السلطة اكلت عقل الدولة

بهدوء
عمر كلاب
منذ تأسيس حلف الفضول بين القبائل العربية , استقر في الوجدان العربي مفهوم الاحلاف واستدامتها , ومع تطور الدولة الحديثة حافظت العقلية العربية على قبليتها السياسية او للدقة سيّست القبيلة كركن من اركان الدولة ولعل اكثر دولة نجاحا في تقديم القبيلة او العشيرة كحليف للدولة هي الاردن , فهي الدولة الوحيدة التي كانت القبيلة في خدمة الدولة وليس العكس كما في باقي الدول العربية والنامية التي عانت من انقلاب المفهوم وانقلاب الدور حتى اصبحت الدولة في خدمة القبيلة الاجتماعية او السياسية.
حافظت الدولة الاردنية على حلفائها طوال عمرها, وظهر هذا الحلف القائم على نهج حلف الفضول بوضوح وجسارة خلال كل الاحداث التي عاشتها الدولة بمرارة تارة, وباوجاع تارات, وانتقلت من مفهوم الحلف الى البنوة فقد اصبح الحلفاء ابناء الدولة وحماتها, سواء المخالفين اوالمشاكسين او اولئك الذين استرطبوا الرضاعة من فوق اللجام او الرضاعة من مرضعات الاقليم السياسية , ونجحت الدولة في هضم المخالفين طوال عمرها ومن يراجع اسماء الوزراء ورؤساء الحكومات يدرك حجم النجاح الذي حققته الدولة الاردنية في انتاج وتثقيف مفهوم هضم الخصوم وتحويلهم الى ابناء.
في المفصل الاخير من مفاصل الدولة تسلل الى وعي رجالاتها فكرة تحويل الهضم الى شراء او تحويلها الى علاقة تعاقدية, قائمة على الرضا والتأييد طالما الشخص في الموقع الرسمي او الموقع المُربح, وينقلب بعدها الى اسد هصور على الدولة لحظة انتهاء التعاقد الوظيفي , فتحول الابناء الى عمال بالفاعل" اُجراء" وتقاعس مفهوم ابن الدولة لصالح مفهوم الموظف في الدولة او الاجير الذي ينتمي الى الوظيفة بمقدار اجره واستمرارية وظيفته, وساهمت السلطة للاسف في تكريس هذا النهج بُعيد الربيع العربي بعد ان مارسته بمحدودية قبله.
هذا السلوك حمل معه ما هو اخطر من نظرية الوظيفة او الفهم الوظيفي للدور الوطني وارتباطه بالاجر , حيث استشعر رجال الدولة الراحة في التوظيف بدل انتاج الابناء, وتكريس علاقة الابوة بين الدولة وابنائها , فكل مرحلة تحتاج موظفيها فشهدنا سرعة التقلبات والانقلابات وشهدنا مفهوم الكسب غير المشروع والسريع من الوظيفة بوصفها علاقة تعاقدية او جمعة مشمشية حسب المثل الدارج شعبيا , فتراجعت المفاهيم وخذلت الدولة عقلها الاساس ونظامها الاجتماعي القائم على مفهوم الاسرة الممتدة لصالح إضرب واهرب.

على الجانب الموازي لانقلاب الوعي, استدارت الدولة عن الحلفاء والابناء وباتت تتعامل بعليائية معهم, وكأنها حسمتهم لصالحها شعبيا واجتماعيا, او احرقت سفن عودتهم الى حاضنتهم الشعبية التي شهدت متغيرات خلال وبعد الربيع العربي, حيث طغت مصطلحات السحيج والعميل على كل من ساند الدولة بوعي في مرحلة الربيع العربي اوبحكم الوظيفة , وصارت تجامل وتحابي كل من مارس طقس الربيع العربي في الميادين وعلى الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي , ومن يراجع تعيينات الدولة في اكثر من قطاع يعرف كيف تحول نشطاء الربيع العربي او ما تم الاصطلاح على تسميتهم بالحراكيين الى موظفين في الدوائر الحساسة والمختلفة.
مفهوم لو ان هذا القرار جرى بوعي او ضمن مفاهيم الهضم وتنويع العقل الرسمي , فهذا الفهم يستوعب الجميع الابناء الراضين والمخالفين على حد سواء ولكن الاستدارة عن الابناء والتقرب زُلفى الى الى غيرهم يشير, الى نظرية التعاقد الوظيفي ويفرز ان الحضور مربوط بالمخالفة حتى لو من باب النكاية , فتراجعت نظرية الابناء سواء المخالفين او القابلين لصالح الوظيفة التعاقدية التي ترفع صوتها بفجور وسفور وليس بمعارضة راشدة عرفناها طوال سنوات, خالفت فيها القرار السياسي ولم تخالف في الوعي والمضمون والانتماء.
omarkallab@yahoo.com