أجرى المقابلة وحررها الطالب عمر سرسك في جامعة البترا

يقول النظامي ؛ أنه لا يذكر الكثير عن طفولته التي عاشها في تلك القرية الجبلية الواقعة شمال الأردن ويطلقون عليها إسم "المكركع" - نسبة إلى اللعبة التي كان يمارسها أجداده القدامى من خلال رمي الأحجار من المرتفعات لـ المنحدرات وتصدر أصواتا "تكركع كركعة عالية"، إلاّ أنه ما زال يذكر رائحة الماعز التي كانت كـ رائحة المسك ترافقة كل صباح ومساء، ويذكر جمال ألوان أشجار التين والزيتون بعد هطول المطر، وصوت ذلك الذئب الذي كان ينير ليالي الصيف الساهرة على أنغام العندليب. 

ويضيف ؛ تلك هي الأسس التي نشأ عليها وترعرع في أسرة بسيطة من أسر الفلاحين البسطاء، الذين لا حول لهم ولا قوة سوى العلم والعمل والأخلاق سيوفا ورماحا ودروعا يقاتلون بها تقلبات الزمان والمكان، فنشأ نشأته المقاتل المغوار، وتربى تربية النبلاء، وإجتهد بالعلم وثابر العمل إجتهاد الفلاسفة ومثابرة الأدباء، حيث كانت أكبر طموحاته في ذلك الوقت رحلة صيد ثعالب في الجبال، أو رحلة لـ البحث عن كنوز ودفائن الحضارات القديمة بين الصخور والحجارة.  

لم يمضي وقت طويل حتى وصل النظامي لـ المرحلة الفاصلة في تاريخ حياته وهي مرحلة "التوجيهي"، والتي فشل فيها أكثر من مرة، والغرابة أنه كان ينجح نجاحا باهرا في المواد الصعبة جدا، ويفشل في مادة "الثقافة الإسلامية" التي شكلت رعبا عنده لـ سنوات عديدة. 

فشل النظامي في القرية ليس كـ فشل أبناء العاصمة والمدن الكبيرة، فـ الفشل في القرية مصيرة واحد فقط ؛ إما الإنضمام لـ "الجيش" او السفر "الغربة"، وهذه ثقافة القرية المعتاد عليها، ولا مناص منها لأنه بغيرها يوصم الشاب فيها بـ "الهامل" أو "الأزعر"، وتسوء سمعته وسمعة اهله. 

وفعلا هذا ما حدث ؛ قبل النظامي في أحد الأجهزة الأمنية في الأردن، وبدأ رحلة جديدة من العذاب والتجبر والتصلب دامت لـ مدة أربع سنوات بين ثكنات باردة في الليل، وأصوات "حكحكة" الرصاص المزعجة، وذلك "الفوتيك" الثقيل الذي أوجع كتفيه، رحلة أطلق كتب عنها مقالا وصفيا عنونه بـ "حقبة منسية من زمن مقاتل منسي". 

وما لبث النظامي على إنتسابه لـ الحياة العسكرية أربعة سنوات، حتى جاءت تلك الليلة الماطرة، التي كان مكلف فيها بواجب الحراسة على أحد المباني العسكرية في جرش، حيث كانت كل قطرة ماء تهطل على وجنتيه وكأنها صفعة من السماء تقول له "أفق يا رجل"، أهذا ما تطمح إليه،،؟ بندقية مليئة بـ الرصاص وملابس تزن وزنك وشادر إبلاستيكي يغطيها من البلل،،،، ولم تمضي تلك الليلة حتى قد إستقالته وغادر تلك الحياة، ينشد حياة أخرى تشبة حياة إخوته الذين لم يدعوا شهادة ولا علم على وجه البسيطة إلاّ وإكتسبوه. 

ثم عاد النظامي من جديد، وبدأ رحلة أخرى كانت أولى خطواتها قتال ذلك الوحش الوهمي الذي يطلقون عليه "التوجيهي" وقتله شر قتل، وفعلا هبط لـ ساحة المعركة وأستدعى ذلك الوحش (التوجيهي) وهزمه هزيمة الفرسان لـ الجبابرة، لكن الحظ لعب لعبته مرة أخرى، وأجبر النظامي على السفر لـ دولة خليجية والعمل مرة أخرى في أحد الأجهزة الأمنية والعسكرية هناك كـ مدرب، وأمضى أكثر من خمس سنوات من عمره هناك،، حيث لم يرغب النظامي بـ التحدث عن تلك الفترة وأكتفى بوصفها "الصندوق الأسود". 

تابع النظامي حياته بدون يأس، وعاد إلى وطنه بعد غربة طويلة، تاركا خلفه أجمل قصة عشق عفيف لم تكتمل أقفل بعدها قلبه لـ الأبد واصفا إياها بجملة قالها درويش "لن نفترق،، ولكننا لن نلتقي أبدا"، وأخذ من الصحافة والإعلام مهنة وهويتة لـ يومياته وأقسم على أن يعتلي أعلى مراتب العلم ولن يتركه ما دامت الروح متشبثة بـ جسده، ودرس مرحلة الدبلوم، وعمل في مؤسسات باهته ومؤسسات عظيمة، وبدأ صيته يذيع هنا وهناك، صحفي مشاكس، جريء لا يمكن صده، وسريع لا يمكن إيقافه، تحديات هنا، وصعوبات هناك، وملذات من كل صوب وناحية يقاوم فيها مقاومة الفرسان الأشاوس، فمن منسق إعلامي بسيط في مكتب خدمة الجمهور المركون على باب وزارة خدمية، صعد إلى رتبة مستشار وزير في عدة وزارات ومؤسسات خلال سنوات قليلة. 

وشاءت الظروف أن يفصل النظامي من عمله- دون رغبة منه إبداء الأسباب- ويترك الطابق الرابع حيث مكتبه الفخم، ويخلع تلك البدلة الإيطالية الأنيقة، وينتزع عن جسده رائحة العطر الفرنسي، ويعود لـ الميدان ؛ حيث الممارسة الصحفية التي بدأ رحلتها في "صحيفة الأنباط" كـ محرر صحفي، ثم إجتهد وصنع المئات لا بل تجاوزت الالاف من المواد الصحفية بين تحقيق وقصة وتقرير وصورة حتى إستطاع إستعادة مكانته في الميدان الصحفي بين زملاءه، وحصل على الثقة من مدراءه إلى ان وصل الآن لـ مدير تحرير في الصحيفة ومدرب في الصحافة الإستقصائية. 

وتزامنا مع ذلك ؛ يقول النظامي أن الحلم بات يتحقق، ما جعله يستعيد قواة الجسدية والعقلية غير آبها بعمره الذي تجاوز الـ سادسة والثلاثين، وأقدم على خطوة فاجأت الجميع حتى أسرته، وسجل في جامعة البتراء لـ دراسة البكالوريوس في تخصص الصحافة والإعلام، وكان مرتعبا من شكله امام الطلبة والأساتذة الجامعيين نظرا لكبر عمره، وتساؤلات فضولهم الذي لا ينفك عن التحرش في أحشاء ذهنه بشكل مزعج. 

إلاّ أنه وجد أساتذة من نوع خاص، إحتضنوه كما إحتضان اللبؤة لـ ليثها، وطلبة معظمهم ينتمون لأسر تقدر الإنسانية، وعصامية الرجال الرجال، ما أراح قلبه، ومنحه القوة مضاعفة لـ السير تجاه تحقيق حلمه الذي بات يقترب شيئا فشيئا، ولم يهدأ ولم يكن هذا النظامي ؛ يذهب لـ الجامعة صباحا، ويعود لـ الجريدة مساء، حياته متقلبه الليل فيها نهار والنهار فيها ليل، مبرمجة بطريقة إلهية لا بشرية. 

وانهى مرحلة البكالوريوس بجدارة وبتقدير عال، وقال ضاحكا : "سجلت الماجستير في جامعة الشرق الأوسط، وأنا ما زلت طالبا غير متخرج من جامعة البترا"، كيف حدث ذلك وكيف وافقت الجامعة وكيف وقعت على تعهد قانوني ،، يقول النظامي لا أعلم وكأن الله أرسل ملائكته لـ مساعدتي كي لا يضيع علي يوم آخر من حياتي التي أضعت منها أكثر من عشرة سنوات خارج العلم. 

ها هو النظامي الآن متوجها لـ جمهورية مصر العربية حيث جامعة القاهرة تحديدا لـ التسجيل في برنامج الدكتوراة تخصص الصحافة الإستقصائية الرقمية، ويعمل ويتعاون في الوقت نفسه بـ عدة وسائل إعلامية محلية وعربية، وما زال على رأس عمله في صحيفة الأنباط كـ مدرب ومدريرا لـ التحرير، حيث يأبى أن يتركها بـ الرغم من كل العروض التي تقدم له من وسائل إعلامية ضخمة، نظرا لـ أنها الحاضنة الأولى التي إحتضنه على حد قوله. 

ومما أعجبني في مقابلتي لـ الصحفي النظامي ؛ أن لديه حلم غريب، فـ المعروف أن الناس يحلمون أن يصبحو أطباء ومهندسين وطيارين وما شابه، أما النظامي فحلمه غريب جدا، حيث أجاب سؤالي حول حلمه قال : "قبل أن أجيبك عن حلمي، إسمح لي أن أوضح لك أن لا فرق أراه بيني وبين أفلاطون وأرسطو وسقراط من ناحية تركيبة الخلق الإلهي الذهنية والجسدية، ولا فرق بيني وبين عنترة العبسي وبين عمر بن الورد في تركيبة الخلق الإلهي العاطفي، وعليه فطموحي أن أصبح فيلسوفا وشاعرا كما هم، فالحياة لها مدخلين، إما مدخل النقل أو مدخل العقل، وأنا قد دخلت الحياة من باب العقل ضاربا بعرض الحائط كل مخرجات مدرسة النقل". 

ويختم النظامي مقابلته بـ قوله :"هناك الكثير من التفاصيل الدقيقة، لا أستطيع البوح فيها امام الجماهير، وهناك تحديات وصعوبات وعوائق عايشتني بشكل يومي لا أملك حق البوح فيها لأنها نقاط ضعفي، وهناك الكثير من التجارب الإجتماعية مررت بها لا يمكن رواية تفاصيلها نظرا لـ طبعي المغموس بوعاء الوفاء حتى امام من ظلمني، فـ المروءة طبع من اطباعي وليست صفة إكتسبتها".