سبل الحماية من الآثار النفسية ل الكوارث والحروب٠٠٠ خبراء يتحدثون

‎الأنباط – مرح الترك

‎ شهدت القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً زيادة في عرض الكوارث الطبيعية ومشاهد الحروب وتحديداً العدوان الصهيوني على غزة ، مما أثار مشاعر الخوف والتوتر في المجتمع الأردني ، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي مكنت الجميع من مشاركة الحدث والعيش في تفاصيله دون أن التحكم في ذلك .

‎في ذات السياق، أشارت الدكتورة سارة مهداوي اخصائية علم النفس إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت أمامنا أبواباً جديدة وزادت قربنا من الأحداث، خاصة تلك التي تتعلق بالحروب والكوارث الطبيعية، مبينة أن مشاهدتها يمكن أن تؤثر على صحتنا النفسية وتسبب قلقًا واضطرابات في النوم، وفي بعض الحالات يمكن أن تؤدي إلى حالات هلع تعرف بـ "PTSD" أو اضطراب ما بعد الصدمة الثانوي، والذي يمكن أن يطال الإنسان بعد مشاهدة الحدث أو حتى سماع أخبار عنه.

و أوضحت في حديث خاص لـ"الأنباط" أن هذا النوع من الصدمة يحدث بسبب عدم قدرة العقل البشري على التمييز بين أن الشخص يعيش الحدث بالفعل أم أنه يشاهده فقط، مبينة أهمية عدم التقليل من أهمية هذه الصدمات، حيث يمكن أن تسبب مشكلات نفسية وتقلل من المناعة النفسية للأفراد، مما يجعلهم أكثر توترًا، لذلك، يجب عزل هذه الأحداث والمشاهد عن الحياة الشخصية.

وزادت، أن هناك أشخاصًا يمتلكون القدرة على تحمل هذه المشاهد ويمكنهم التعاطي معها بشكل صحيح عبر الوعي بأنفسهم واستثمار قدراتهم
بطريقة مناسبة، لافتةً أن هذا الرد الإنساني هو جزء من التعاطف والإنسانية، ولا ينبغي أن نعتاد على مشاهدة هذه الأحداث بشكل متكرر لأنه يؤدي إلى إرهاق نفسي وفقدان التعاطف مع ضحايا الكوارث والحروب.

وفيما يتعلق بممارسة الحياة الطبيعية، أشارت مهداوي أنها لا تعني الرفاهية، بل تعني العودة إلى الروتين اليومي بحكمة وتقديم الدعم والعون بالطريقة الصحيحة، مع الابتعاد عن الإحباط والإرهاق، والحفاظ على العزيمة، مشددة على ضرورة إدارة الحالة النفسية للأطفال والتركيز عليها من قبل أهاليهم بخصوص تعرضهم لمشاهد هذا النوع ويجب على الأهل تقديم الطمأنينة للأطفال ومحاولة إبعادهم عن المشاهد الضارة التي لا تتناسب مع أعمارهم قدر الإمكان، وقديم نبذة عن الأحداث بشكل مناسب لمستوى عمرهم، مع التركيز على متابعة حالتهم الجسدية لأنها تعكس حالتهم النفسية، و مراقبة أي تغيرات محتملة مثل التبول اللإرادي أو قضم الأظافر أو عدم الرغبة في الذهاب للمدرسة أو الخوف غير المبرر، حيث يمكن أن تكون هذه علامات على تأثرهم بالأحداث من حولهم.

من جانبه أكد الخبير في علم الاجتماع الدكتور علي الخضور لـ"الأنباط" على وحدة الدولة الأردنية والفلسطينية من جميع الجوانب، مشيرًا إلى أنهما كأخوة بالدم، وأي خلل يحدث في فلسطين ينعكس بشكل كامل على الأردن، ويتسبب في خسائر تولد شعورًا بالاحباط واليأس لدى المشاهدين، ويمكن أن يؤدي إلى حالات من العدوانية والغضب الداخلي تجاه الأحداث.

وأشار إلى أهمية الاعتقاد بالأخوة الحقيقية كعرب ومسلمين، موصياً بعدم التهاون في تقديم الدعم، سواء كان ماديًا أو معنويًا، مثل تقديم المساعدات عبر العديد من الهيئات الخيرية والنقابات وغرف التجارة في مختلف مناطق المملكة لجمع الأموال والاحتياجات الطبية والغذائية والأدوية، وإرسالها عبر المعابر التي فتحت بعد القرارات التي تم اتخاذها بالتعاون بين العديد من الدول مثل الأردن ومصر والسلطة الوطنية وغيرها.

وأضاف، أنه وبعد الاطلاع على بعض الحالات الإنسانية، تبيّن أن هناك العديد من الأشخاص الذين يتعاملون مع الأحداث بطريقة تجعلهم يصلون إلى مراحل اليأس والصراع والغضب ويعبّرون عن تلك المشاعر من خلال التعليقات على الصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، و تصبح الأمور الشخصية جزءًا من تجربتهم، مثال على ذلك المنشورات التي يكتبها هؤلاء الأشخاص "أصبحت منعزلًا عن العالم، وتعرفون كيف أصبحت قيمتي كشخص؟ وعلاقتي مع أي شخص إذا لم يكن مع القضية؟ إذا لم يكن معها، سيتم حذفه من حياتي وصداقتي لأن هذه قضية الشرفاء فقط."، يُظهر ذلك التأثير العاطفي القوي الذي يمكن أن يكون له احداث كبيرة على حياة الأفراد وعلاقاتهم.

وبين أن هؤلاء الأشخاص يعبرون عن الاستقرار الداخلي والصمود رغم الأوضاع الصعبة مغردين عبر وسائل التواصل الاجتماعي "يا الله، متى ستنهي هذا العذاب؟ لم تعد قلوبنا تتحمل أهوال ما نشهده." ويشيرون إلى أنهم يواجهون الصعوبات بكل قوة قائلين "الواحد بطل اله نفس يعيش وغزة بهذه الحالة"، ويمدحون المقاومة ويقارنون بين ألامهم وبين تلك المعاناة الشديدة.

وعلى الرغم من الحالة النفسية الصعبة التي يمر بها بعض الأشخاص، إلا يظلون ملتزمين بالوقوف إلى جانب القضايا التي تؤثر على المناطق، حتى إذا وصلوا إلى مرحلة الافراط في التعبير عن مشاعرهم والمبالغة فيها، ويصبح من الصعب العودة إلى الحياة الطبيعية ونسيان ما يجري أمام أعينهم، حيث يبدو أن شعور المقاومة الداخلية يتجدد يومًا بعد يوم، مما يعكس حقيقة الصراع والصمود الذي يواجهونه.