الخسائر مستمرة بمبارياتنا السياسية بدون "ميسي" ٠٠ متى نرى "ميسي" الأردن في الملعب؟

الأنباط – خليل النظامي

 
ما زلت أذكر المشهد المرعب الذي وصفه المعلق الرياضي رؤوف خليف بـ"برشلونة يفعل سلاحه النووي"، حيث كانت هناك مباراة بين نادي برشلونة ونادي آخر لا اذكر إسمه، وكانت النتيجة لصالح الفريق الاخر بواقع هدفين مقابل لا شيء لـ برشلونه، وكانت الجماهير تهتف بصوت مرتفع "ميسي" ،، "ميسي"، وكان اللاعب الأشهر في العالم "ميسي" مركون على دكة الإحتياط.
 
وفجأة ؛ قرر المدرب تلبية رغبة الجماهير وطلب من "ميسي" تبديل ملابسة تهيئا لـ النزول الى الملعب، وبمجرد أن وقف "ميسي" عن مقعده في الإحتياط ؛ علت أصوات الجماهير بشكل مرعب، وكأنه البطل المخلص الذي سينقذ العالم من الفناء، وفعلا نزل ميسي الى الملعب وفي أقل من نصف ساعة أحرز ثلاثة اهداف وقلب النتيجة رأسا على عقب لصالح برشلونة.
 
وهكذا هي الملاعب السياسية في العالم لا تختلف كثيرا عن ملاعب كرة القدم، فتارة تجد الجماهير متعطشة لـ نزول لاعبين يعرفونهم ويثقون بقدراتهم على التغيير لـ ساحة القتال السياسي بهدف خدمتهم وخدمة الصالح العام، وتجدهم تارة أخرى ينفرون ولا يطيقون رائحة ومجرد ذكر أسماء شخصيات أمامهم يعلمون بمعرفتهم المسبقة تملقهم وتسلقهم على الأحبال السياسية المهترئة لـ تحقيق مصالحهم الذاتية على حساب المصالح العامة.
 
وفي خضم هذا كله، يتبلور سؤال هام جدا حول كفاءة المدرب السياسي الذي يتم إختياره ليشكل الفريق ويدربه، وعن الخطط التي يحبكها بهدف الفوز وحصد أفضل النتائج، وإن كان فعلا مدربا مسيطرا على أعضاء ولاعبي فريقه، ويمتلك مهارة إنتقاء اللاعبين وإدخالهم في الوقت المناسب بعيدا عن أي تنفيعات وتحقيق مصالح شخصية، أم أنه مجرد مدرب شكلي، وكثير التردد في إتخاذ قراراته.
 
ونحن والحمدلله ؛ لدينا الكثير من التجارب السابقة في لعبتنا السياسية المحلية، فـ بعض المدربين كان صلب ومتين ولا يرد له قرار، لأن جل قراراته صائبة وهدفها مصلحة الجماهير وإمتاعها وخدمتها وخدمة الصالح العام، قوي وذو بأس ووزن لا يستهان به، وبعضهم الآخر ؛ كان مجرد مدرب مؤقت لا يملك من سلطة اللعبة شيئا، مكتفيا بما يحصده من إمتيازات شخصية وأموال وشهرة وسفرات وجولات وكاميرات تتبعه في كل مكان، وحاشية متملقة تلتف حوله في مشهد أشبه بزفة "عريس في قرية خاوية".
 
أما اللاعبين فما زال الكثير من أصحاب الفكر والانتاج ورجالات السياسية محط الثقة لدى الكثير من الجماهير يجلسون على دكات الإحتياط، حتى ان بعضهم قرر الإعتزال وذهب لـ تربية النحل في مزارع جنوبية وشمالية، وبعضهم الآخر يجلس حاليا وحيدا على كرسي خشبي هزاز في غابة مهجورة منعزلا يحاول كتابة مذكرات معاركه السياسية السابقة.
 
وبـ المقابل نجد ظهور الكثير من الشخصيات الناشئة سياسيا وفكريا، ممن ليس في جعبتهم سوى مجموعة من اللقاءات الإعلامية "الاستعراضية" عبر شاشات التلفزة، وطروحات "شعبوية" عبر منصات التواصل الاجتماعي، لا يحملون أي شكل من أشكال الخبرة والقدرة على إنتاج المعرفة والفكر والتخطيط السياسي والاقتصادي الحديث لـ يخدمون به صالح العامة والدولة بشكل عام، يتملقون هنا، ويتسلقون من هناك لـ لفت الأنظار لهم، لـ يتمكنوا من حصد أفضل النتائج والمكاسب على المستوى الشخصي في مشهد أشبه بـ المثل القائل "لا ينفع ولا يضر".
 
اللافت بـ المباريات السابقة والمباراة الحالية وربما المستقبلية، أن منهجية اختيار الكثير من اللاعبين في التشكيلية الرئيسية لـ الفرق لم تعد بـ النفع على الصالح العام وصالح الجماهير المتابعة ولم تمتعهم، ومقياس هذا هو "النتاج المهني لـ مسؤولياتهم الوظيفية"، فمن وضع في جناح الإقتصاد لم يأتي بشيء جديد، ولم يحسن ويطور من عجلته، ومن وضع رأس الحربة كان الحربة ذاتها التي أطاحت بـ كل الآمال والطموحات ولوائح الأمنيات، وتشكيلة الدفاع لا تنفك أنظارهم عن التحديق في إعلانات الشركات الكبرى المحيطة لـ ساحة الملعب، ولاعبي الوسط ذهنهم مشغول بحجم التغطية الإعلامية لـ مباراتهم، حتى أن الحارس أمضاها يداعب الجماهير ويمازحهم لـ لفت الأنظار عن المستوى الضعيف الذي يلعب به أعضاء الفريق.
 
الغريب بـ كل المشاهد السابقة والحالية، أن الخسارة كانت عنوان الكثير من المباريات، والتأهل كان حلما لم يتحقق، ولم ترى الجماهير "ميسي" خاصتهم بين جميع لاعبي الفرق السابقة والحالية، بـ الرغم من بذلهم مجهود كبير في التصفيق والتشجيع ودفع التذاكر وتحمل الأعباء والضغوطات بين المدرجات في الشمس الحارقة والشتاء القارس، فـ المدربون كانوا مجرد هياكل عظمية تجلس على مقاعد مزينة ؛ دافئة ومكندشة، ولم تكن معادلة الجماهير في حساباتهم، ومعظم اللاعبين متفرقين لا خطة ولا إستراتيجية تجمعهم كـ فريق واحد يلعبون بشكل عشوائي وفوضوي أحيانا كثيرة، همهم الأبرز المصلحة الشخصية والمكاسب والشهرة بعيدا عن نشوة الفوز والإنتصار بـ حب الجماهير والتأهل.
 
ومن الوفاء بـ مقابل هذا المشهد، أن الجماهير ما زالت تعشق هذا الملعب وتدفع أغلى ما لديها في سبيل الحفاظ عليه جميلا ونظيفا بدون تلوث وتشويه، نظرا لـ كونه الملعب الوحيد الذي تسكن تفاصيله في أحشائهم، ويسعدهم في حالات الغضب التي تتوشحهم، ويحتويهم بكل حضن دافئ عندما تضيق عليهم الملاعب الأخرى، وما زالوا مؤمنين أن التغيير سيحدث مهما طال بهم العمر، وأن هناك مباريات لم تلعب بعد ستحقق رغباتهم الذاتية في الفرح والتشجيع والتصفيق وإطلاق الهتافات بـ الاهازيج الشعبية الأصيلة.
 
فمتى سيظهر "ميسي" الأردن ويمتعنا بـ لعب سياسي على الطراز الرفيع