مخرجات قمة المناخ الدولية (COP28) بالامارات،،، وحلول مجابهة خطر تغير المناخ

 ميناس بني ياسين

بات التغير المناخي يأخذ حيزا كبيراً ويشغل العالم أجمع في كيفية مجابهته والحد من مخاطره وأصبح الأمر الشاغل للعديد من الدول لا سيما وأن العالم مستمر في اعتماده على الوقود الأحفوري والذي من شأنه زيادة مخاطر انعدام الأمن الغذائي والطاقة والمياه بوصفه الجائحة التي يجب على البشرية الاتحاد لمواجهتها.
إن التغير المناخي يهدد العالم بأكمله حيث أظهرت تقارير أن الأضرار الناجمة عن أزمة المناخ العالمية بلغت 391 مليون دولار يوميا على مدى العقدين الماضيين.

وأظهرت دراسة نشرت في مجلة "Nature Communications" أن حرائق الغابات وموجات الحر والجفاف وغيرها من الأحداث التي تعزى إلى تغير المناخ تسببت في تكاليف يبلغ متوسطها أكثر من 100 مليار دولار سنويا في الفترة من عام 2000 إلى 2019.
لذا كان لا بد للدول العظمى والمنتجة للنفط والمعتمدة بشكل كبير على الوقود الأحفوري التحرك وعقد القمم والمؤتمرات لمناقشة ما قد يحدثه تغير المناخ من تهديد ومخاطر على مستوى البيئة، وكانت قمة المناخ مثالاً واضح حيث شكلت نجاحاً في مجال مجابهة التغير المناخي والعمل نحو خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43 بالمئة بحلول عام 2030، وهو ما يقول العلماء إنه ضروري لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية".
وفي السياق أكد عماد سعد خبير الاستدامة والتغير المناخي رئيس شبكة بيئة أبو ظبي في حوار له مع جريدة "الأنباط" أنه كان فخوراً أثناء رصد ردود الأفعال الإماراتية حول قمة المناخ لسبب بسيط وهو أنه يقيم ويعمل ويتابع عن قرب كل ما يجري على الساحة البيئية في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ خمسة وعشرين عاماً ونيف، فالاهتمام بالبيئة وتعزيز التنمية المستدامة بدولة الإمارات تعتبر منهج حياة وخطة عمل وليس ترفاً فكرياً، وذلك منذ ما قبل تأسيس الدولة زمن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عمل على تكريس مفهوم التنمية المستدامة في كافة برامج التنمية وبناء الدولة منذ عام 1946 أي قبل أن تضع الأمم المتحدة وجهات الاختصاص الدولية تعريفاً رسمياً للاستدامة حيث قال في ذلك الوقت «إن حماية البيئة يجب ألا تكون وألا يُنظر إليها كقضية خاصة بالحكومة والسلطات الرسمية فقط، بل هي مسألة تهمنا جميعاً، إنها مسؤولية الجميع، ومسؤولية كل فرد في مجتمعنا، مواطنين ومقيمين»
من جهة ثانية لقد سجلت قمة المناخ التي عقدت في مدينة (اكسبو دبي) خلال الفترة من 30 نوفمبر الى 12 ديسمبر 2023 مشاركة إماراتية واسعة من كافة مؤسسات القطاع العام وشركات القطاع الخاص، الى جانب منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة في كافة الفعاليات سواء في المنطقة الخضراء او المنطقة الزرقاء، إلا أن الفريق الحكومي الإماراتي الرسمي الذي قاد مفاوضات المناخ باقتدار مستنداً على ما يسمى بدبلوماسية المناخ وما تتميز به من مرونة مهنية واستيعاب لكافة الأطراف ذات العلاقة والشركاء وعدم ترك أحد خلف الركب، كان له كبير الأثر في الوصول الى نتائج ايجابية

وأشار في حديثه أنه من المعتاد عليه في كافة مؤتمرات المناخ الدولية وجود اختلاف وتباين في وجهات النظر حول عدد من القضايا الشائكة ومن بينها الوقود الأحفوري فقد كان سيد الموقف في كوب 28، حيث نجد إصرار منتجي النفط على دعم استثمارات النفط والغاز والفحم الحجري بالتوازي مع زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وهذا أمر طبيعي في سياق تضارب مصالح الدول العظمى (السياسية والاقتصادية)، فالسبب الرئيسي لتأجيل مفاوضات المناخ ليوم إضافي كان بسبب تعارض وجهات النظر بشأن مستقبل الوقود الأحفوري ودوره في إزالة الكربون، حيث انعكس بوضوح في الخيارات المختلفة التي تركت مفتوحة، ما يشي بصعوبة الاتفاق على مسار موحد قد يسهم في لجم تغير المناخ. فالكوكب يختنق فهل من منقذ له؟
وأضاف أنه وجدنا أن النسخة الأخيرة من مسودة النص النهائي للمؤتمر التي نُشرت يوم الثلاثاء 12 ديسمبر 2023 (والتي نشرتها هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة) تترك كافة الخيارات مطروحة، ما ينذر بمفاوضات صعبة، فالخيارات المفتوحة في النص تعني أن المفاوضات ستكون مكثفة.
فالخيار الأول هو الخروج المنظم والعادل من الوقود الأحفوري، وهناك خيار آخر يتمثل في الدعوة إلى تسريع الجهود الرامية إلى الاستغناء عن الوقود الأحفوري من دون استخدام أجهزة احتجاز الانبعاثات والحد بسرعة من استخدامه لتحقيق الحياد الكربوني في أنظمة الطاقة بحلول منتصف القرن أو في تلك الفترة تقريباً. والاحتمال الثالث هو عدم التطرق إلى الأمر على الإطلاق، وهو خيار تدعمه بعض الدول. وفي النهاية فقد تغلب الخيار الأول بالتوافق بين الدول الأعضاء (197 دولة) على اعتماد نص التخلص التدريجي من الوقود الاحفوري وصولاً للحياد الصفري بحلول 2050.
وبعين المراقب فقد لاحظنا أن النتائج التي توصلت إليها الوفود المشاركة كشفت الفجوة بين الأهداف التي حددتها البلدان لتجنب المستويات الكارثية لتغير المناخ وخططها الحقيقية لمواصلة إنتاج الطاقة التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون.

وأجاب حول سؤاله عما تتنتظره الدول العربية من قمة المناخ وما عليها فعله لمجابهة التغير المناخي بأنه على الرغم من أن كمية غازات الدفيئة التي تصدر عن جميع الدول العربية لا تمثل أكثر من 5 % من غازات الدفيئة ضمن الغلاف الجوي على مستوى العالم، إلا أن الدول العربية تصنف على أنها من الدول الهشة مناخياً، لأنها بكل بساطة بنيتها التحتية ضعيفة في مواجهة التغيرات المناخية، وبالتالي فهي بحاجة الى دعم وتمويل سواء من صندوق الخسائر والاضرار أو من صندوق العمل المناخي، وفي المستقبل القريب سوف تشكل دولة الامارات مرتكزاً قوياً تستند إليها كثير من الدول العربية للوقوف الى جانبها للنهوض في هذا القطاع وصولاً الى الحياد المناخي، بل وصولاً الى تعزيز قدرتها اللوجستية لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية.

وأوضح في حديثه تساؤل الكثير حول كيف سيتم الاستغناء عن استخدام الوقود الأحفوري بينما هناك دول معتمدة عليه بشكل كبير أنه يجب أن نكون منطقيين في الطرح وتداول المعرفة بشكل دقيق، بحيث لا يمكن الاستغناء عن الوقود الاحفوري فوراً وعلى جناح السرعة على مستوى العالم، لأن عجلة النمو والحياة سوف تتوقف بل سوف ينهار الاقتصاد، بل لا توجد دولة واحدة بالعالم تستطيع أن تأخذ هكذا قرار على جناح السرعة، لذا فقد تم التوافق بين الدول المشاركة في المؤتمر وعلى مدى عدد من المؤتمرات السابقة على صيغة جديدة ألا وهي الاستغناء التدريجي عن الوقود الاحفوري بطريقة عادلة ومنطقية وممولة. حيث تم ادراج هذا البند ولأول مرة في توصيات المؤتمر، على الرغم من أنه لا تزال البلدان منقسمة حول كيفية رسم خارطة طريق لإزالة الكربون مع التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري كمحور أساسي لوضع الجهود العالمية لصافي الكربون على الطريق الصحيح.
فالتحول التدريجي يحتاج الى تمويلات خاصة وضخمة جداً كما تحتاج الى عدد من السنوات لذا تم التوافق بين أكثر من 50 شركة نفط بالتعهد على تطبيق سياسات لضمان الوصول الى الحياد الصفري بحلول عام 2050، وهذه بحد ذاتها انجاز كبير لم يكن موجوداً من قبل. ومن ناحية أخرى فقد شهد العام نمواً سريعاً في اقتصاد او في صناعة الالواح الشمسية والكهروضوئية لإنتاج الطاقة الكهربائية من اشعة الشمس حتى باتت كلفة انتاج الطاقة من الشمس توازي او تفوق قلياً كلفة اتناج الطاقة من الوقود الاحفوري إلا أن المستقبل سوف يكون زاخر بالنتائج الإيجابية لخفض الكلفة من خلال الابتكار، الى ان تصبح كلفة انتاج الطاقة من الألواح الشمسية هي اقل بكثير من كلف انتاجها من الوقود الاحفوري أي ذات جدوى اقتصادية.
فالتخلص من الوقود الاحفوري امر ضروري وحتمي ولكن يجب أن يكون عادل ومنصف ومنظم ومسؤول، وهذا المؤتمر قد نزل اول اعتراف تاريخي بالتزام أكثر من 50 شركة نفط بالحياد المناخي بحلول عام 2050 وهذا الامر لأول مرة يحدث في تاريخ مؤتمرات المناخ.

وبين أن هذه القمة سوف تكون علامة فارقة في تاريخ مؤتمرات المناخي الدولية منذ أن تأسست منذ 44 سنة ولحد الان بل تمثل منعطف جديد لمؤتمرات المناخ القادمة، فما قبل القمة ليس كما بعدها، أي مسار المفاوضات القادمة سوف يكون له روح جديدة ودرجة أعلى من المسؤولية قياساً على ما تم تحقيقه من نجاح وسابقة اعمال عن المؤتمرات السابقة.
لقد اتسم هذا المؤتمر بعدد من النقاط الأساسية أولها سرعة الإنجاز، وانجازات غير مسبوقة، والإرادة والمرونة واخيراً تضمين الجميع في صنع القرار، فقد بات واضحاً الثقة بالنفس للوفود المفاوضة وتحليها بالمرونة المناسبة للوصول الى توافق دولي جديد لمواجهة التغيرات المناخية، للحد من الاحتباس الحراري وصولاً الى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050.
هذا المؤتمر يعتبر نقطة تحول في مسابقة الحلول المناخية بفضل روح التعاون بين أصحاب المصلحة، وروح المنافسة لتقديم أكبر قدر من الدعم المالي لمعالجة الخسائر والاضرار الناجمة عن التغيرات المناخية.
اما الدكتور سلطان الجابر فقد بات نجم المؤتمر كونه استطاع ان يحول مفهوم الازمات الى فرص للنجاح، بل الى فرص للاستثمار في الاقتصاد والطاقة المتجددة بين الدول المشاركة،