ماذا يحدث في غزّة؟
سليم النجار- وداد أبوشنب
" مقدِّمة"
مفردة "السؤال" وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الدكتور محمد أقضاض من المغرب يكتب لنا من زاويته "ماذا يحدث غزة"؟
بوادر حرب عالمية ثالثة!!!
الدكتور محمد أقضاض
1-مدينة الأنفاق واستراتيجية حرب عالمية جديدة
ماذا يحدث في غزة؟: ما يحدث هو الحرب العالمية الثالثة! التي أعلنتها إسرائيل بمشاركة قادة الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، باعتبار إسرائيل "مظلومة"؟! فتقاطب على الصهاينة الرؤساء الغربيون: رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيتها، رئيس فرنسا، رئيس وزراء إنجلترا، المستشار الألماني، رئيسة المفوضية الأوربية ووو... كلهم يؤيِّدون إسرائيل ويدعمونها عسكريا وماليا وموقفا وينفذون كل ذلك..
وهي حرب عالمية كاريكاتورية، لأنها تقع على قطعة أرضية لا تتعدى مساحتها 365 كلم، وهي محاصرة، أرضا وجوا وبحرا، منذ 2007، فقط لأن حماس تمكنت من الفوز في انتخابات نزيهة تطلبتها الديمقراطية التي يتبجح بها الغرب، ولأن هذه الانتخابات لم تكن نتائجها متوقعة ليتصرف فيها المتحكمون من الخرج.. فحوصرت غزة وأصبحت سجنا واسعا جدرانه هي كل أنواع الأسلحة الفتاكة التي يملكها الصهاينة وحماتهم..
ولأن الفلسطينيين في غزة ليس لهم الحق والحرية للتحرك على سطح الأرض فاتجهوا إلى أعماقها لبناء مدينة بالأنفاق المنظمة. لذلك باتت المقاومة تحارب أعداءها من تحت الأرض وليس من فوق الأرض. وبقي المدنيون فوق الأرض، فأضحى المحتل الصهيوني يمارس فيهم كل تجاربه العسكرية كلما جدد سلاحه الفتاك، أو استلمه من حماته الاستعماريين التقليديين. ويستعمل كل التكنولوجية الحربية التي أنتجتها مصانعه ومصانع الدول الغربية، كما يحدث حاليا. فلم يجد العدو وسيلة للانتقام من المقاومة سوى القتل بالآلاف عبر مئات الطائرات والبوارج الحربية والآليات العسكرية المختلفة فوق الأرض، فقد قتل إلى حد الآن، في هذه الحرب الحالية، منذ 8 أكتوبر 2023، أكثر من 11000 ألف شهيد مدني، من بينهم أكثر من 5000 طفل والعدد يتزايد مع استمرار الحرب المتوحشة، رحمة الله عليهم جميعا، ودمر حوالي 50% من البنايات، عاملا على إخلاء غزة..
وقد حركت الدول الغربية أهم حاملاتها للطائرات وباقي بوارجها الحربية، كما فعلت الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، ونظمت جسرا جويا بينها وبين الكيان الصهيوني لتزويده بأحدث الأسلحة من أجل سحق مليوني ساكن في غزة..
وعمد الجميع إلى حرمان السكان من أي مقوم للحياة، فلا طعام ولا ماء ولا كهرباء ولا وسائل للتواصل ولا وقود ولا دواء، مع تدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس وملاجئ الأونروا، بعد البيوت، على من فيها.. ومعروف أن الغرب له تجربة واسعة في الحروب العالمية وهو الذي أشعلها وجرت في أوربا ومستعمراتها. من هذه الحروب حروب عالمية معاصرة صغيرة في أفغانستان والعراق وسوريا وأكرانيا... ورغم ذلك تتجه المقاومة في غزة نحو الانتصار..
2-هدف الحرب: المقاومة/المحتل
ما هو الهدف من هذه الحرب؟ هدف المقاومة هو التحرر واسترجاع الأراضي الفلسطينية التي اغتصبها الصهاينة. أما هدف المحتل وحماته فهو استئصال المقاومة وتكريس هيمنته على كل الأراضي الفلسطينية، بتهجير ما تبقى من سكانها نحو سيناء المصرية ثم سكان الضفة الغربية نحو الأردن.. فترتاح إسرائيل من شغبهما وتتقوى، وفي نفس الوقت توجه عدم الاستقرار إلى البلدين المجاورين، مصر والأردن.. ولأن الفلسطينيين واعون بالمخطط، تشبثوا بأرضهم رافضين الخروج منها رغم حرقهم وحرقها.. فيتم الآن استنساخ تجربة أمريكا الشمالية مع الهنود الحمر، سكان البلاد الأصليين، أي إبادة سكان غزة ثم سكان الضفة الغربية.. وهذا ما ينفذه الصهاينة، بمباركة الولايات المتحدة وكل دول الغرب، وباتوا يخططون معها لما بعد "القضاء" على المقاومة؟؟! ثم يتم تنفيذ المخطط الاستعماري، حين "ينتصر" الصهاينة وحماتها، وينطلق تقسيم الشرق الأوسط حيث يتمكن الصهاينة بأكبر المساحة فيه، ويتم تحويل البلدان المجاورة إلى دويلات/إمارات تحت نفوذهم..
هل تم تدجين الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟ حسب تراخي هذه الأنظمة، وأحيانا سكوتها على أبشع الجرائم الإنسانية التي تحدث في غزة، جرائم لم تحدث في كل تاريخ الحروب في العالم، فإنها تنتظر ما تسفر عنها تلك الجرائم. والحقيقة أن جل الأنظمة العربية، بما فيها السلطة الفلسطينية، وأيضا الأنظمة الإسلامية، تتمنى في قرارة نفسها أن يتم القضاء على المقاومة لأنها تثير الشعوب المؤيدة والمتعاطفة لـ/مع القضية الفلسطينية، وربما تخرج هذه الشعوب من سطوة أنظمتها، فيحدث ما حدث في بعض البلدان الأفريقية، وتنجب المقاومة الفلسطينية مقاومات..
خاصة إذا ما توسعت الحرب فتسهم فيها جديا منظمات مقاوِمة أخرى وبالذات حزب الله والميلشيات العراقية والسورية وأنصار الله في اليمن، ثم تجُر هذه المنظمات قوى أكبر على رأسها إيران.. فتكون هذه الأنظمة محرجة جدا.. وهذا التوسيع هو ما تخافه الدول الغربية، خاصة أمريكا، التي ستخسر مصالحها في المنطقة، الأمر الذي استوحاه رئيس فرنسا الذي بدأ يتنصل من إسرائيل خوفا من انتفاضات شعبه الذي ينظم يوميا المظاهرات تأييدا لفلسطين، ومن أن تفقد دولته مصالحها في الشرق الأوسط كما بدأت تفقدها في أفريقيا.. بينما الأنظمة العربية خائفة من التهديدات الإسرائيلية والأمريكية فبدأت تناور معها إلى أن تنتهي الحرب لـ"صالح" المغتصب فترتاح..
3-السيناريوهات المقترحة للحرب من منظور إسرائيلي
ماذا سيحدث في غزة؟ بدأت سناريوهات عديدة تطرح في الغرف المغلقة بين إسرائيل وحماتها وبعض الأنظمة العربية:
أـ أن الصهاينة "سيقضون" على المقاومة الإسلامية، حماس على الخصوص، ويحتلون غزة، فيغرقون في المستنقع، خاصة وأن الاحتلال سيطلق جنوده في الساحات والشوارع ويصبحون لقمة سائغة للمجاهدين ينبثقون من تحت الأرض، والصهاينة متأكدون من ذلك.. وبالذات لأن المقاومة لا يمكن أن تنتهي، ويعني بقاؤها بالنسبة لهم أن نهايتهم ستبدأ من غزة..
ب ـ لذلك فكروا أيضا في: أن يهيئوا السلطة الفلسطينية لتعود إلى غزة لتكون ممثلة للصهاينة هنا كما تمثلهم في الضفة الغربية، وهو حل يشكل مصيدة لهذه السلطة لأنها سوف تنتهي في غزة، أو تشعل حربا أهلية فيها، وتستعين بالمحتل، فتكون الكارثة..
ج ـ ثم السيناريو الثالث هو بعد "القضاء" على المقاومة تأتي قوة أممية لتحتل غزة حماية للصهاينة.. وستنبثق المقامة من تحت الأرض وتطرد تلك القوة..
دـ السيناريو الرابع، ربما أن تأتي دول الجوار، مصر مثلا، لتدير القطاع، وهو ما لا تقبله هذه الدول، خاصة وأن الجميع من المخططين والمنفذين للحرب، على غزة، مقتنعون، في قرارة أنفسهم، بأن المقاومة ستنتصر ولا يمكن استئصالها، لذلك يهربون إلى الأمام بهذه السيناريوهات..
4-بداية نهاية الأسطورة الإسرائيلية
ورغم أن الصهاينة يقولون إن الحرب ستطول، إلا أن الوقت الطويل ليس لصالحهم، فهم ألفوا الحروب الخاطفة التي ينتصرون فيها، حماية لحياة جنودهم، لكن هذه الحرب ليست كمثيلاتها السابقة، هي حرب مع أشباح، حرب عصابات تنبثق من تحت الأرض، وتؤدي إلى القتل الواسع للجنود وإلى تدمير الآليات، مع أن الصهاينة قد استنفذوا كل أنواع الأسلحة التي يملكونها ويملكها الغرب، ولم يبق لهم ما يضيفون سوى الدفع بالجنود إلى القطاع حيث تصطادهم المقاومة، أو أن يستعملوا القنابل الذرية.. وفي نفس الوقت يتقلص الدعم الغربي أمام اتساع وكثافة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وأمام ما يحرك تلك المظاهرات وهو مشاهد المجازر التي تقترفها العصابات الصهيونية لقتل المدنيين وخاصة الأطفال.. لذلك ليس أمام الصهاينة الوقت الكافي والقدرة لتحقيق بعض أهداف حملتهم على غزة..
والمقاومة تعرف أن جل أرض غزة أضحى ميتا بطبيعة حوالي 50000 ألف طن من القنابل المدمرة والحارقة والمحرمة، التي ألقيت وما زالت تلقي على غزة، وتعرف أيضا أن أمراضا شتى ستنتشر بين الغزاويين... إلا أن أبناء غزة واعون بذلك وسيدرسون كيف يمكن أن يتحملوه ويعالجوه، رغم أن ذلك يحتاج إلى وقت.. فيبقى الحل هو اعتراف العدو بالهزيمة، وتدبير مناطق لإسكان صهاينة غلاف غزة، وغلاف جنوب لبنان، لأنهم يرفضون العودة إليهما خوفا من المقاومة، وتطبيق دعوات مجموعة من الصهاينة لشعار "لنرحل جميعا من هذه الأرض".. ما يقع في غزة، إذا، هو بداية نهاية أسطورة الصهاينة، أي نهاية حلم الاستقرار في "أرض الميعاد".