اقتصاديات تصفير كربون البيروقراطية


في خطوة نوعية، قررت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة اتخاذ إجراءات تؤدي إلى تبسيط وتقليص حجم وزمن المعاملات الحكومية، ناهيك عن إلغاء ما يقارب 2000 إجراء حكومي، وخفض زمن إنجاز الخدمات الحكومية بنسبة 50 %؛ بهدف الوصول إلى ما أسمته "تصفير البيروقراطية الحكومية”، ما يهدف إلى تحفيز حركة الاقتصاد، وتحقيق الرشاقة المطلوبة لإنجاز المعاملات، وتحسين أداء رئتي الاقتصاد، التي تتمثل إحداهما بالقطاع العام والأخرى بالقطاع الخاص. ذلك أن تنفُّس الاقتصاد برشاقة يتطلب التخلص من الكربونات الضارة في العمل العام، وتعقيم الاقتصاد من الحمولات الزائدة في الإجراءات والنظم، والتخفيف من الترهل العام، وصولًا إلى إنجاز المعاملات بدقة ومرونة ورشاقة، دون الإخلال بقواعد ومتطلبات الحاكمية الرشيدة التي تكفل التنظيم السليم، والرقابة الصحية، والعدالة، والنزاهة، والشفافية التامة، والتشاركية السليمة الوازنة بين القطاعين العام والخاص. وبالرغم من أن أساس مفهوم البيروقراطية يقوم على حسْن العمل وتوثيقه السليم، فإن مسيرة الفِكر الحكومي نأت به نحو متطلبات ورقية ومستندية وإجراءات عقيمة بات التمسك بها أهم من إنجاز العمل. العالم اليوم يسير بخطى سريعة متسارعة نحو هندسة إجراءات تقوم على التقنيات العالية، والبيانات الكبرى، وإنترنت الأشياء، التي تمخض عنها جميعًا تعلم الآلة، ودخول الذكاء الاصطناعي بديلًا، ليس فقط عن الورقة والمستندات والدورات المستندية، بل الإنسان نفسه. الذكاء الاصطناعي الذي يتوقع أن تشكِل قيمته المضافة في الاقتصاد العالمي نحو 20 % من الناتج العالمي قريبًا، قد يكون جلها في عمليات "تصفير كربون البيروقراطية الحكومية”، ليحلِق الاقتصاد العالمي في أجواء صحية شفافة ومتسارعة بعيدًا عن الورق والمعاملات الزائدة. تصفير البيروقراطية مطلب وضرورة في العديد من دول المنطقة العربية، لجذب الاستثمارات الناجحة وتعقيم العمل العام من الضبابية والترهل والفساد. البيروقراطية الحكومية في العديد من دول العالم حققت مكاسب مادية واجتماعية لجيش من البيروقراطيين الذي يخشون فقدان وظائفهم أكثر من خشيتهم تحسين الإجراءات أو تحريك عجلة الاقتصاد. تصفير كربون البيروقراطية الحكومية يحتاج إلى دول جادة في التطوير والتحديث وتحقيق التنافسية.