23 يوماً على المجازر الاسرائيلية.. الفلسطيني يخط بدمه مفاهيم الحرية والسلام

 رزان المبيضين- 23 يوما من القصف الاسرائيلي الجنوني بكل ما أنتجته تكنولوجيا القتل والتدمير عن بُعْد وغزة ما تزال عند الوعد؛ صمود مع سبق الإصرار والايمان الذي لا تزعزعه نيران العدو التي قتلت الأطفال وأمهاتهم ودمرت البيوت والمساجد والكنائس والمستشفيات فوق رؤوس ساكنيها أو اللاجئين اليها من بطش لم تشهده حتى فظائع الحرب العالمية الثانية بكل ما شهدته من بطش ودمار.
ولا عجب إذن أن يثور العالم الحر في قلب العواصم الداعمة لإسرائيل، فقد وصلت رسالة الفلسطيني المظلوم الى أقاصي الأرض، رسالة الحرية التي يرسمها بدمه على تراب غزة خاصة والأرض الفلسطينية عامة، ولا بد أن يكون العالم قد فهم سرُّ الإصرار الفلسطيني على كسر منطق "القوة التي لا تقهر". إنه ذاك الظلم والقهر الذي وقع عليه قبل 75 عاما يوم اقتلعه عدو اليوم من أرضه على وقع مجازر لا تقل بشاعة ودموية عما يحدث اليوم.

فذاك ما حذر منه جلالة الملك عيدالله الثاني مرارا وتكرارا من قبل كان آخره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين حين قال جلالته في كلمته "لا يمكن لأي بناء للأمن والتنمية الإقليميين أن يثبت أساسته فوق الرماد المحترق لهذا الصراع". محذرا جلالته "الى أين نحن سائرون؟ إنْ استمرت الضبابية تحيط بمستقبل الفلسطينيين سيكون من المستحيل الاتفاق على حل سياسي لهذا الصراع".
حينها شخص جلالته المشكلة وحذر من استمرارها على هذا الحال حين ذكّر العالم بأن "خمسة ملايين فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال بلا حقوق مدنية ولا حرية تنقل ولا قرار لهم في إدارة شؤون حياتهم".

وفي اليوم الثالث والعشرين لمجزرة غزة المتواصلة ليل نهار يقول حقوقيون وقانونيون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إنَّ ويلات الحرب على قطاع غزة التي هدرت حتى اللحظة دم 8 آلاف فلسطيني أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، كانت إسرائيل كعادتها تضرب بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية الخاصة بحقوق الإنسان في وقت السلم والحرب وتمارس عنجهيتها بقصف الأبرياء من السماء بطائراتها.

وأضافوا، إنَّ خروقات الاحتلال القانونية شكلت جرائم حرب أطاحت ببنود هذه القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وسط ازدواجية المعايير لدى الدول صانعة القرار وانحيازها المطلق لإسرائيل، وسط تساؤلات تراود العالم حول قابلية الإرث البشريّ الحقوقيّ للحياة بعد كل تلك الجرائم ضد الإنسانية.

وأشاروا الى أن خطاب جلالة الملك في مؤتمر القاهرة الدولي للسَّلام الذي عقد أخيرا كان دفاعا عن هذا الإرث البشريّ الحقوقي، وحماية الإنسان من شريعة الغاب التي قد تسود في حالة غياب القانون وهو ما تفعله اسرائيل الآن مثلما دأبت عليه منذ 75 عامًا.

مُيسرة أعمال المركز الوطني لحقوق الإنسان ريم أبو دلبوح أشارت الى حجم الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل في ظل هجماتها الوحشية للمعايير الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية، وانتهاك اتفاقيات جنيف الاربعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
وقالت، إن إسرائيل ضربت بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية التي تحظر استهداف الممتلكات الخاصة او العامة والمستشفيات ودور العبادة حين قصفتها بوابل من القنابل والصواريخ قاصدة ذلك ايقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ من خلال تفجير هذه المنشآت وهدمها فوق رؤوسهم. في مخالفة صارخة للمادة 18 و 20 من اتفاقية جنيف.

وأشارت ابو دلبوح الى أن المادة 17 من هذه الاتفاقية نصت على وضع ترتيبات خاصة لنقل الجرحى والمرضى وكبار السن من المناطق المحاصرة وتسهيل مرور ومهمات أفراد الخدمات الطبية، لكن قوات الاحتلال تصر على مخالفة ذلك كله وتمنع إدخال المساعدات الطبية والإغاثية لقطاع غزة وتقطع الكهرباء والمياه في مخالفة للمادة 23 لاتفاقية جنيف الرابعة، وتواصل انتهاكاتها بشكل صارخ وممنهج للاتفاقيات والقانون الدولي الانساني وقرارات الشرعية الدولية.
من جهته قال الخبير في القانون الدولي الدكتور سيف الجنيدي، إنه عند الحديث عن جرائم الاحتلال في غزة يجب أن ننطلق من التشخيص القانوني القائل بأن الكيان الإسرائيلي هو سلطة احتلال ويجب في الحالة الفلسطينية تطبيق القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ على أيّة واقعة على الأراضي الفلسطينيّة.

وخلص الجنيدي إلى أن ما يشهده قطاع غزة اليوم هو جرائم حرب توجب المساءلة بحق سلطة الاحتلال ككيان وأفراد أيضاً، موضحا أنه استنادا لاتفاقيات جنيف الأربعة فإن سلطة الاحتلال ارتكبت خرقاً قانونيّاً لكل مادة ولكل فقرة من هذه الاتفاقيات، ما يشكلّ إطاحة بالقانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ، مشيرا في هذه المسألة الى ازدواجية المعايير لدى بعض الدول الغربيّة وأميركا النابعة من التّحيز التام لسلطات الاحتلال والتعامي عن حقوق الشعب الفلسطينيّ.

وأكد أن ما يمارسه جيش الاحتلال في غزة بحق الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والآمنين تجاوز مرحلة الخرق القانونيّ الى إرهاب الدولة المسلح بكل أنواع الأسلحة الفتاكة.

وتساءل كيف سيكون شكل الاحتفال بالذكرى 75 للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يحل بعد 45 يوماً من الآن في ظل أحداث غزة؟، هل الإرث البشريّ الحقوقيّ قابل للحياة؟، هل التوافق العالميّ لحقوق الإنسان الذي وضعته الأمم مجتمعةً بعد ويلات حروب ما يزال ذا قيمة فعليّة في الذهنية الجمعيّة العربية اليوم أم مجرّد نظريات يلقيها الغرب على عالمنا العربي؟.

وبين الجنيدي أن سلطات الاحتلال مارست جرائم الإبادة الجماعية والتهجير وهدمت المنازل والممتلكات وفرضت عقوبات جماعية، واستهدفت الصحفيين بشكل مباشر ومقصود.
وكانت نقابة الصحفيين الأردنيين دعت الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والاتحاد الدولي للصحفيين، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكل المنظمات الدولية والأممية ومنظمات حقوق الانسان والنقابات والاتحادات والجمعيات العالمية والإقليمية، الى ممارسة صلاحياتها للضغط على الاحتلال لوقف الجرائم التي يرتكبها بحق المدنيين بمن فيهم الصحفيون في قطاع غزة، دون أي اعتبار للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، أو إعطاء أي اهتمام للقيم الإنسانية والأخلاقية.

وطالبت النقابة مؤسسات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والقضاء الدولي، بأن تتداعى لوقف هذا الإجرام بحق ومحاكمة قادة الكيان الإسرائيلي على جرائمه، وتطبيق المعايير الدولية التي تضمن سلامة الصحفيين التي اعتمدتها الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والوثائق القانونية الدولية من الاتفاقيات والإعلانات والقرارات المتصلة بسلامة الصحفيين والقرار المتعلق بمكافحة الإفلات من العقاب والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وأكد الخبير في القانون الدولي الدكتور أمين هلسة أن مساءلة الدول عن الجرائم المرتكبة اثناء النزاعات المسلحة من المواضيع التي شكلت تحديا في القانون الدولي العام، مشيرا الى أنه من الناحية النظرية يمكن مساءلة "إسرائيل" من خلال مجلس الأمن؛ كونه يملك صلاحيات اتخاذ تدابير عسكرية أو غير عسكرية مثل الحصار والعقوبات الاقتصادية الأخرى، لكنه استبعد من الناحية العملية تحقيق ذلك بسبب استخدام أميركا لحق الفيتو ضد قرار كهذا.
وبالنسبة للجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال أشار الى ما ينص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المواد 6 و7 و8 بخصوص جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وهو ما ينطبق على ممارسات الاحتلال في حربه على غزة.