقراطية وهذا فعلا ما حصل، إلاّ أن هذه العملية لم يرافقها "جراحون مهرة" في إجراء العمليات الاتصالية وفنون الاقناع والتأثير مع الجماهير، الأمر الذي أفقدها قيمتها وأضاع فرصة كسر الصورة النمطية السائدة عند الشباب الأردني وبناء صورة ذهنية جديدة، وهذا بدوره إنعكس على الأحزاب وطبيعة الممارسة الحزبية والسياسية التي يجرونها في ساحة الشأن السياسي المحلي.

فـ الممارسة الحزبية البرامجية ليست سلوك عشوائي أو فوضوي، وإنما سلوك يجب أن يكون ممنهج وفقا إلى مخرجات خطط واستراتيجيات اتصالية وجماهيرية رفيعة المستوى تكون أساس لبناء صورة ذهنية جديدة ذات طابع اتصالي ينسجم مع توجة الدولة والنظام حول التحديث السياسي والممارسة الديمقراطية، وهذا لا يمكن ان يتحقق بدون العمل تحت قاعدة "تقديم الاعلام واعطاءه المساحة والحرية اللازمة".

وبحسب عمليات التشخيص والتحليل في صورتها الأولى وجدنا أن العمليات الاتصالية الناتجة عن حركة الممارسة الحزبية عند الكثير من الأحزاب في الأردن ما زالت تعمل وفقا لقوالب وعمليات اتصالية تقليدية (عتيقة)، معظمها أشبه بالقوالب "الأسمنتية" الصلبة، وتأخذ صبغة مخرجاتها العامة لأنشطتها وفعالياتها الطابع الرسمي حتى بات المتلقي للرسالة الاتصالية بالاحزاب يعتقد أن الأحزاب مؤسسات رسمية" تابعة للسلطة التنفيذية.

العمليات الاتصالية التقليدية أعلاه تمثل مرضا مزمن أصيبت به الحركة الحزبية في الأردن، نظرا لتسليم مهام الإدارة الاتصالية لأفراد غير متخصصين في صناعة الفنون والعمليات الخاصة بفلسفة الاتصال السياسي الجماهيري، وهذا يدل على أن القيادات الحزبية لا تدرك أهمية وثقل وزن عمليات الاتصال السياسي، والعامل الأبرز في توسعة الصورة النمطية السائدة حول خوف الشباب من الإنخراط في العمل السياسي بالشكل المتوقع والمطلوب.

ومن الجدير بالذكر هنا ؛ أن الكثير من الأحزاب البرامجية والسياسية خاصة النشطة منها، لديها خلل في صياغة وتركيب الرسالة الإعلامية، وبعد الكشف وجدنا أن معظم هذه الرسائل ترسل بإتجاة صاعد لوضع السلطات السياسية بصورة إنجازاتهم وفعالياتهم، ولا تستهدف الجماهير بالطريقة التي يجب أن تكون لاقناعهم في الإنخراط والممارسة السياسية، والأصل في الصياغة أن تستهدف الجماهير كـ اولوية والسلطات السياسية تباعا.

إلى ذلك ؛ وجدنا أن طبيعة عمل وحدات العلاقات العامة في الكثير من الأحزاب مطابقا بشكل كبير لـ طبيعة عمل دوائر العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية القائمة على أساس التبعية لا أساس الإبداع والإبتكار والتطور في الخطط والسلوكيات الاتصالية وصناعة الأفكار الجاذبة والاقناعية الجديدة التي تستخدمها الدول المتقدمة في استراتيجياتها.

نحن هنا يا سادة، نتحدث عن فن التواصل والإقناع بإستخدام "العقل والعاطفة والنص والصوت والصورة"، نتحدث عن فلسفة تقديم العقل على النص في حال تضاربا على طاولة الممارسة السياسة، ونتحدث عن فن يدخل لـ أذهان الشباب بـ كل سهولة وسلاسة ليقودهم الى الطريق الصحيح وبناء مستقبلهم ومنحهم كافة الحقوق والحريات، نتحدث عن فن "حشري" بطبيعته ؛ يتداخل وكل العلوم والمهن والمسؤوليات الموجودة على هذه البقعة الجغرافية من باب الإصلاح بإستخدام أدوات العلم والخبرة وطرح المشورة وتقبل الرأي الآخر والحوار معه، ولا نتحدث عن ممارسة طقوس عشوائية في غابات الأمازون.

يتبع,,,,