سنة التدافع ...


هل هناك سنن إجتماعية وأخرى حربية ، يبدو ذلك هذه السنة هي من سنن القوة ويبدو أن هذه السنة من السنن التي تحتاجها المجتمعات حتى تحيا حياة سليمة للإسف ، وأقول للأسف لما يرتبط بها من معاناة ومآس .

يقول مواطن في السويد لم يحدث في هذه البلاد حدث مهم منذ القرن السابع عشر ، لو أن حربا تأكل الأخضر واليابس ونبدأ من جديد ، يا هذا نحن في هذا الجزء من العالم لم نعرف الهدوء منذ بدأ الخلق ، وكم نتمنى أن يتركنا العالم ننعم ببعض الهدوء . 

وهنا حملات صليبية وتتر ومغول ورومان ، وكل هذه كانت تهدف للسيطرة على هذه الأرض التي تمتاز بجغرافيتها ووسطيتها ، بحيث تقع فيها معظم الممرات المائية المهمة بين القارات ، وتمتاز بمناخ معتدل وأرض زراعية خصبة ، حيث كانت سهول حوران ومصر سلة الغذاء لكثير من الحضارات عبر التاريخ . 

ومهد الأديان والحضارات ، كانت هذه المنطقة هي التي تشكل فارقا حضاريا مهما ، وتفوقا حضاريا مميزا ، فقد كانت القوى الهمجية التي تمر من هنا تمسها روح الحضارة ، وتؤثر فيها بل وتغيرها ، فالتتر والمغول دخلوا الإسلام ، والحملات الصليبية نقلت الكتب والعلم والحضارة ، وسرقت الأموال والخيرات من المنطقة . 

لم يحدث أن كان تأثير هذه الحملات على هذه المنطقة قادر على تغيير أهلها وعاداتهم وحضارتهم إلا في الحملة الأخيرة من قبل الإنجليز والفرنسيين ، كما أشار إلى ذلك الباحث محمد إلهامي في كتابه المهم ( من الفتوحات إلى الهيمنة ) ، من هذه الحملة الإخيرة بدأت الأمور تأخذ منح أخر ، فأصبحت هيمنة ولم تعد فتوحات كما كانت من قبل . 

وأقف مع الهيمنة الحديثة ، والتي تكشفت تفاصيلها وحيثياتها مع الطريقة التي تتعامل بها قوى الغرب مع هذا الإحتلال الغاشم لأهلنا في فلسطين ، والدول العربية والإسلامية ، فمن الواضح تماما أن هناك تحالف قائم على نصرة هذا الكيان مهما قام من أعمال ، ومهما تجاوز من أعراف وقوانين ، ودعمه بالمال والسلاح والغذاء لبسط سيطرته الظالمة على هذه المنطقة من العالم .

ولم تأخذ هذه القوى في الحسبان إي إعتبار للدول العربية والإسلامية، ولا حتى للمسلمين ممن يحملون جنسيات هذه البلاد ، وكل هذا يبدو أنه يعتمد بشكل رئيسي على ذلك الشعور بتبعية هذه البلاد لهم ، وعدم قدرتها على الخروج عن سيطرتهم ، حتى لو كان الأمر في إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتفريق عنصري واضح وتعامل بإزدواجية أوضح . 

إن التاريخ يدور دورته شاء من شاء وأبى من أبى ، ولذلك ما تقوم به اليوم من أعمال هو تماما ما يجب أن تتلقاه غدا ، إن الإعتماد على القوة والسلطة في سلب الحقوق ، وقمع أصحابها ، ونفيهم وسجنهم وتهجيرهم ، وكل ذلك سيخلق رغبة في الثأر والإنتقام من هذا الذي سرق أرضهم وطردهم ، وكل جيل يأتي سيكون أشد وأكثر دربة ودراية وتعليما من الذي قبله ، حتى يعود الحق لأهله ، وقالوا قديما لا يضيع حق وراءه مطالب .

وهذه العمليات الحربية التي قامت بها هذه الثلة من المقاومة الفلسطينية ، وهذا التطور في المعدات والتكتيات والأسلحة دليل واضح أن طريقهم لتحرير بلادهم يقصر كل يوم ، ففي الحملة التي قام بها الكيان في 2009 ، كان هذا الجيل ما يزال يافعا ، واليوم هو من يقود المعركة بإقتدار ، ولقد سقطت عواصم وبلدن كانت تمتاز بالعدد والعتاد في ساعات معدودة ، وهؤلاء مع كل ألة الحرب والحلفاء والإمداد بالسلاح والذخيرة لعدوهم ما زالوا صامدين بعد أكثر من شهر من القتال .

ما خلق هذا الجيل وساهم في صياغته وإعداده نفسيا وجسديا وعلميا وصبرا وإحتسابا هو العدوان الأول ، وسيخلق العدوان الثاني في هذا الإيام جيل أكثر وعيا وقدرة وصبرا وعملا وإحتسابا ، وربما سيكون له اليد العليا في الأيام القادمة . 

فهذا العمل والإعداد والجاهزية على قلة في كل شيء، لهو دليل بالغ على أن سنة التدافع بين بني البشر تدفع البشر لحدودهم العليا في العمل والإعداد والصبر والإحتساب في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود ، وحسب رأيي لا تنهض الدول التي تفتقر إلى التحديات وتعيش في سلام مع بيئتها ومحطيها ، بل تنهض تلك الأمم التي تتعرض لهذه السنة ، وتدفع هذه السنة رغم التضحيات والإبتلاءات الكبيرة تدفع الشعوب لحدودهم العليا في الإيمان والتطور والتغيير . 

وربما لأجل ذلك كانت هذه السنة القوية سببا في عدم فساد الأرض كما أشارت الأية الكريمة ، ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) البقرة 251 .

إبراهيم أبو حويله ...