آليات التصدي للظلم في "لحظات نابضة" للقاصة سمر السيد
الانباط- طارق عودة
ربما تسائل المرء هل هو ظالم أم مظلوم ، وإذا وقع عليه ظلم ما، فما هي الوسيلة الأنجع والأسلم لصده ورفعه. الظلم يطفيء البهجة ويرفع مقياس الألم في النفس.
عبر ثلاثة عشر قصة قصيرة جاءت في مائة وستين صفحة، والصادرة عن دار ابن رشيق في عام ٢٠٢٢، أطلقت سمر السيد على مجموعتها القصصية اسم "لحظات نابضة" كناية عن المعاش والمحسوس والموجود في ثنايا أحداث القصص، فقد استعرضت جزء حياتيّا ويوميا في كثير من الأحداث بأسلوب سهل ومتناهي في البساطة لمحاكاة كل ماهو أصيل وحقيقي متناغما مع بناء الشخصيات والأحداث التي لا تحتاج جهدا لتلامس المشاعر الإنسانية الأصيلة والبسيطة.
كما فعّلت القاصة دور ذاكرة المكان ورحلته مع البشر سواء كان عمرانا أو شارعا أو مدينة.
أما بالنسبة لعتبات النصوص فقد تجلت الرمزية والإيحائية في اختيار عناوين القصص وأسماء شخوصها بشكل مباشر وجلي.
والمتتبع للنصوص يجد الكثير من التأملات والجوانب اللصيقة بمشاهد ثرية لما يخص أعماق النفس البشرية وجوانب متجلية لفهم القاصة في لغة تصل بسلاسة ووداعة إلى المتلقي.
أما فيما يخص الظلم وآليات التصدي له، فأود استعراض بعضا من القصص التي تبين ذلك. ففي قصة "لايمكن أن يخيب ظني" كشفت لنا القصة كيف أننا يمكن أن نصدر أحكاما قاسية وجارحة ومسيئة في حق الآخرين الأبرياء حين نثق ثقة عمياء بانطباعنا الأول. في القصة نجد ؛"شابة في مقتبل العمر تتحدث إلى رجل في خريف العمر" (السيد ٩). فتجتاح الراوية الظنون وتطلق التهم وتصور الكثير مما قد يجول بخاطر بعضنا لتكتشف بعد الاقتراب منهما وسماع حديثهما أن هذين الشخصين المشبوهين لم يكونا إلا أب وابنته (١١).
أما القصة التي تحمل عنوان "للحكمة أوانها"
فالأب المدعو حكيم يصارح زوجته إسعاد بقلقه على مستقبل ابنهما سالم الذي بلغ الثلاثين والذي يعمل معلما وكان قد خسر وظيفته في مدرسة سابقة، فيغدق الوالد على ولده النصح، ويأكد له أهمية "الشخصية القوية وعدم الاستسلام في مواجهة تحديات الحياة، لأن روح المنافسة والقرارات تسكن هذه الحياة" (٨٠). يحقق الابن سالم غايته ويجدد عقده مع المدرسة التي يعمل فيها رغم المؤامرة التي حيكت ضده لإخراجه منها وإنهاء خدماته، ولكن الثمن تجديد العقد كان تحقيق مصلحته الفردية على حساب الأخلاق القويمة والمثل العليا، وهكذا واجه سالم الكيد بالمكر والظلم بالظلم ليتحول المظلوم إلى ظالم.
وتأتي قصة "ساعود مجددا" لتصور معاناة المرأة من الملاحقة والمعاكسات والتطفل، وهو ظلم للانسان يسلبه حقه بالتنقل بحرية واطمئنان وأمان، فتلجا الفتاة في القصة لحيل بسيطة لرفع هذا الظلم عن نفسها، فتسرّع من خُطاها وتنتقل من مكان لآخر ومن طريق لآخر وحين لم تفلح هذه الطرق في التخلص من الشاب الثاني الذي كان يطاردها اختارت المواجهة، فصرخت به أمام جمع خفير من الناس قائلة "ماذا تريد مني؟" (٩٥). تغير الأسلوب من الهروب إلى المواجهة والاستعانة بوجود العامة من حولها حقق ضربة غير متوقعة اربكت ذلك المتطفل. وحين حاول الاستخفاف بها بنظراته خاطبته بحدة وصلابة وبصوت مرتفع وغاضب: "قف حيث أنت" (٩٦)، فكان لها النصر وانسحب المتطفل لا يلوي على شيء.
ختاما فآليات التصدي للظلم كثيرة منها: التحري والتبيّن قبل إصدار الأحكام على الآخرين، ومنها مواجهة الظلم بالظلم والبادي أظلم، ومنها تغير المكان، أو الرحيل أو الهجرة، وأخيرا كان رفع الصوت بالظلم والتشهير بالظالم أمام العامة أحد أشكال التصدي للظلم وهو ما يشابه ما تقوم به وسائل الإعلام من نقل لما يقوم به الظلام.