معركة الغاشية

عندما يغشى على البصيرة يصبح البصر بلا فائدة، وقوة النظر بلا تأثير لغياب زاوية المنظور المشاهد، وتكون السمة السائدة للرؤية هى سمة انطباعية وليست حقيقية عندها تتولد الغاشية التى تاتى غالبا على غفلة من دون مقدمات مصحوبة بمفاجئات، تكون معنونة بعلامات الحسم عندها يتم اكتشاف الحقيقية وبيان الحقائق بعد زوال الغشاوة برياح الغاشية، فلقد أهلك الله كل القرى ذات الايدلوجية والاثنية الواحدة منهيا بذلك عهد القرى ببزوغ فجر عصر "المدينه" بالسمة التعددية، فإن عاد عهد القرى جاءة معه رياح الغاشية لتزيل الظلم والظلمه وتعيد بيان الصورة برسالة تصور تنير درب الحياة من جديد.
 
تلك هى الصورة التى تقف عليها المقاومة الفلسطينية في عموم فلسطين، وحيث تدار معركة رفح المصيرية فى قطاع غزة وهى المعركة التى تم تحديد نهايتها من دون الإعلان عن بدايتها لتبقى مختزلة برسم الاعلان لحين الانتهاء من حالة إعادة الانتشار آلة الحرب الإسرائيلية، أما نهايتها فمن المفترض ان تكون خلال ثلاث اسابيع بعد كشف البنك المركزي الاسرائيلي لبيان قدرة الاحتمال فى حرب غزة بينما أخذ الكل يتحضر ميدانيا عبر حالة إعادة التموضع العملاتية الفلسطينية الاسرائيلية وحواضنها الإقليمية ومناخاتها السياسية المصاحبة.
 
ومن على ثلاث محاور أخذت معركة الغاشية بيان الحال ميدانيا، عبر استدارة الجميع بدوائر مفتوحة حيث اختارت اسرائيل البوابة الجنوبية من مدخل كرم أبو سالم باتجاه رفح النقطة الحدودية المصرية، بينما تقوم قوى المقاومة الفلسطينية باعادة التموضع الميداني في القاطع الشمالي والتمركز فى جباليا بعد عملية الاشتباك الاسطوريه، قاطعا بذلك خط المناورة الميدانية بهدف عدم اغلاق دائرة الأطباق على خان يونس لتبقى مفتوحة، وهو من المنتظر أن يجعل من هذه المعركة تحمل مفاجئات سياسية وميدانية بعناوين الغاشية.
 
وذلك بعدما قام الجيش الاسرائيلي بإنذار الجيش المصرى لضرورة لإخلاء الخط الحدودي لغايات سير العمليات العسكرية، التى تسعى اسرائيل عبرها القيام بعمليات "التهجير" بعد اجتياح خان يونس على رغم من معارضة مصر وممانعة امريكا لذلك، وهى الجملة الميدانية التى قوبلت باتصال جاء من الرئيس الإيراني رئيسي إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي الامر الذى ينذر بمفاجئات اخرى إذا ما استمرت مرحلة التصعيد المتبعة التى باتت ليست خافية من مضمون سورة الغاشية، والتى تاتى ردا على معركة التكوين التوراتية التي أطلقها نتنياهو بأسفارها.
 
وأما المحور الثاني فهو المحور الاقليمي الذي بدا بتوسيع مظلة عملياته الخاصة، حتى وصلت شواطئ الهند بعد ضبط مضيق باب المندب من اليمن بصورة تنذر ان حربا اقليمية باتت قيد الاشتعال، وهو ما لاتريده واشنطن للمنطقة وما تحاول منعه على كافة المستويات، لكن الة الحرب الاسرائيلية مازالت تقفز فوق الخطوط الحمراء المصرية فى رفح والروسية فى خان يونس وتضرب بعرض الحائط القانون الدولي الإنساني على الرغم من نداءات غوتيريس المتكررة.
 
ومازال نتنياهو ماضيا بسياساته وهو يقوم بتضييق الحصار على الانسان الفلسطيني، و يذعن بقطع سبل العيش على قطاع غزة، ويقوم بوقف قوافل الإغاثة بقصد التهجير القسري، ويتبع بغطرسة سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية، ولا يأبه لا بالخط الاحمر الروسي الذى حذر من إجتياح خان يونس ولا يحترم الاعراف الدبلوماسية ولا حتى القوانين الدولية، وهى جملة البيان التى ستؤدى إلى نشوب حالة تصعيد غير مسبوقة والتي ينتظر أن تحمل مفاجئات ميدانية واخرى سياسية فى معركة الغاشية.
 
وأما المحور الثالث فهو المحور السياسي الذى أصبح الغائب الحاضر بهذه المعركة، وهو المحور الذي يمكن استدراكه من جملة الملك عبدالله الثاني بعد لقائه مع الرئيس الفرنسي ماكرون في العقبة، والتي دعا فيها الى "هدنة تفضى لوقف إطلاق النار" وذلك لانهاء الملف الميداني المتأزم، تمهيدا لدخول الجميع بالملف السياسي السلمي، فهل سيتم استدراك هذة المعادلة السياسية لتجنيب المنطقة ويلات الحرب الاقليمية والتى قد تحمل مفاجآت كبيره تبدا من معركة الغاشية؟!.
 
د.حازم قشوع