حرب صامتة على الضفة الغربية

د.منذر الحوارات

بينما تقوم إسرائيل بعملية تدمير ممنهج لقطاع غزة تحت ذريعة إطلاق سراح الرهائن وكذلك القضاء على حماس وتفكيكها إنتقاماً وثأراً لملحمة السابع من أكتوبر، التي أوقعت بها جرحاً غائراً يصعب ترميم نتائجه وتداعياته بسهولة لذلك هي تمارس كل هذا الفائض من الحقد والرغبة الدفينة في تدمير الحَجر وقتل البشر بطريقة بربرية تشهد بكل وضوح على ما يضمره هذا الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني، وتحمل في طياتها إحساساً عميقاً مصرحاً به ومكبوتا بحجم التعالي والغطرسة التي تحملها هذه الدولة لهذا الشعب للدرجة التي يرفض عقلها الباطن والظاهر فكرة أن يقاوم الاحتلال، وهي تريد أن تسلبه هذا الحق الذي أقرته كل قوانين الدنيا، ومع كل ذلك يختفي وراء المشهد الصاخب في غزة مشهد آخر تحدث فصوله القاسية دون أن تثير حقها من الانتباه أو المتابعة وحتى لو حصلت لا تثير ذلك القدر من التفاعل، إنه مشهد الضفة الغربية والتي على ما يبدو أن دولة الاحتلال تهندس فصوله بهدوء شديد وروية بدون أي اعتراضات سوى بعض الاحتجاجات الخجولة هنا أو هناك.

لقد اعتادت دولة الاحتلال استثمار الأحداث الكبرى لتحقيق أجندات معدة مسبقا تنتظر اللحظات المناسبة لتنفيذها، فهي استثمرت حرب العام 1948 لتنفيذ عملية ترانسفير هائلة بحق فلسطيني 1948، وكذلك فعلت في العام 1967م وهي لم تدخر جهداً لاستثمار أي حدث كبير لتحقق غايتها الكبرى بجعل المسافة بين البحر والنهر خالية من الفلسطينيين، والدلائل تشير إلى أنها تُعد العدة لشيء مماثل في الضفة الغربية، وهذا ما تشي به الوقائع على الأرض فحسب مركز رؤية للتنمية السياسية فإن أكثر من 221 شهيداً وما يزيد على 2800 جريحاً وأكثر من 3000 معتقل هم حصيلة سلوك ممنهج تقوم به دولة الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، يترافق ذلك مع عقوبات جماعية من هدم البيوت وتجريف كامل للبنية التحتية في مخيمات جنين وطولكرم ونابلس حسب نفس المصدر، مما يوحي إلى أن خطة الحسم المُتبَناة من قبل الوزير سموتريتش موضوعة على النار وقيد التطبيق، يحاجج البعض أن ذلك لمنع الضفة الغربية من الانتفاض ومساندة غزة، والبعض يقول إن ذلك لكسر روح الاعتزاز التي ظهرت بين الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، ربما يكون في ذلك شيء من الحقيقة ولكن ليس كل الحقيقة، فالمشاهد على الأرض وسلوك دولة الاحتلال يؤكد أنها تجهز لأجندة مخفية لم تُعلن إلا تلميحاً حتى الآن


صحيح أن حالات التعذيب والقتل والاعتقالات على الكلمة او حتى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك هدم البيوت وتدمير البنية التحتية والإغلاق الكامل قد مورست وعلى نطاق واسع في السابق لكنها ابداً لم تشهد كل هذا التصعيد وفي فترة محدودة، ومع ما يرافقها من  حصار اقتصادي على عدة مستويات ابتداء باقتطاعات كبيرة من أموال الضرائب، وانتقل الى عملية طرد للعمال الفلسطينيين من الضفة مما حرمها مما لا يقل عن مليار وأربعمائة ألف شيكل، كل هذا خلق حالة من الاختناق الاقتصادي في الضفة الغربية، مما يشير إلى أن لدى إسرائيل النية لخلق حالة من الإذلال الاقتصادي والنفسي لدى مواطني الضفة الغربية لغايات وأجندات تتعلق بمخطط يرسمه اليمين المتطرف بقيادة الثنائي سموتريتش وبن غفير، وكأنهما يصارعان الزمن قبل مغادرتهما السلطة، وإذا ما قرأنا هذا بالتوازي مع ما يحصل في قطاع غزة من دفع قسري للمواطنين هناك كي يهاجروا، هذا يضعنا أمام مخطط شامل يطال القطاع والضفة غايته خلق بيئة طاردة للمواطنين تدفعهم للهجرة بسبب قسوة الظروف، ورغم مواجهة هذا المخطط لعقبات كبيرة، أهمها رفض الفلسطينيين وتشبثهم بأرضهم مها كانت الظروف التي يقاسونها، والثاني رفض الدولتين العربيتين الأردن، التي اعتبرت أي شكل من أشكال التهجير بمثابة إعلان حرب، وكذلك مصر التي رفضت حتى مناقشة هذه الفكرة
لكن لا يمكن إنكار أن الطبيعة الإنسانية لها احتياجاتها ولها طاقة من التحمل، وتجارب العقد الأخير تثبت أن فكرة التهجير الجماعي لا تزال حاضرة في أذهان الدول ذات الطبيعة الشوفينية لذلك يجب مواجهتها ومواجهة خياراتها بكل وسيلة، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة ليس على الفلسطينيين وإنما على عموم المنطقة بقياداتها وشعوبها، وتجربة العام 1948 تؤكد ذلك