هولوكست غزة
هولوكست غزة
المحامي معتصم صلاح.
من الثابت تاريخيا مشاركة الحركة الصهيونية والحزب النازي الألماني، وتعاونهما معا في اتفاقية (الهعفراه) - وهي كلمة عبرية تعني (الترحيل)- أي ترحيل السكان اليهود من المانيا النازية إلى فلسطين، والتي بمقتضاها صرح النازيون الألمان لليهود بالهجرة، ووافقوا على الافراج عن أموالهم على أن تودع في أحد البنوك الالمانية، وأن يتم انفاقها داخل المانيا ذاتها، عن طريق شراء البضائع والآلات، لتصديرها إلى المستوطنات الصهيونية في فلسطين، وفي ضوء ذلك كسرت المنظمة الصهيونية العالمية، الحصار الاقتصادي الذي فرضه يهود العالم على البضائع الالمانية انذاك، وممارسة الإرهاب النازي بعمليات التطهير العرقي، للتخلص من الفائض البشري غير المنتج المتمثل في الطبقة الرثة وكبار السن والمرضى والمعاقين جسديا وعقليا من اليهود، من أجل دفع يهود أوروبا في الهجرة إلى فلسطين لتحقيق الأهداف الإستعمارية الكوليونالية الإحلالية في قلب الوطن العربي، وهذا ما كشفته لنا محاكمة ايخمان عن بعض جوانب العلاقة بين النازيين والصهاينة، والذي لم يخف إعجابه في الصهيونية، واعترافه بتأسيس معسكرات تدريبية للمهاجرين اليهود، وذلك ما جاء به الأمريكي ليني بريند في كتابه "الصهيونية في زمن الديكتاتورية- 1983" وأيده في ذلك جدال كين ليفيجستون رئيس بلدية لندن السابق عام 2016.
إن كلا النظريتين الصهيونية والنازية انطلقتا من مشرب واحد ونبعتا من فلسفة واحدة، فكانت النظريتان خلاصة الحضارة الغربية التي صدرت إلى مشرقنا العربي، فليس من المستغرب أن يرتكب الكيان الصهيوني الجرائم الهمجية البربرية، التي تجاوزت صفة الإبادة والتطهير العرقي، الذي ارتكبه جنكيز خان بحق البشرية، فتفوقت جرائمها ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني عبر تاريخ الصراع الممتد لأكثر من مئة عام على كل الجرائم التي ارتكبت بحق الانسانية عبر كل التاريخ البشري.
إن جرائم الإبادة الإنسانية التي تحدث في فلسطين الآن، ما هي إلا حلقة في سلسلة محارق وهولوكستات في حق الشعب الفلسطيني، من خلال العديد من المجازر والمذابح، بحيث لم تنجوا مدينة أو قرية أو مخيم من المحارق الصهيونية عبر تاريخ هذا الصراع، ويعود ذلك إلى ثقافة اليهودي الاسرائيلي الإجرامية النابعة من معتقداته الدينية التوراتية والتلمودية التي تعتبر غير اليهودي لا ينتمي إلى فصيلة البشر بل وأدنى مرتبة من الحيوانات، أنهم يعتقدون بأن ربهم يهوه قد خلق الآخرين بصورة البشر لكي يكونوا خدما وعبيدا لليهود، حتى لا تشمئز نفوسهم من أولئك الخدم حين يقومون بخدمتهم، وبالرجوع إلى تعاليمهم التوراتية والتلمودية، فلن نجد إلا الإبادة والقتل والتنكيل في البشر والحجر والحيوان ولكل ما هو غير يهودي، فلقد ورد في سفر ارميا "ملعون من يمنع سيفه عن الدم" وورد في سفر التثنية " فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، وأجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد" وورد أيضا في سفر التثنية "وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف.........حاصرن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منهم نسمة بل تحرمها تحريما الحثيين والاموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسين كما أمرك الرب إلهك".
لذا لايجب أن نستغرب بأن المجتمع الاسرائيلي لن يأخذه شعور الخطيئة والعار والذهول من هول ووحشية جرائم إبادة جيشهم الذي قهر وأذل في السابع من اكتوبر في انتقامه المتمثل في قتل الاطفال والنساء وقصف المستشفيات والمساجد والكنائس بل أنه يرى بأنهم ورثة يوشع بن نون التوراتي الذي فتك بالكنعانيين واليبوسيين والاموريين والمؤابيبن والعمونيين وغيرهم من الحضارات وقتل وأباد البشر والحجر في مدينة اريحا وغيرها من المدن الكنعانية الممتدة في فلسطين التاريخية، فكل فرد منهم يتقمص شخصية يوشع بن نون التوراتية، سيما وأنه تم تحطيم أقنومهم المقدس المتمثل بأسطورة الجيش الذي لا يقهر والذي يوفر لهم الأمن والاستقرار والردع العنيف لكل من يسول له شرفه أن يقترب من رفض مشروعهم الكولينالي الاحلالي على أرض فلسطين، وفي خضم اتاحة الفرصة التاريخية لاسرائيل بضوء اخضر أمريكي وأوروبي على ارتكاب مجازرها فلن تتوانى في القضاء على المشروع الفلسطيني التحرري.
لذا فإنهم دائبون الآن في سحق الشعب الفلسطيني، وتقويض المشروع الوطني الفلسطيني، وإنهاء المقاومة في غزة التي اعادت العقيدة القومية النضالية والجهادية للشعوب العربية التي استعادة الامل والشرف والكرامة التي استباحتها مؤامرات التطبيع التي تحطمت على صخرة الملحمة الاسبارطية التي سطرتها المقاومة في السابع من اكتوبر، فاسرائيل عازمة على ارتكاب أفظع جرائم الإبادة البشرية لما تشكله هذه المعركة من معركة وجود مصيرية لكيانهم الكولينالي الاحلالي الذي هو قاب قوسين في الزوال عند تحقيق انتصار المقاومة، فهم عاكفون على سحق المقاومة لاستكمال مشروعهم الاستعماري في يهودية الدولة وتهويد ما تبقى من مدينة القدس لبناء هيكلهم المزعوم وتهجير ما تبقى من الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية ليضمنوا نقاء الدولة اليهودية، فهم عازمون على إبادتهم البشرية للشعب الفلسطيني لأنهم يوقنون بأن انتصار المقاومة في هذه المعركة سيشيد طريق التحرير وسيزيل كيانهم المصطنع في فلسطين، وسيدحروا كما دحر غيرهم من الغزاة، فطوبى للمقاومة، وطوبى للشعب الصامد الصابر على كل جراحاته، وطوبى لكل من يلحق بركب المجد الذي يعبر نحو الحرية والتحرير.